منذ اللحظات الأولى لنشأة الجماعة، وهي مثار للجدل الواسع ليس فقط بين أروقة وجنبات الدولة المصرية، ولكن أيضاً على مستوى العالم أجمع . فقد اتسمت الجماعة بالمراوغة والغموض في أهدافها وهيكلها المؤسسي، الذي لا يعلمه إلا عدد قليل من داخلها، وقد ترجمت هذه المراوغة في طبيعة التحالفات التي أقامتها منذ نشأتها حتى وصولها إلى سدة الحكم في مصر عبر ما يزيد على ثمانين عاماً من الزمان، فقد تحالفت مع الإنجليز تارة، ومع الملك تارة أخرى ومع السادات تارة ثالثة، وعقدت صفقة مع نظام الرئيس مبارك أحيانا ودخلت معه في صدام أحيانا أخرى . حتى إذا ما وصلت إلى الحكم تعاملت بمنطق (الصفقة أو التصادم) فكان الإخفاق أشد وطأة ليس على الجماعة فقط ولكن على الدولة الوطنية المصرية، والتي هددت في أركانها الثابتة لأول مرة في تاريخها الحديث، وهو ما لم يحدث في عهد الاحتلال البريطاني والفرنسي لمصر، حيث انقسم المجتمع، للمرة الأولى في تاريخه، على الأساس الديني والمذهبي، وتم استغلال الدين للتنكيل بالمعارضة أو من يختلف معهم في الرأي، وقامت الجماعة بالتحالف مع الجماعات الأكثر تشدداً وعنفاً قبل وبعد تركها للسلطة للتنكيل بالمعارضة، فانتشر الإرهاب في عموم الدولة المصرية، ولم تجد الدولة بديلاً سوى وضع الجماعة على قوائم الحركات الإرهابية تحت ضغط شعبي كبير .

وصول الجماعة إلى الحكم هدد الأركان الثابتة للدولة المصرية وسياساتها

أولاً: النشأة . . والصيرورة

مر تنظيم الإخوان بمراحل عدة، كانت المرحلة الأولى في الإسماعيلية أثناء عمل حسن البنا في هذه المنطقة، واستمرت هذه المرحلة بين عامي 1928 و،1932 وخلالها كان التنظيم يدور حركة وفكراً حول حسن البنا . وصيغ في هذه المرحلة أول قانون ينظم الشكل الإداري والتنظيمي لهذه الجماعة، فصدر أول قانون تنظيمي للجماعة في ربيع الأول 1353 ه/ 1934م . وقد اختلفت الآراء حول المصادر التي اعتمد عليها البنا في بناء هيكل جماعته التنظيمي، فقد رأى البعض أن هذا التنظيم استلهم حسن البنا روحه عن الطريقة "الشاذلية" . والبعض الآخر رأى أن تنظيم الإخوان، خصوصاً التنظيم السري، قد اكتسبه حسن البنا بعد دراسة متعمقة للحركات السرية التي نشأت في الدولة الإسلامية في عهد بني أمية . وهناك رأي ثالث يرى أن حسن البنا استفاد مما جد من حركات في الغرب، عندما أوضح "أن المؤسسين اطلعوا على جميع الأنظمة التي تيسر لهم الاطلاع عليها، حيثما كانت، إسلامية أو غربية، درسوها دراسة دقيقة، وأخذوا منها ما يلائم "الدعوة" .
* 1- الهيكل التنظيمي والتدرج داخل الجماعة:
حددت المادة التاسعة من قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين الهيئات الرئيسية بأنها المرشد العام، ثم مكتب الإرشاد العام، ثم الهيئة التأسيسية .
أ- المرشد العام: هو الرئيس الأعلى للهيئة كما أنه رئيس مكتب الإرشاد العام والهيئة التأسيسية . أيضا حدد القانون السابق، الشروط التي يجب توافرها فيمن يختار مرشداً، فلا تقل سنه عن ثلاثين سنة هلالية، وأن تتوافر فيه الصفات العلمية والخلقية والعملية التي تؤهله لذلك . أما طريقة انتخابه فقد حددها القانون، حيث ينتخب من بين أعضاء الهيئة التأسيسية في اجتماع يحضره على الأقل أربعة أخماس أعضاء هذه الهيئة . ويجب أن يكون حائزاً لثلاثة أرباع أصوات الحاضرين، وإذا لم يحضر الاجتماع من يمثلون العدد القانوني أُجل إلى موعد آخر لا يقل عن أسبوعين، ولا يزيد على شهر من تاريخ الاجتماع الأول .
ب- مكتب الإرشاد العام، تكون عقب اجتماع لمجلس الشورى العام دعا إليه المرشد وعقد بمدينة الإسماعيلية يوم الخميس 22 صفر 135ه/ 1933م . وتتمثل مهمة هذا المكتب في: أولاً، حراسة النظام العام للجماعة . ثانياً، الإشراف على الدوائر إشرافاً عاماً . ثالثاً، تنفيذ قرارات مجلس الشورى العام للإخوان ودعوته للانعقاد واتخاذ ما يلزم لذلك . رابعاً، حصر أعضاء الجماعة عموماً وتسهيل سبل الاتصال بين الدوائر والفصل في خلافاتها .
ج- الهيئة التأسيسية: كانت تقوم مقام الجمعية العمومية في سائر التنظيمات الأخرى، لأن الجمعية العمومية الحقيقية للإخوان لا سبيل إلى اجتماعها، لأنها تبلغ ملايين عدة، ومن ثم استعيض عنها بالهيئة التأسيسية لعدم توافر الإمكانيات المادية لاجتماع جميع الإخوان .
د- السكرتير العام: فهو يمثل مكتب الإرشاد العام والمركز العام للإخوان المسلمين تمثيلاً كاملاً في كل المعاملات الرسمية والقضائية والإدارية إلا في الحالات الخاصة التي يرى المكتب فيها انتداب شخص آخر بقرار قانوني منه .
ه- أمين الصندوق: يقوم بأعمال ضبط أموال الهيئة، وحصر ما يرد منها وما ينصرف، ومراقبة كل نواحي النشاط المالي والحسابي، والإشراف على تنظيمها، وإحاطة المكتب علماً بذلك في فترات مناسبة وفي حالة غيابه أو تعذر قيامه بعمله ينتدب المكتب من بين أعضائه من يقوم بمهمته مؤقتاً .
* 2- العضوية والشعب داخل الجماعة:
وضعت الضوابط التي تحدد من هو العضو داخل الجماعة فهو كل مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها وينهض بواجبات عضويتها ويعمل على تحقيق أغراضها، ثم وافقت إدارة الشعبة، التي ينتمي إليها على قبوله . وعلى حسب مراعاة تلك القواعد السابقة كان الأعضاء يقسمون إلى فئات: مساعدين ومنتسبين وعاملين ومجاهدين .
أما الشعبة فهي أصغر وحدة إدارية في الهيكل التنظيمي للجماعة، وقد بدأت تلك الشعب في التكوين منذ السنة الثانية لظهور الجماعة أي منذ عام 1929 .
* 3- التنظيمات الإخوانية شبه العسكرية:
اهتمت الجماعة منذ بداياتها الأولى بالإسماعيلية بالجانب العسكري الجهادي، إيماناً بمبدأ الجهاد الذي أقره الدين الإسلامي، ومن هنا كان الشعار الذي عبرت به الجماعة عن نفسها وعن مراميها: "الله غايتنا والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" .
أ- الجوالة: تعتبر فرق الجوالة من أقدم الأنظمة التي تكونت على مر تاريخ الجماعة، ولم تنشأ فرق الجوالة مرة واحدة . بل كانت مرحلة تالية لمرحلة سابقة لها هي مرحلة فرق "الرحلات"، وكما يرى البعض لم يكن هدف حسن البنا من فرق الرحلات هذه إلا تكوين فريق عسكري يحقق فكرة الجهاد في الإسلام .
والجانب العسكري في تدريبات الجوالة ينقسم إلى أربع نواحٍ: الأولى منها تشمل التشكيلات النظامية وتأدية الحركات العسكرية بإتقان . والثانية استعمال السلاح وضرب النار بالبندقية والطبنجة وجميع ما يتبع ذلك ثم المناورات الحربية .
ب- نظام الكتائب: بدأ هذا النظام يظهر إلى حيز الوجود كمرحلة تالية لنظام الجوالة، في خريف 1937م . ومن ناحية التنظيم فقد كانت الكتيبة تتكون من أربعين أخاً، وكانت الكتيبة تلتقي في ليلة معينة من الأسبوع لتمارس تدريباتها في تلك الليلة . أما بيعة الكتيبة فكانت مع الإمام الشهيد، ولم تكن تزيد على ثلاث كلمات: "العمل الطاعة الكتمان" .
ج- التنظيم السري "الجهاز الخاص": اختلفت الآراء عن الفترة الزمنية التي تكون فيها الجهاز الخاص، فالبعض رأى أن الفكرة قد ولدت مع الدعوة في السنة الأولى لها . وقد تألف النظام الخاص من ثلاث شعب أساسية هي: التشكيل المدني، تشكيل الجيش وتشكيل البوليس، وألحقت بالنظام تشكيلات تخصصية مثل "جهاز التسليح" وجهاز الأخبار، وقد عمل الجهاز الأخير كجهاز استخباري للجماعة .
* 4- التنظيم الدولي:
تعود أول محاولة لإيجاد فرع خارجي لجمعية الإخوان إلى عام ،1933 حين نجح البنا في تشكيل شعبة للإخوان في جيبوتي، وقد اتخذ المؤتمر الثالث للجماعة (1935) قراراً بتعميم الدعوة في الخارج بمختلف الوسائل . وتوسع الإخوان في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي، عقب المؤتمر العام (1945) في إنشاء الفروع وتأسيسها خارج مصر . وشكل الإخوان قسم الاتصال بالعالم الخارجي، وتم تقسيمه إلى ثلاث لجان: الأولى لجنة الشرق الأدنى، وتضم البلاد العربية والشعوب الإسلامية في إفريقيا . ثانياً، لجنة الشرق الأقصى وتشمل دول شرق آسيا ووسطها . ثالثاً، لجنة الإسلام في أوروبا .
ومنذ تأسيسه كانت كل خيوط التنظيم الدولي تبدأ وتنتهي عند الرجل الحديدي مصطفى مشهور، ولم يكن خافياً أن سلطته على هذا التنظيم كانت تفوق سلطة المرشد نفسه، سواء أكان عمر التلمساني أو محمد حامد أبو النصر . وإضافة إلى مشهور لا يمكننا إغفال دور سعيد رمضان في تكوين التنظيم الدولي للجماعة، فهو صاحب جهد كبير في هذا الصدد، حيث كان يتمتع بعلاقات قوية مع عدد من أنظمة المنطقة . كما هاجر بعد ذلك إلى أوروبا واستقر في سويسرا، حيث حصل على الجنسية السويسرية وأصدر مجلة "المسلمون" الشهيرة . كما أسس رمضان المركز الإسلامي في جنيف، الذي نجح في نشر الفكر الإخواني فيها، ليمتد التنظيم إلى أمريكا أيضاً حتى طال عدداً من الشخصيات المعروفة، مثل الأمريكي مالكولم إكس، الذي تأثر كثيراً بعلاقته برمضان فيتحول إلى عقيدة أهل السنة، ومن مركز جنيف الذي كان أول وأهم قاعدة للإخوان في أوروبا، انتشرت شبكة المراكز والمؤسسات الإخوانية الأخرى، وأهمها على الإطلاق المركز الإعلامي في لندن والمركز الإسلامي في ميونيخ بألمانيا .
وحالياً، يعد طارق سعيد رمضان نجل سعيد رمضان وابن وفاء البنا ابنة حسن البنا أخطر رجل في التنظيم الدولي . كما يعد أيمن علي وإبراهيم الزيات، هما المسؤولان عن إدارة أموال التنظيم الدولي للجماعة ونقل الأموال للجماعات الجهادية والإسلامية في كل العالم . أما إبراهيم الزيات فهو ألماني الجنسية، مصري الأصل، يشغل منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي بألمانيا، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإغاثة الإسلامية، ومقره لندن، أيضاً فهو عضو المكتب التنفيذي باتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا . ويضاف إلى الأسماء الفاعلة في التنظيم الدولي كل من أنس التكريتي وراشد الغنوشي وعصام الحداد وجهاد الحداد وأخيراً، إبراهيم منير، وهو الأمين العام للتنظيم الدولي .

ثانياً: المنطلقات الفكرية للجماعة

 

مازال لدى جماعة الإخوان المسلمين مواقف فكرية غامضة في العديد من منطلقاتهم، على الرغم من تناولها في كتابات حسن البنا أو شيوخ الجماعة . ويأتي على رأس هذه المواقف الموقف من عودة الخلافة، حيث تمثل جماعة الإخوان أحد أهم القوى المعاصرة التي تنادي بفكرة الخلافة وضرورة بعثها، وقد امتازت بأنها أقامت تنظيماً دولياً على نمط الخلافة المنشود . وتقول الوثيقة المعنونة "النظام العام للإخوان المسلمين" الإخوان المسلمون في كل مكان جماعة واحدة تؤلف بينها الدعوة ويجمعهم النظام الأساسي . وتهدف الجماعة إلى "إعداد الأمة إعداداً جهادياً لتقف جبهة واحدة . . تمهيداً لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة" . وتوضح الوثيقة الهيكل التنظيمي الذي يقف على رأسه المرشد العام ومراقب عام في كل قطر والمراقبون أعضاء في مجلس الشورى العام"، ويتشكل مكتب الإرشاد العام من 13 عضواً، ثمانية أعضاء من مصر، وخمسة يراعي في اختيارهم التمثيل الإقليمي . والجميع في كل الأقطار ملزمون باتباع تعليمات مكتب الإرشاد العام حول الأهداف والسياسات العامة وموقف الجماعة من مختلف الاتجاهات والتجمعات والقضايا المنوعة، أما التفاصيل فمتروكة لإخوان الأقطار فأهل مكة أدرى بشعابها . وهكذا أقامت الجماعة خلافتها الخاصة بها على امتداد وجودها في مختلف الأقطار سعياً وراء إقامة دولة الخلافة .
أما موقفها من الديمقراطية والدستور والأحزاب فيتضح من خلال أقوال شيوخهم، حيث أكد عمر التلمساني: "أننا نقف مع الأحزاب كلها موقف الاحترام الحر لرأي الآخرين، وإذا كنت حريصاً على أن يأخذ الناس برأيي، فلماذا أحرم على الناس ما أبيحه لنفسي؟ كما يقول محمد حامد أبو النصر في حديثه لمجلة "العالم" الذي تصدّره عنوان "نريدها ديمقراطية شاملة وكاملة للجميع" . وأما فريد عبدالخالق في كتابه "الإخوان المسلمون في ميزان الحق"، فيفرد الباب الثاني ل "فكر ومفاهيم الجماعة"، وتحت عنوان "دعائم الحكم الإسلامي"، يقول: فإذا تعذر وقامت المصلحة العامة بقيام التعددية الحزبية فإن الإسلام يسعها" .
وفي الواقع، فإن ما حدث بعد ثورة 25 يناير، هو عكس كل الثوابت والتصريحات التي خرجت من الجماعة، فالديمقراطية والتعددية والحزبية التي نادت بها الجماعة وآمنت بها فعلت عكسها تماما، وأظهرت الجماعة ما بطنته خلال مرحلة ما قبل الثورة . فقد أدت التطورات التي صاحبت الثورة إلى فتح الباب أمام صعود التيارات الإسلامية التي قفزت على الثورة برغم أنها ظلت معادية لها وتنادي بالطاعة لولي الأمر (مبارك) حتى سقوطه . وهذه التيارات المحافظة والمعادية لحقوق المرأة والأقباط بدأت في الهجوم على حقوق المرأة التي حصلت عليها فعليا، مثل قانون الخلع والحريات الشخصية، أو التي ناضلت من أجل الحصول عليها في مجال العمل أو المشاركة في القيادة السياسية والإدارية .

ثالثاً: خريطة معرفية لعمليات العنف التي قامت بها الجماعة

لقد شكلت قضية موقف الإخوان من العنف والإرهاب مرتكزاً أساسياً لأغلب الدراسات التي كتبت في تاريخ الإخوان، جلّها حملت مبررات عديدة لهذا النوع من استخدام العنف في السياسة .
* 1- نماذج من عمليات الإرهاب التي قامت بها الجماعة:
فعندما صدر قرار حل الجماعة بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1948 أرفقت به مذكرة تفسيرية تورد بعضاً مما ارتكبته الجماعة من أعمال إرهابية، ورد مرشدها العام -آنذاك- حسن البنا، بمذكرة مضادة على طريقة "ومن خدع الحرب أن يضلّل المسلم عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله"، وهي أحد تعبيرات البنا الشهيرة، ولكن المرشد لم يدرك ساعتها أن بعضاً من رجاله سوف يأتون في زمن لاحق فيذكرون الحقيقة كاملة ليضعوه بعد رحيله بسنوات عدة في مأزق الاتهام بالكذب .
ومن نماذج عمليات الإرهاب التي قامت بها جماعة الإخوان، حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة في عام ،1946 واستهداف "القاضي أحمد الخازندار بك" وكيل محكمة استئناف القاهرة، وقتل أحمد ماهر باشا في ،1945 ومحاولة قتل الرئيس عبد الناصر في 1954 . وفي عام 1982 تعاظم دور الإخوان في تشكيل ظاهرة "الأفغان العرب"، والتي كانت النواة الأساسية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة بعد عام ،1982 حيث جرى الاتفاق الشهير بين الهارب آنذاك مهدي عاكف، مسؤول لجنة الاتصال بالعالم الخارجي، وبين الأمريكان، على أن يقوم الإخوان بمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ أهدافها في أفغانستان بالمساهمة في إخراج السوفييت، على أن يقوم الأمريكان برد الجميل عن طريق تسهيل إنشاء مراكز للجماعة في أوروبا، ولكن ليس تحت اسم الإخوان مباشرة، وبالرغم من إدانة الإخوان -العلنية- للعمليات التي قام بها العائدون من أفغانستان، إلا أن الجميع كان يعلم أن تلك الإدانة ما هي إلى تغطية مفضوحة لدورهم المشبوه في التأسيس لهذه الظاهرة .
* 2- خريطة الجماعات الإرهابية المرتبطة بالإخوان:
كانت هناك الكثير من التأكيدات أن الجماعة ارتبطت بشكل وثيق مع الجماعات الجهادية في مصر . وقد انتقلت بعض التنظيمات الجهادية إلى عدد من المحافظات المصرية عقب التضييق عليها في سيناء، وهو ما يمثل خطراً داهماً على مصر خلال المرحلة المقبلة . وتتشكل خريطة التي أعلنت عن نفسها بعد عزل مرسي مما يلي:
* 1- الجماعات الإسلامية: وهي تقوم بتكفير كل من لا يقيم شرع الله، وتتركز هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية خاصة مركزي رفح والشيخ زويد، ويدخل ضمن هذه المدرسة أسماء تنظيمات مثل "التكفيريين"، و"التكفير والهجرة"، و"تنظيم الرايات السوداء"، الذي أعلن عن نفسه عقب ثورة 25 يناير .
* 2- الرايات السوداء: هي إحدى الجماعات الإسلامية المتواجدة في سيناء . وقد بدأت نشاطها في "وسط سيناء" و"الشريط الحدودي"، وأعلنت عن نفسها في "العريش"، وهي جماعات تتبنى أفكاراً قائمة على تكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وتنسحب على من دونه من أركان نظام حكمه، وصولاً إلى قاعدة المجتمع البعيدة عن شرع الله، ونشطت هذه الجماعة في عقد التسعينات . ويمكن القول إن هناك تشابهاً كبيراً في أفكار الجماعات التكفيرية المختلفة، وذلك دون أن يجمعها إطار تنظيمي واحد .
* 3- جماعة التوحيد والجهاد: تأسست هذه الجماعة عام 2002 على يد الطبيب خالد مساعد (لقي مصرعه في مواجهه أمنية)، وتعتنق فكراً تكفيريا جهادياً قائماً على التوسع في عملية التكفير . وقد قامت عناصر هذا التنظيم بعمليات إرهابية عدة من قبل في المدة بين عامي (2004 2006)، استهدفت من خلالها بعض المناطق السياحية بمنطقة جنوب سيناء، خاصة تلك التي يتردد إليها سائحون من "إسرائيل" (طابا/ شرم الشيخ/ دهب) . ومن أشهر قادة عناصر هذا التنظيم حاليا "حمادة أبو شتية"، والذي سبق ضبطه في الأحداث المنوه عنها، وقد تم إخلاء سبيله"، وكذا "أبو منذر الشنقيتي"، والذي أصدر فتوى بتكفير الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان .
* 4- السلفية الجهادية: مجموعة جهادية تنتهج الفكر القطبي القائم على التكفير وعلى صلة بالتنظيم الأم في غزة بقيادة أبو الوليد المقدسي (هشام السعدني)، والذي لقي مصرعه مؤخراً إثر قذف من قوات الاحتلال . وقد أعلنت تلك الجماعة عن نفسها في أعقاب وفاة 6 من عناصرها في مواجهة مع القوات المسلحة القائمة على تنفيذ العملية "نسر" .
* 5- مجلس شورى المجاهدين (أكناف بيت المقدس): سبق أن أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق صاروخين "غراد" على مدينة إيلات في "إسرائيل"، وأنها تمتلك أسلحة ثقيلة . وتبنت الجماعة نفسها التفجير الأخير لخط الغاز قرب مدينة العريش .
* 6- "أنصار بيت المقدس" مخزون الإخوان الاستراتيجي: تمثل تحولاً خطراً في أسلوب الأعمال والجماعات الإرهابية التي شهدتها مصر على مدار تاريخها الحديث، فقد اتسمت عملياتها بالانتقال من الأطراف في سيناء إلى داخل القطر المصري في قراه ومدنه حتى وصل إلى العاصمة القاهرة، لتشهد تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة لم يعهدها المصريون حتى في أصعب فترات الإرهاب التي مرت بها مصر . لذلك، أصبحت جماعة "أنصار بيت المقدس"، مثار جدل كبير على الأصعدة كافة، لا سيما مع تزامن نشاطها مع سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثار الاتهام بوجود علاقة ما بين الجماعتين، بل ذهب البعض إلى أن جماعة أنصار بيت المقدس ما هي إلا ميليشيات تتبع القيادي الإخواني خيرت الشاطر .
وأخيراً، هناك جماعات أخرى لا تعلن عن نفسها تنظيمياً، حيث تظهر في صورة مجموعات صغيرة من الإسلاميين، تواظب على الاجتماع بشكل منظم، وتعد الأكثر خطراً بين الجماعات الإسلامية، لأنها يسهل تنشيطها للعمل المسلح ودفعها لتنفيذ عمليات تخريبية بمجرد وجود من ينظم أفكارها أو يوفر لها الدعم، سواء من ناحية التمويل أو التدريب، وبالتالي يمكن استغلالها بسهولة في تنفيذ عمليات ضد أي أهداف داخل سيناء أو خارجها، وقد تكون متورطة في العملية الأخيرة التي استهدفت رجال الشرطة في القاهرة وبعض محافظات الدلتا، لأنها عملية نوعية مقارنة ببقية العمليات التي استهدفت قوات الأمن بسيناء خلال الأشهر الماضية .

"الجماعة" لم تشارك في ثورة 25 يناير إلا بعد خروج الشباب بالملايين

استطاعت جماعة الإخوان المسلمين، على مدار تاريخها، الحفاظ على بنيتها التنظيمية من خلال امتصاصها للضربات الأمنية والسياسية المتلاحقة، ولكن ما حدث منها عقب 30 يونيو من ممارسات عنفوية وإرهابية مقننة، أفقدها كل التعاطف والزخم الاجتماعي، الذي كسبته منذ نشأتها . وعلى الرغم من اتهام البعض للجماعة منذ اندلاع ثورة 25 يناير بأنها تقف وراء كل أعمال العنف واقتحام السجون المصرية في 25 يناير، إلا أن الكثير من المصريين شككوا في ذلك، ووقفوا وراء الجماعة في كل الاستحقاقات السياسية التي جرت عقب الثورة إلى أن وصلت إلى سدة الحكم، وشاهدوا بأم أعينهم كل أعمال العنف التي مارستها ليس فقط اتجاه المعارضة، ولكن أيضاً مع مؤسسات الدولة المختلفة، والتي تجلت مظاهرها في حصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي، لإرهاب القضاة والإعلاميين الذين انتقدوا أداءها وأداء الرئيس المعزول مرسي .
وحرصت الجماعة بعد وصولها إلى الحكم، وهي في سبيلها لتنفيذ مشروع "التمكين" و"الأخونة"، على إقصاء كل التيارات السياسية، حتى تلك التي تحالفت معها في الانتخابات البرلمانية، وظنت خطأ بأن مشروع التمكين الذي بشر به المؤسس الأول بدأ في الانطلاق بلا عودة . 
وبناء عليه استخدمت وسائل العنف المعنوي والمادي تجاه المعارضة السياسية إلى حد ممارسة اتباعها سياسة "الحرق والحرق المضاد"، فكادت القاهرة أن تشتعل عن بكرة أبيها، لولا أن ظهرت "حركة تمرد" في الوقت المناسب، وبدأت في التحرك لجمع توقيعات سحب الثقة من الدكتور مرسي . وما يزيد الطين بلة، أن الجماعة لم تستفد من التاريخ القريب، أو حتى تتعظ من قدرة الشعب المصري على إزاحة نظام عمره أكثر من 30 عاماً، بطرق سلمية لم يمارس فيها العنف من الثوار أو التيارات السياسية والحزبية، بما فيها الحزب الوطني المنحل . ولكن بعد 30 يونيو بدأت الجماعة تكشف عن وجهها الحقيقي، وقدرتها على استخدام العنف والإرهاب، وإدانته في ذات اللحظة، وهو ما سوف نتناوله في هذه الحلقة .
* أولاً- حقيقة مشاركة الجماعة في الثورة:
تشير كل القرائن والبراهين إلى أن جماعة الإخوان لم تشارك في ثورة 25 يناير، إلا بعد أن أيقنت تماماً أن الشباب الذي خرج بالملايين في عموم ميادين مصر لن يعود، إلا بعدما تتحقق مطالبه المشروعة، والتي عبر عنها في شعار رئيسي هو: "عيش . . حرية . . عدالة اجتماعية"، ولم يكن هدف الشباب آنذاك "رحيل أو إسقاط النظام"، ولكن تمثل هدفه في تحقيق بعض المطالب الاجتماعية العادلة، ورفع القمع والممارسات التي كانت تقوم بها وزارة الداخلية .
وفي الساعات الأولى للثورة أكدت قيادات الجماعة للنظام القائم آنذاك بأنها لن تشارك مع الشباب في يوم الخامس والعشرين من يناير، وهو بالفعل ما حدث طبقاً للشهادات الحية، ليس فقط لبعض قيادات الأمن، ولكن أيضاً لشباب الجماعة الذي انشق عن قياداته وشارك في الثورة، هذا من ناحية . 
ومن ناحية ثانية، أكد ذلك البيان الذي أصدرته في 19 يناير 2011 وطالبت فيه نظام مبارك بالإصلاح والتغيير، والتحرك نحو تحمل المسؤولية والأخذ بزمام المبادرة لبدء مسيرة إصلاح جاد، لأن كفة الاستقرار لن تدوم طويلاً .
ومن ناحية ثالثة، تجلى موقف جماعة الإخوان المسلمين من ثورة 25 يناير في اجتماع مكتب الإرشاد يوم 28 يناير، والذي دعت فيه الجماعة إلى المشاركة الفاعلة في تظاهرات يوم "جمعة الغضب" . ومن ناحية رابعة، يتضح أكثر بأن الإخوان كانت لديهم نية لبيع الثوار والثورة بدليل دخولهم في حوار مباشر مع نائب الرئيس آنذاك، والدخول في مفاوضات مباشرة مع المجلس العسكري، ومطالبتهم بسرعة إنجاز التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية والرئاسية لكي تأتي في مصلحتهم، ويجنوا ثمار الثورة بمفردهم . ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ويتخلص الشعب المصري من خلال موجة ثانية للثورة من جماعة الإخوان، وهو ما لم يستطع نظام مبارك فعله في أكثر من 30 عاماً .
* ثانيا- فشل الإخوان في الحكم:
هناك جملة من العوامل والإخفاقات، على الصعيدين الداخلي والخارجي، أدت في النهاية إلى سرعة انهيار حكم الإخوان ومكتب الإرشاد في مصر .
1- على الصعيد الداخلي:
- أولاً، كان التسرع والعجلة في مشروع "الأخونة"، الذي انطلق بسرعة فائقة من دون عقل أو تمهل، أحد الأسباب الرئيسية في إسقاط حكم مكتب الإرشاد، حيث حاولت الجماعة السيطرة على جميع المناصب السياسية والتنفيذية في الدولة، على الرغم من التحذيرات المتكررة بأن محاولة الحكم المنفردة سوف تؤدي إلى نهاية الجماعة وحزب الحرية والعدالة، ولكن صُمت الأذان من قبل الرئيس وجماعته، واعتقدوا خطأ أن الشعب المصري لن تقوم له قائمة أخرى .
- ثانياً، الاعتماد على شرعية مفقودة، فقد حاولت الجماعة أن تتحدث طوال الوقت عن أنه لا بديل عن شرعية "صندوق الانتخابات"، ونست أيضاً أنه إحدى أدوات الديمقراطية وليس الديمقراطية ذاتها، التي تتكون من قيم ومبادئ وممارسة . والدليل على ذلك أن البيان الأخير للرئيس السابق محمد مرسي ذكر كلمة "الشرعية 58 مرة"، وأن البيانات التي ترجمت من قبل الجماعة والسيد عصام الحداد إلى اللغة الإنجليزية أكدت أن ما حدث هو انقلاب عسكري أبيض على الشرعية .
- ثالثاً، مؤسسة رئاسية ضعيفة معدومة الكفاءات، حيث اعتمدت الجماعة والرئيس على مجموعة معدومة الخبرة من أهل الطاعة والثقة؛ ما أوقع الرئيس في كثير من الأخطاء التي أضرت بالأمن القومي المصري على الصعيدين الداخلي والخارجي .
- رابعاً، فشل الحوار الوطني أو المصالحة، حيث لم يستطع الرئيس أن يقنع المصريين بأنه رئيس لكل المصريين لا لجماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها فقط، حيث وقع في خطأ فادح عندما خرج وخطب في أهله فقط عند قصر الاتحادية ولم يفعلها مع المعارضة . كما أن استخدامه المفرط في كل خطاباته وبياناته ولقاءاته تعبير أنه رئيس كل المصريين كان يمثل النفي .
وأخيراً، الإعلان الدستوري المكبل للحريات الذي أصدره مرسي في 28 نوفمبر ،2012 والذي كان يمثل المسمار في نعش الجماعة، والذي على إثره بدأت تتكون حركات سياسية واحتجاجية عدة ضد الإخوان مثل جبهة الإنقاذ وحركة تمرد، التي التف حولها الشعب المصري لإسقاط الاستبداد السياسي الديني الجديد .
2- على الصعيد الخارجي، ارتكبت جماعة الإخوان مجموعة من الأخطاء على المستوى الخارجي، تتمثل في:
- أولاً، اعتبرت الجماعة أن مسألة قرض صندوق النقد الدولي مسألة حياة أو موت لها، أو شهادة دولية، وذلك لتوطيد حكمها في مصر، على الرغم من حصولها على الكثير من القروض الخارجية (نحو 13 مليار دولار)، وبدلاً من الاعتماد على مصادر تمويل وطنية أو على سياسات تقشفية تقنع بها عموم المصريين أخذت تصول وتجول في كل دول العالم من أجل الاقتراض من دون وعي بماذا ستفعل بهذه الأموال، ومن دون ضخها في مشروعات استثمارية لكي تستوعب القدرات الهائلة من طاقات الشباب الذي قام بالثورة ولم يجنِ منها شيئاً . 
- ثانياً، الاعتماد الكلي على دعم ومساندة الإدارة الأمريكية، فإذا كان الرئيس السادات قد قال: إن 99% من قواعد اللعبة في يد أمريكا، فإن الإخوان قالوا: إن 100% من قواعد اللعبة بيد أوباما والإدارة الأمريكية، التي لم تستطع أن تحمي مبارك بعد 30 سنة خدمة لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط، واتضح من ذلك أن الجماعة هي أكثر تابعية للإدارة الأمريكية من نظام مبارك، الذي كان يستطيع أن يتحرك قليلاً بعيداً عن الأمريكان .
- ثالثاً، حالة العداء المباشر من قبل الجماعة ورئيسها لبعض الدول العربية الشقيقة التي يكن لها الشعب المصري كل تقدير واحترام، التي أسهمت في بناء قرى ومدن كاملة في مصر مثل الإمارات والسعودية . وبدلاً من أن تقوم الجماعة بإرسال خطاب تهدئة بأنها لن تعمل على تصدير الثورة، نشّطت الخلايا النائمة لها في منطقة الخليج عامة، وفي الإمارات خاصة . ونسي الرئيس وجماعته أنهم لم يستطيعوا فعل شيء أمام أخطائهم المتراكمة، التي أدت إلى مزيد من المشكلات في الداخل بدلاً من إلقاء التهم على الآخرين .
- ثالثاً: أدوات العنف لدى الجماعة:
من اللافت للنظر أن الجماعة نوعت في استخدامها لكل أشكال العنف المختلفة، قبل وبعد ثورة 30 يونيو، فلم يكن يتصور أحد، في مصر والعالم، بأن يكون لديها هذا الكم من الكراهية والحقد تجاه الشعب المصري، والتي تعاقبه الآن على رفضه للاستبداد مرة ثانية، بعد ثورة كان من أعظم نتائجها هو كسر حاجز الخوف من أي سلطة جائرة . وقد تنوعت وسائل العنف التي استخدمتها الجماعة فيما يلي:
1- أدوات العنف المعنوي: يتجسد هذا النوع من العنف في قيام الجماعة باستخدام وسائل الإعلام والحركة الطلابية والنساء والأطفال في ممارسة هذا النوع من العنف، إضافة إلى الحرب الإعلامية بالوكالة التي تقوم بها قناة الجزيرة .
أ- الإعلام الديني والسياسي المحرض، أدرك حسن البنا منذ تأسيس الجماعة الأهمية القصوى للصحافة والإعلام، لذلك حرص على أن يكون للإخوان العديد من الصحف والمجلات والمطبوعات التي لعبت دوراً مهماً في الدعوة لجماعته . كما كانت الجماعة من أولى الحركات السياسية لجوءاً للإنترنت . ولدى سقوط الجماعة في 30 يونيو ،2013 كانت لديها ترسانة إعلامية لم تمتلكها أي حركة من حركات الإسلام السياسي على مدار التاريخ، علاوة على وسائل وأدوات إعلامية أخرى كانت محابية للجماعة أو مؤيدة لها أو متحالفة معها . ومن أدوات الإعلام الرسمي للجماعة: (نافذة مصر، الدعوة، إخوان أون لاين، إخوان ويب باللغة الإنجليزية، إخوان تيوب، إخوان ويكيبيديا، قناة "مصر 25"، حساب جماعة الإخوان المسلمين على الفيس بوك وتوتير، بوابة وصحيفة "الحرية والعدالة باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى تأسيسها قنوات فضائية جديدة عدة بعد فض اعتصامي رابعة مثل قناة أحرار ،25 ورابعة . . إلخ) .
واستغلت الجماعة وسائل الإعلام في:
- أولاً، القيام بدور دعوى للإيديولوجيا الدينية المذهبية، وفي نشر الأفكار الراديكالية وسط بعض الشرائح الاجتماعية الشابة، لاسيما من بين بعض أبناء الفئات الوسطى الوسطى والصغيرة، والشعبية في مصر، أو وسط بعض أبناء شبه جزيرة سيناء ممن عانوا التهميش التاريخي، والعزلة، في ظل أزمة الانتماء الوطني وانعكاساتها على نظام الشرعية السياسية . 
- ثانياً، وظيفة التجنيد، والتعبئة والحشد لبعض الفئات الشابة السابق الإشارة إليها، وهو ما يكشف عنه تحليل قوائم المقبوض عليهم من المشاركين في بعض هذه الجماعات .
- ثالثاً، أداة لتعليم بعض الشباب سابق الإشارة إليهم، على تكنولوجيا العنف والإرهاب، من إعداد قنابل المولوتوف، والتفجيرات عن بعد، وتفخيخ السيارات، أو التدريب على استخدام بعض الأسلحة . رابعاً، أداة لبث خطابات ومواقف بعض الجماعات الإرهابية، وردودها على مواقف الحكومة المصرية السياسية والأمنية والدنية الرسمية . 
- خامساً، تبادل الرسائل المشفرة مع كوادرها وشبكاتها العنقودية داخل مصر وخارجها . وأخيراً، محاولة الاستقواء بالعالم الخارجي ضد الدولة المصرية من خلال عرض افتراءات وأكاذيب لا تحدث على أرض الواقع، أو قلب حقائق الأمور، واتباع سياسة "المظلومية"، وهي إحدى أهم سمات الجماعة .
ب- استخدام النساء والأطفال: لم يغب عن حسن البنا أهمية وخطورة العنصر النسائي في الدعوة، لذا أنشأ البنا مدرسة أطلق عليها اسم "مدرسة أمهات المؤمنين"، التي كان منهجها إسلامياً خالصاً . وقد استتبع ذلك وبعد فترة وجيزة ظهور أول تجمع نسائي في الجماعة، وهو ما أطلق عليه اسم "فرقة الأخوات المسلمات" في غرة المحرم سنة 1352 ه 26 إبريل سنة 1933 بالإسماعيلية . وأشار البنا في كتابه الرسائل تحت عنوان: "رسالة للمرأة" إلى أن الإسلام أباح للمرأة شهود العيد، وحضور الجماعة، والخروج للقتال عند الضرورة الملحة، ولكنه وقف عند هذا الحد، واشترط له شرطاً، هو البعد عن كل مظاهر الزينة، وستر الجسم، وإحاطة الثياب . 
ومن قراءة رسائل إمامهن حسن البنا، ندلل بأن خروج النساء لمساندة الرجال في تظاهرات ما بعد 30 يونيو ،2013 والتي كانت أغلبها مسلحة، ربما كان إيماناً منهن بالضرورة التي أكدها إمامهن . وكان أهم مظاهر العنف لنساء الإخوان: أولاً، التحريض ضد رجال القوات المسلحة من قبل حركات نسائية تكونت من ميداني رابعة والنهضة، مثل حركة "نساء ضد الانقلاب"، والتي انطلقت في القاهرة، وانتشرت في محافظات عدة، كان أهمها الدقهلية والوادي الجديد وكفر الشيخ، والتي أصدرت بياناً لها في 14 يوليو 2013 طالبت فيه بعدم الرحيل من ميداني رابعة والنهضة، وأن يكن في المقدمة قبل الرجال، في حال فض الاعتصام . 
- ثانياً، نظمن تظاهرات في 20 يوليو2013 أمام وزارة الدفاع، وكان هناك مشهد بثته الكثير من الفضائيات لسيدة منتقبة تعترض سيارة مصفحة، وترقد أمامها لمنع تحركها . وأيضاً في 22 يوليو من الشهر نفسه، تحركت مسيرات ليلية لنساء الجماعة من أمام مسجد الخليل إبراهيم بحدائق المعادي، يرفعن لافتات ضد الجيش والشرطة، وينددن بما وصفنه بالانقلاب، ويطالبن بعودة الرئيس المعزول . وفي التوقيت ذاته، خرجت أيضاً مسيرات نسائية، دون رجال الجماعة، تقطع الطريق الزراعي بمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، وتطالب بعودة الرئيس المعزول . 
- ثالثاً، تحريض قيادات نساء الجماعة على العنف على غرار تحريض قيادات الجماعة من الرجال، وكان أهم من حرضن هي النائبة السابقة بمجلس الشعب المنحل عزة الجرف، حيث تناقلت الصحف المصرية، والمواقع الإلكترونية تصريحات خطيرة لها، كان نصها "نبشر بأعداد كبيرة من القتلى في صفوف الجيش، والشرطة المصرية، إذا لم يتم الإفراج عن محمد مرسي" .
- رابعاً، التحريض على قتل المسيحيين، والذي دعت له إخوانية ترتدي النقاب أمام شاشات التلفزيون بميدان رابعة .
- خامساً، القيام بتوصيل ونقل السلاح والذخيرة إلى المتظاهرين، وكانت الواقعة الأولى، وهي مسجلة فيديو لثلاث سيدات من نساء الإخوان تم القبض عليهن في 18 أغسطس، ليلة أحداث مسجد الفتح الدامية، وبحوزتهن أسلحة ورشاشات إسرائيلية الصنع . 
ومن الأهمية القول بأن التفسير الوحيد لاستخدام الإخوان النساء والأطفال هو أولاً، صعوبة قيام الرجال بمهام الحشد نتيجة الاحتماء بالميادين، والرغبة في عدم تركها، إما بسبب الرغبة في عدم الملاحقة الأمنية، أو لسبب إظهار الثبات في مواجهة الجيش والشرطة، على أساس أن ما حدث انقلاب، وأنهم يدافعون عن الشرعية والشريعة .
- الرغبة في إحداث ضجة إعلامية، الهدف منها خداع الرأي العام العالمي بأن الجيش المصري والشرطة المدنية يعتديان على النساء .
- سهولة حشد النساء عن طرق اللعب على وتر الانتقام لعودة الشرعية، والانتقام للمتوفيات من ذويهن، سواء في أحداث الحرس الجمهوري، أو في أحداث شارع النصر، وهنا يستخدم الجهل بالدين كدافع لنساء، وقلة الوعي، والتأثير، وغسل المخ، خصوصاً أن أغلبهن كن من المناطق الريفية حول القاهرة الكبرى، أو من المناطق العشوائية . وأخيراً، سهولة وصولهن للمناطق السيادية للتظاهر أمامها، مقارنة بالرجال، نظراً لنجاحهن في اجتياز الحواجز الأمنية من دون تفتيش . 
ج- استخدام الشباب والحركة الطلابية: كان سقوط الجماعة وخسارتهم للسلطة بعد عام واحد فقط، يمثل صدمة كبيرة لأنصار الجماعة ومؤيديها في الداخل والخارج . لذلك كان من البديهي أن تقوم الجماعة ونجحت في ذلك باستدراج الحركة الطلابية إلى صفها لمواجهة ما أطلقت عليه "ممارسات الشرطة ضد الحركة الطلابية"، خاصة بعدما قتل طالب في كلية الهندسة جامعة القاهرة، ولم تستطع جهات التحقيق التوصل إلى القاتل الحقيقي، على الرغم من تأكيد الطب الشرعي بأن الرصاصة التي أردته قتيلاً كانت من الخلف . 
وقد صبت المعالجات الخاطئة من وزير التعليم العالي ورؤساء الجامعات والحكومة أيضاً في مصلحة الإخوان، حيث تم إصدار قانون التظاهر الجديد، والذي قوبل بردود فعل متباينة بين من يرى فيه تكميماً للأفواه ومن يرى فيه مخرجاً من حالة الفوضى التي تتخبط فيها البلاد . ولم يكن موقف الحركة الطلابية من القانون ببعيد عن الموقف السياسي الذي اتخذته القوى السياسية المختلفة من القانون . لذلك ثار الطلاب المنتمون للجماعات الإسلامية ضد هذا القانون واعتبروه خطوة من قبل النظام، الذين لا يعترفون بشرعيته في إخماد تظاهراتهم . ومن هنا فقد نظم طلاب تلك الجماعات العديد من الاحتجاجات الطلابية داخل الجامعة منددين بهذا القانون، وقد وافقهم في ذلك طلاب حركة 6 إبريل والاشتراكيون الثوريون وحركة أحرار، لقناعتهم بضرورة استبعاد الدور الأمني من الجامعات، وإطلاق الحريات السياسية للطلاب . 
إن أعمال العنف التي شهدتها المؤسسات التعليمية، حولت الحرم الجامعي إلى ساحة حرب، نتيجة الاشتباكات بين طلاب الإخوان والمستقلين، والتي يتدخل على إثرها الأمن لفضها أو اشتباكات بين الطلاب والأمن مباشرة، ما أدى إلى تطور الأمر وحدوث المزيد من العنف . وهذا الأمر يعتبر بعيداً عن مسار الحركة الطلابية التي بدأت واستمرت وطنية حتى حدوث الانقسام المترتب على أحداث 30 يونيو .
- أدوات العنف المادي ومشاركة حماس: قامت جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية المتحالفة معها، ليس فقط بترويع المصريين عن طريق التهديدات المباشرة التي أدلى بها قياداتها داخل ميداني رابعة والنهضة، ولكن مارست أيضاً كل أشكال العنف المادي من خلال تفجير خط أنابيب النفط وقتل وذبح جنود القوات المسلحة في سيناء . كما قامت هذه الجماعات باتباع أسلوب القاعدة في تفجير مديريات الأمن في الدقهلية والقاهرة وبعض مدن الصعيد، وأخيراً من خلال استهداف وزير الداخلية شخصياً، كما نجحت في استهداف عدد ليس بالقليل من رجال الشرطة والقوات المسلحة في قلب الدلتا . 
واللافت للنظر، هو تعاون حركة حماس مع جماعة الإخوان وهروب نائب المرشد إلى قطاع غزة . تدين حركة حماس وتؤكد ضلوعها في أحداث العنف التي شهدتها مصر طوال السنوات الثلاث الماضية، وأدلة إدانة حماس كثيرة، بعضها تؤكده بين الحين والآخر الحرب على الإرهاب في سيناء، حيث تم ضبط فلسطينيين يشاركون الجماعات التكفيرية في استهداف الجيش المصري، وبعضها تداولته المحاكم حالياً، خصوصاً قضية فتح السجون في جمعة الغضب 28 يناير ،2011 وتهريب قيادات جماعة الإخوان وأعضاء من حركة حماس وحزب الله اللبناني .
ومجمل القول، إن هناك أدلة أخرى عبارة عن مخاطبات بين حركة حماس وجماعة الإخوان أثناء وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، هذه المخاطبات تؤكد ضلوع الحركة في أحداث العنف التي واكبت ثورتي يناير ويونيو، كما أنها تؤكد أن حماس شريك أساسي في المؤامرة على مصر مع أطراف أخرى في الخارج، التي تتمثل في تركيا وقطر، فالأولى مهدت للإخوان أحداث الفوضى، والثانية دورها ثابت ولم يتغير كونها "الخزينة"، التي تمد الإرهاب بالمال ثم تعاظم دورها بعد ثورة يونيو، لتكون ملاذاً للإرهابيين الهاربين من العدالة في مصر .

"الإخوان" بنوا مشروعاً على حلم مفقود اسمه "الخلافة الإسلامية"

بداية، من يقرأ الأدبيات السياسية والدينية لجماعة الإخوان المسلمين يدرك جيداً، وللوهلة الأولى، بأنها لا تعترف بالحدود الوطنية والقومية للدول، وإنها تسعى إلى تحقيق حلم مفقود يتمثل في عودة الخلافة الإسلامية مرة ثانية . لذا أقامت الجماعة البنية التنظيمية لهيكلها المؤسسي على ضوء هذا الحلم، وبررت كل ممارساتها الخاطئة في ضوء القاعدة الفقهية الشهيرة "الضرورات تبيح المحظورات"، فتارة تعقد تحالفات مع الإنجليز ضد القصر، وتارة أخرى تعقد تحالفات مع القصر والإنجليز ضد حزب الوفد صاحب الأغلبية آنذاك، وصولا إلى عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية للتخلص من حكم مبارك، على أن تصبح هي الراعي الرسمي الجديد للولايات المتحدة في المنطقة، والدليل القاطع على ذلك هو سرعة إنجازها لاتفاق الهدنة بين حركة حماس أحد أركان الجماعة وبين الكيان الإسرائيلي في 21 نوفمبر ،2012 والذي كان يمثل أول الاختبارات الحقيقية التي وضعتها "إسرائيل" والولايات المتحدة للجماعة، وقد نجح فيه الإخوان بامتياز . 
* أولا- العلاقة بين بريطانيا والجماعة:
تعود العلاقات البريطانية الإخوانية إلى عام ،1928 حيث قدمت الاستخبارات الإنجليزية شيكاً بمبلغ 500 جنيه مصري للشيخ حسن البنا عبر شركة قناة السويس للمساعدة في نشأة الجماعة . وكانت رغبة سلطات الاحتلال من ذلك إيجاد تيار شعبي مناوئ لحزب الوفد الذي كان يتمتع بشعبية طاغية من جانب، وورقة ضغط جديدة على الملك من جانب آخر . ومنذ ذلك الوقت ترتبط الجماعة ببريطانيا بحبل سري لم ينقطع حتى هذه اللحظات .
1- علاقات ما قبل ثورة 25 يناير: يمكن أن تتصف العلاقات البريطانية الإخوانية قبل ثورة 25 يناير بأنها علاقة وظيفية تكتيكية فقط، لم تصل إلى حد التحالف بينهما، حيث سعت بريطانيا كقوة عظمى في منتصف القرن الماضي إلى استغلال الإخوان في تحقيق مصالحها الإقليمية . فقد استخدمت بريطانيا الجماعة عبر لقاءاتهم مع الهضيبي للضغط على النظام الناصري خلال المفاوضات بشأن وضع القاعدة العسكرية البريطانية في مصر . 
2- علاقات ما بعد ثورة 25 يناير: تذبذبت العلاقة بين جماعة الإخوان وبريطانيا بحلول ثورة 25 يناير،2011 وكان التوتر هو السمة العامة للتعاون بينهما . فعلى الرغم من أن ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا يعد أول مسؤول غربي يزور مصر بعد تنحي مبارك في فبراير ،2011 إلا أنه رفض لقاء أي عضو من الجماعة في مصر، الأمر الذي دفع عصام العريان، أحد المتحدثين باسم الجماعة، ليعلق على رفض كاميرون بأن مصر قد أنهت الاحتلال البريطاني منذ 65 عاماً . كما لم يدم التوتر طويلاً، وثمة تعاون كان قد بدأ يظهر في الأفق بين الجماعة والحكومة البريطانية وغيرها من الحكومات الأوروبية، وذلك خلال المرحلة الانتقالية التي سبقت انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر، حيث قام وفد من الخارجية البريطانية بزيارة مقر الإخوان في الإسكندرية، وعبرت الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي عن اهتمامهم بالتعاون مع أي تيار يرحب بالديمقراطية، وذلك بعد زيارة كاميرون بشهرين، متناسين تصريح السير ريتشارد ديرلوف، المدير السابق لخدمة الاستخبارات السرية MI6، في مارس ،2011 بأن جماعة الإخوان، "ما هي إلا منظمة إرهابية في داخلها"، بدعوى حرص بريطانيا على دعم تطوير الديمقراطيات الليبرالية، بعد عقود من الديكتاتورية القمعية للحكومات العربية . 
وفي الوقت ذاته، كان هناك بعض المسؤولين الإنجليز الذين يشعرون بالقلق من تزايد مخاطر احتضان النظم الإسلامية الراديكالية، من دون قيد أو شرط، الأمر الذي جعل ويليام هيج وزير الخارجية البريطاني يعرض دعماً حذراً للثورات العربية منذ أن بدأت الأحداث في تونس تتكشف . ولتحقيق هذه الرؤية، أنشأت الخارجية البريطانية بمشاركة عربية مركزاً يسمى "السياسة الخارجية الاستباقية"، هدفه تنسيق رد فعل بريطانيا الاستراتيجي فيما يحدث في الدول العربية، ولتحقيق تطور سياسي واقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم مصالح بريطانيا في المنطقة، الأمر الذي جعلها تطلق 118 مخططاً رسمياً في فبراير 2011 من قبل ويليام هيج، وبقيادة وزارة الخارجية، وبدعم كامل من وزارة التنمية الدولية البريطانية، على أن تكون مسؤولية إدارة الصندوق مشتركة بين وزارتي الخارجية والتنمية الدولية، التي خصصت له 110 ملايين جنيه إسترليني على مدى أربع سنوات 40 مليون جنيه إسترليني قادمة من وزارة الخارجية البريطانية، و70 مليون جنيه إسترليني من الجهة العربية .
3- علاقات ما بعد 30 يونيو: اتسم موقف بريطانيا من ثورة 30 يونيو بالعداء، واعتبرت ما حدث هو انقلاب عسكري ناعم، وذلك كان متوقعاً، بعد الدعم المادي والسياسي الذي قدمته للإسلاميين وللتنظيم الدولي في مختلف البلدان العربية .
وفي مفاجأة للكثيرين، وبعد عقود من التحالف بين جماعة الإخوان المسلمين والحكومة البريطانية، أصدر ديفيد كاميرون قراراً بالتحقيق حول وجود جماعة الإخوان ونشاطها في بريطانيا على خلفية المخاوف من قيامها بأنشطة متطرفة، واستخدام لندن مركزاً لعملياتها الدولية، القرار الذي يضع علاقة الإخوان بلندن على المحك، ولكن قبل قرار كاميرون بعدة أيام، كانت مجلة "الفورين بولسي" قد نشرت تقريراً يحمل عنوان "لماذا تقدم لندن كل هذا الدعم للإخوان المسلمين . . .؟!"، والتي أشارت فيه إلى أن لندن أصبحت مقر "إخوان أونلاين"، مؤكدة أن "الجماعة" صناعة إنجليزية" .
ويرى البعض أن هذه الخطوة جاءت بعد ضغوط هائلة مارستها السعودية والإمارات ومصر على لندن، من أجل اعتبار الإخوان "جماعة إرهابية" ومنعها من استخدام لندن مركز عمليات للتنظيم الدولي، لكنها ستتجنب الحظر الكامل لتلافي إغضاب قطر، وهي شريك مهم أيضاً بالنسبة لبريطانيا، التي نجحت مؤخراً في تسوية بعض أوضاع أعضاء الجماعة في لندن، من خلال بوابة مكتب للمحاماة تخصص في استقبال قضايا الإخوان، منهم محمد سويدان، وضياء المغازي، التسوية التي ستكون مقدمة لدخول عشرات القيادات الإخوانية إلى لندن .
* ثانياً : علاقة الجماعة بالولايات المتحدة الأمريكية 
توصف العلاقة بين الإخوان والولايات المتحدة، بأنها علاقة "منفعة متبادلة"، حيث استغلت الجماعة رغبة الولايات المتحدة في إحداث تغيير في بعض الأنظمة السياسية في المنطقة لتقدم نفسها بديلاً لتلك الأنظمة الاستبدادية، خاصة مع بدء فتح حوار مباشر سري وعلني مع قيادات الجماعة في مطلع الألفية الجديدة، وتعنت الأنظمة القائمة في الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بتبني مجموعة من الإجراءات الإصلاحية . 
1- مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير: تعود علاقة الإخوان بأمريكا إلى مراحل مبكرة من تاريخ الجماعة، فقد حرص المرشد المؤسس على مد جسور التواصل والتفاهم مع الأمريكان، بل وكان مبادراً بالاتصال والتفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولعب البنا على قضية كان الأمريكان يهتمون بها، وهي قضية العداء والمواجهة مع الاتحاد السوفييتي . وتعززت العلاقة بينهما في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، بعد قيام عناصر من الجماعة بمحاولة الاغتيال الفاشلة لعبد الناصر (المنشية 1954) . وللأمريكان فضل كبير في دعم وتأسيس التنظيم الدولي للإخوان فقد ساعدت المخابرات الأمريكية الجماعة في افتتاح كافة المراكز الإسلامية في أوروبا، ومكنتها من السيطرة عليها بداية من ،1982 وكانت هناك علاقات مودة وتواصل جيدة بين الإدارة الأمريكية ومرشدي الإخوان، خاصة مع عمر التلمساني والشيخ حامد أبو النصر . وعلى خلفية حادثة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، طلب الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان من التلمساني التدخل لدى آية الله الخميني لإطلاق سراح الرهائن، وحاول بالفعل التلمساني القيام بتلك الوساطة، لكن الخميني لم يستجب له .
وفي فترة النصف الثاني من التسعينات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تواصلت التفاهمات والمقابلات بين الإخوان والإدارة الأمريكية، وكانت للدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون، أداة الاتصال بين الإخوان وأعضاء السفارة الأمريكية بالقاهرة، وخارجها في الولايات المتحدة وقطر بترتيب لقاءات بين قيادات إخوانية ومسؤولين أمريكان .
2- مرحلة ثورة 25 يناير: تجاوزت الجماعة في علاقاتها بالأمريكان، ما كانت عليه العلاقة في عهد الرئيس الأسبق مبارك، حيث تخطت مرحلة التحالف الاستراتيجي إلى علاقة "السيد بالتابع" . واتضح ذلك للعيان من خلال الزيارات السريعة والمتكررة للمسؤولين الأمريكان وسفيرتهم بالقاهرة لمكتب الإرشاد والمسؤولين من جماعة الإخوان، وكانت هذه الزيارات للتوجيه وفرض سياسات بعينها على الجماعة . وقدم الإخوان كل فروض الطاعة "للسيد الجديد" حتى يستقر لهم الأمر بالداخل، وترتيب أوضاع المنطقة خاصة بعد تولي الإخوان السلطة في تونس، وسيطرة الإسلاميين على ليبيا واليمن، وقرب نجاح الثورة السورية من وجهة نظرهم وهذا ما جعل المعزول مرسي يفتح باب الجهاد في سوريا، في سابقة لم تحدث على مر تاريخ الدولة المصرية الحديثة . 
3-علاقة الإخوان بالأمريكان بعد 30 يونيو: من شد الصدمة التي حدثت في 30 يونيو للإخوان والإدارة الأمريكية، لم يتملك الطرفان أية رؤية للتعامل مع الواقع الجديد على الأرض، إلى درجة قيام الجماعة بتهديد أوباما عن طريق نجل خيرت الشاطر، الذي أكد أن والده لديه من الوثائق والمعلومات ما يدينه بها، وربما يؤثر في مستقبله السياسي . وبعد حالة من التيه والتخبط من الإدارة الأمريكية، أكد أوباما ضرورة الالتزام بعملية التحول الديمقراطي في مصر، وتحقيق المطالب المجتمعية، وأن على الحكومة المصرية أن تنتهج "عملية سياسية شاملة"، أي لا تستبعد منها جماعة الإخوان المسلمين . 
وآخر تجليات الموقف الأمريكي الاعتراف الرسمي الصادر عن الإدارة الأمريكية، خلال الأول من فبراير 2014 الذي أكد حرص الإدارة الأمريكية على التواصل مع جماعة الإخوان، رغم قرار الحكومة المصرية باعتبارها جماعة إرهابية .
* ثالثاً : دور الجماعة في الفوضى الخلاقة 
تعتبر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس أول من استخدم مصطلح نظرية "الفوضى الخلاقة"، حيث نشرت "واشنطن بوست" في 19 إبريل عام 2005 تقريراً مفصلاً حول الحرب الأمريكية على العراق وتقول فيه رايس: "إن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط في البداية، هي نوع من الفوضى الخلاقة التي ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً" . وفي هذا الإطار بدأت الولايات المتحدة توظف جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة السياسية الأكثر تنظيماً وانتشاراً في كل الدول العربية والإسلامية، وبدأ ذلك من خلال اللقاءات، التي ذكرناها سابقاً . 
وفي الواقع، لم تضيع الجماعة الفرصة كعادتها أيضاً وارتضت بأن تكون أداة في يد الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وقدمت نفسها بديلاً منظماً وحليفاً جديداً عن الأنظمة القائمة، وفي سبيل ذلك كانت تنفذ كل التعليمات الأمريكية كخطوة مرحلية حتى تصل إلى سدة الحكم، ثم تبدأ على الفور في مشروع التمكين، وبمجرد انتهائه كانت ستقوم بالتخلص من الأمريكان على مراحل تدريجية، بتنوع علاقاتها مع أقطاب أخرى في العالم، وهذا هو ما يفسر سر الزيارات الكثيرة التي قام بها الرئيس المعزول مرسي إلى الصين والهند وروسيا وألمانيا . 
وفي ظل هذا الاتفاق الضمني والسري بين الولايات المتحدة والإخوان، وسعياً لتحقيق سيناريو الفوضى الخلاقة، وتطبيق نظرية كرات الثلج، قامت الجماعة بما يلي:
1- باستغلال الثورات العربية المتلاحقة لهدم بنية الدول من خلال ضرب المؤسسات القائمة وتصريح قيادات الأجهزة الأمنية والشرطية على وجه التحديد في بعض البلدان، ومحاولة تأليب قيادات الجيوش على بعضهم بعضاً، مستغلين في ذلك سياسة "العصا والجزرة" لمن يقف في وجه مخططاتهم، ومستغلين أيضاً حالة الترهل المؤسسي في أغلب مؤسسات الدول القائمة، حيث تم تشكيل مليشيات خاصة بالجماعات الإسلامية في ليبيا على سبيل المثال .
2- وبالتوازي، استغلت الجماعة الطبيعة الإثنية والعرقية والقبائلية التي تتسم بها بعض دول الربيع العربي، لإحكام سيطرتها، ولضرب القوة المدنية في مقتل . واستثمرت الجماعة ذلك من خلال كل الاستحقاقات الانتخابية والدستورية التي تمت في بلدان الربيع العربي، تحت دعاوى تحقيق الأمن والاستقرار .
3- قامت الجماعة باستقدام وإقامة علاقات سريعة مع بعض المشروعات الإقليمية في المنطقة، التي كانت تقف لها الأنظمة القديمة بالمرصاد، مثل المشروع الإيراني أو التركي . ففي مصر على سبيل المثال لاحظ البعض بأن تركيا استطاعت استغلال الثورة المصرية لكي تبني أكثر من مئة مصنع في فترة قصيرة جداً، وهو ما لفت النظر إلى حقيقة الدور التركي في مصر . كما قامت الجماعة بمد يد العون لطهران وعودة السياحة الإيرانية للقاهرة، لولا رفض حليفهم التيار السلفي لهذه العلاقة .
وهنا يمكن أن نشير إلى وصف د . أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، للوضع الراهن في المنطقة بعد ثورات "الربيع العربي" "يذكرنا بالوضع الإقليمي في زمن اتفاقية سايكس بيكو" . ولا نظن بأن ما قاله أوغلو هو مجرد حدس سياسي أو تخمين أفرزته مخاوف غير مبررة، لكن استعادة أجواء سايكس بيكو، واستدعاء مشاعر خوف وخطر خيمت على الإقليم كله أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها . كما نشير أيضاً إلى رؤية كيسنجر لثورات الربيع العربي، والتي نشرها في مقال رائع له بصحيفة "واشنطن بوست" تحت عنوان "نظرية جديدة للتدخل" أن أمريكا ينبغي ألا تأبه لإيديولوجية نظام الحكم أو لهوية الطبقة الحاكمة أو لنوعية النخبة المهيمنة، فلا يهم إن كانت حكومات تلك الدولة ثورية، أو ديكتاتورية أو ديمقراطية، فالمهم فقط هو سياسات تلك النخبة أو هذا النظام تجاه أمريكا . وينتهي كيسنجر بالتأكيد على أن أمريكا سوف تدعم أي نظام مهما كان استبدادياً أو ديمقراطياً، علمانياً أو دينياً، مادام قد تعهد بحماية مصالح أمريكا في الشرق الأوسط، فالمهم هو أن يلتزم بأمن "إسرائيل"، ومحاربة الإرهاب، وتأمين إمدادات النفط، وتأمين المرور عبر قناة السويس . رؤية كيسنجر، هي رؤية أمريكا، وهي لا تعكس مؤامرة، بمقدار ما تفصح عن منهج الأقوياء في إدارة علاقاتهم الدولية، فهم مؤهلون دائماً لبسط رؤيتهم على الآخرين، الذين لا يرون بداً من تقبل تلك الرؤية، والانخراط ضمن فريق يقوم على تطبيقها .
4- الزواج الدبلوماسي القطري التركي 
لا شك في أن تركيا وقطر دولتان لديهما روابط سياسية واقتصادية وأمنية تنامت خلال سنوات لتشكل ما يطلق عليه في الأدبيات السياسية "تحالفاً مرناً"، بين دولة إقليمية تقع جغرافياً على هامش الإقليم وتتطلع لأن تغدو مركز تفاعلاته، ودولة صغيرة نسبياً تمتلك وفرة مالية تريد توظيفها، لتتحول إلى فاعل إقليمي مركزي . وقد تجلت الأدوار السياسية لهذا التحالف في العديد من المبادرات حيال عدد من قضايا الاشتباك الرئيسية، حيث لعبت الدولتان أدواراً تكاملية بارزة حيال أحداث "الربيع العربي"، وارتفعت وتيرة الزيارات المتبادلة وازداد التنسيق المشترك لدعم تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، وفي محاولة لتغيير أنماط التحالفات الإقليمية وموازنة نفوذ القوى التقليدية بالمنطقة . 
وقد وجد العديد من قيادات الجماعة في قطر أرضاً خصبة للعمل وحرية التحرك فيما عملت قناة الجزيرة على دعم الجماعة في مصر والنهضة في تونس وحماس في الأراضي الفلسطينية وجبهة الإنقاذ في الجزائر . 
وعلى جانب آخر، فإن تركيا، ساندت جماعة الإخوان بناء على تشابكات إيديولوجية وروابط تنظيمية، تعود بجذورها لعقود سابقة . وقد أفضى ذلك لأن تسعى لاستغلال "الحالة الإسلامية" التي ازدهرت مع بدايات "الربيع العربي" في طبيعتها الحاكمة أو تلك الجهادية المعارضة، بما يخدم أهداف سياساتها الإقليمية . كما أفضت استراتيجية التنظيم الدولي للإخوان بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة إلى العمل على زعزعة استقرار مصر بالتنسيق مع بعض القوى الإقليمية، على رأسها تركيا وقطر . وقد استهدفت هذه الخطة، حسب النص المنشور لها، صدع الجيش، وعسكرة الصراع، وتشويه المعارضة إعلامياً، ومحاصرة مؤسسات الدولة، ومحاولة تطبيق النموذج السوري في مصر . وفي أعقاب اجتماع التنظيم الدولي في اسطنبول جاءت تصريحات لوزير الخارجية التركي في منتصف يوليو الماضي لقناة NTV التركية، أكد خلالها أن عزل مرسي لن ينشر الفوضى والعنف في مصر وحسب، وإنما في كافة أرجاء الشرق الأوسط .
وهنا يبرز السؤال الأهم على الإطلاق، هو لمصلحة من التحالف التركي القطري؟

الجماعة كسبت عداء الشعب المصري في أقل من عام

إن رحلة تنظيم الإخوان المسلمين هي رحلة مع النظم السياسية المصرية، فالإخوان نشأوا كتنظيم في ظل الملكية والحقبة شبه الليبرالية، واصطدموا بالسلطة الناصرية وتعايشوا مع نظام السادات، وتأرجحوا في علاقاتهم بالرئيس مبارك . وبقيت الجماعة محظورة معظم تاريخها، وتحديداً منذ عام 1954 وحتى 25 يناير ،2011 أي منذ ما يزيد على نصف القرن . كما امتلكت الجماعة مرجعية فكرية وسياسية مرنة سمحت لها بأن تمتلك تصوراً شاملاً وعاماً للإسلام، يسمح لهم بأن يكونوا سياسيين إذا أرادوا، وأن يكونوا دعاة فقط للأخلاق الحميدة إذا أحبوا، وأن يكونوا شيوخاً على منابر المساجد أو نوابا تحت قبة البرلمان، وأن يكونوا صوفيين، وأن يكونوا ثواراً، وأن يكون بين قادتهم القاضي المحافظ حسن الهضيبي وسيد قطب .
وبعد تولي الجماعة سدة الحكم عقب ثورة 25 يناير، استطاعت، وباقتدار، أن تكتسب عداء الشعب المصري كله في أقل من عام، ما جعله ينتفض ضدها ليعدل مسار ثورته، ويقوم باستردادها في مفاجأة أذهلت العالم أجمع، بعدما استخدمت الدول الأوروبية تيارات الإسلام السياسي المعتدل والراديكالي في تحقيق مصالحها في المنطقة، لضرب المشروعات الوطنية القومية في المنطقة العربية بأسرها في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي . 
وبسقوط حكم مرسي أو "المرشد" كما هتف كثير من المصريين، فُتح الباب لمناقشة مستقبل الجماعة، وطرحت سيناريوهات عدة بعضها تحدث عن نهاية الجماعة، والبعض الآخر تحدث عن عودتها القريبة، والبعض الثالث طرح إمكانية عودتها في صيغة قانونية جديدة، وفي كل الأحوال فإن ما أصاب مرسي أصاب الجماعة، وإن سقوطه كان سقوطاً لها، وفشله كان فشلاً لمشروعها .
* أولاً: عوامل ومحددات مستقبل الجماعة
أدركت الجماعة متأخراً حجم الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه عندما تولت سدة الحكم والسلطة في مصر بعد ثورة يناير . وإن كان هذا من حسن حظ المجتمع المصري الذي استطاع التخلص من نظام مبارك والإخوان في أقل من ثلاث سنوات، بالرغم من حجم الخسائر المعنوية والمادية التي تكبدها في سبيل ذلك . وخلال هذه الأعوام القليلة استنفدت الجماعة قدراتها ومقدراتها المالية والبشرية، ورصيدها لدى عموم الشعب الذي استيقظ على حقيقة عدم امتلاكها الكفاءة والخبرات، كما كانت تدعي طوال الفترات السابقة، التي أجادت فيها الجماعة ادعاء المظلومية، واحترفت استغلال الدين وعوز الفقراء والبسطاء من عموم المصريين في التصويت لصالحها في الاستحقاقات الانتخابية التي تلت الثورة مباشرة .
وفي الحقيقة، فإن سقوط حكم الجماعة فتح الباب أمام مناقشة الفرضية الكبرى في قراءة التيارات الإسلامية التي تقول إنها تيارات بحكم بنيتها الفكرية والتنظيمية غير قابلة لتبني الديمقراطية، وإنها لأسباب هيكلية ستظل معادية للديمقراطية وللحريات العامة ولقيم المواطنة، حتى لو ادعت في بعض المراحل غير ذلك، لأن موقفها الدفين هو رفض الديمقراطية، وإنها حين تصل إلى السلطة لن تسمح مطلقاً بتداولها .
وكان اعتصام الإخوان وأنصارها في ميداني (رابعة والنهضة) كاشفاً عن حالة مستعصية من العناد مهيمنة على قيادات الجماعة التي أبت الاعتراف باقترافها أخطاء جسيمة أججت غضب المواطنين، ودفعتهم للانتفاض ضد سياساتها، حيث حرصت قيادات الجماعة على ترويج خطاب المؤامرة من دون الاعتراف بمسؤولياتهم، وأصروا على عودة محمد مرسي إلى مكتبه بقصر الاتحادية ليمارس مهامه كرئيس شرعي للبلاد مرة ثانية . وقد بذلت القيادات جهداً كبيراً لتهيئة الشباب لمرحلة جديدة من المحنة والمظلومية، للحفاظ على تماسكها ومنع حدوث انشقاقات تهددها بالانهيار، كما أن هذا وفّر فرصة لتجنب محاسبة هذه القيادات على مسؤولياتهم عن الوضع المزري الذي أصاب الجماعة، أو تأجيلها لأجل غير مسمى .
وفي هذا السياق نحاول رصد مجموعة من العوامل التي سيتوقف عليها مستقبل جماعة الإخوان خلال المرحلة المقبلة، من بين هذه العوامل ما يلي: 
1-نبذ العنف والاعتراف بشرعية النظام السياسي الجديد الذي أفرزته ثورة 30 يونيو . حيث تمثلت إحدى مشكلات الجماعة طوال الفترة الماضية في نزوع خطابها نحو اليمين، وتوفير البيئة الملائمة لنمو الأفكار المتطرفة وأعمال العنف في أرجاء مصر المحروسة، وتحالفها مع الجماعات الجهادية والقاعدة للبحث عن الشرعية المفقودة . وإذا لم يتعقل قادة الجماعة، ويرضخوا لمطالبات نبذ العنف فإن مثوى الجماعة هو مثوى الحزب الوطني، الحل والاستبعاد بل الملاحقات الأمنية بسبب تورطها في أعمال قتل أو التحريض عليها .
2- الفصل بين السياسي والدعوي من جانب، وقوة التماسك داخل التنظيمي للجماعة من جانب آخر . خاصة أن البنية التنظيمية المركبة والمغلقة للجماعة والتي تقوم على أساس الولاء والثقة المطلقة في القيادة، وهو ما اعتبره الراحل سيد قطب "مظهر العبقرية الضخمة في بناء الجماعات"، ويجعل نظام الجماعة عقيدة تعمل في داخل النفس قبل أن تكون تعليمات وأوامر ونظماً . وعلى الرغم من ذلك باتت هذه المقولة موضع شك، فقد ظهر العديد من المؤشرات التي توحي بظهور بوادر التفكك والانقسام داخل الجماعة، فأعضاء الجماعة يمكن تصنيفهم إلى فصائل متنوعة من تيار محافظ، وتيار براجماتي محافظ، وتيار إصلاحي، الذي ضعف داخل الجماعة، بينما ترفض الجماعة هذه التصنيفات والتي تبدو نتيجة طبيعية لتآلف الجماعة من أفراد لديهم أفكار ورؤى متنوعة، فهي ليست كتلة صماء - كما يعتقد البعض - على الرغم من تربية كوادرها على مبدأ السمع والطاعة . وبعد ثورة 30 يونيو يكمن التحدي الرئيسي للجماعة في احتواء الخلافات الداخلية .
وعلى الجماعة أيضا الفصل بين الدعوي والسياسي، لأن الشعب المصري لن يسمح لها بأن تخدعه مرة ثانية باسم الدين، أو تستغل حاجة الفقراء للسلع الغذائية لكي تصل إلى البرلمان . فلا شك في أن عودة الجماعة للساحة السياسية تستلزم قيامها بتأسيس ثانٍ يقوم على الفصل بين الجماعة الدينية عن الحزب السياسي وأن صيغ الخلط والجمع بين الاثنين أثبت الواقع فشلها التام .
3- شباب الجماعة والدمج المشروط في المجتمع . أزمة الجماعة مركبة ومزدوجة فالتفكك ليس مقتصراً على قمة الهرم التنظيمي للجماعة ولكن بدأت بوادر الانشقاق تتسرب إلى القاع، خاصة مع اتساع الهوة بين شباب الجماعة وقياداتها . فلا شك في أنه بداخل شباب الإخوان تيار شبابي جديد يرفض التقيد بمواقف الجماعة ويريد مساحة من الحرية ويرغب في دور قوي في اتخاذ القرار، خاصة بعد فشل القيادات الكبرى في إدارة الجماعة خلال فترة ما قبل وبعد الثورة، وقيام مجموعة من شباب الجماعة بالانشقاق عليها وتأسيس حزب سياسي جديد، ينبذ العنف ويعبر عن أفكارها السلمية .
4- خيارات الرئيس القادم وموقف مؤسسات الدولة من التعايش مع الجماعة: إن دخول تنظيم الإخوان معركة في مواجهة الشعب، والدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة (إعلام وقضاء وجيش وشرطة)، كان يعني خسارة المعركة قبل أن تبدأ . كما أن سقوط حكم مرسي بعد عام قضاه في السلطة، ليس فقط نتيجة سلسلة من الأخطاء السياسية الجسيمة إنما أيضا نتيجة رفض الدولة لهذا الكيان المسمى بجماعة الإخوان، الذي ظل لما يقرب من 85 عاماً خارج دوائر الحكم ترتاب فيه مؤسسات الدولة، وواجهته مرات عديدة .
وثمة اتجاهان داخل الدولة المصرية فيما يخص كيفية التعاطي مع الإخوان في مرحلة ما بعد مرسي، أولهما يرى ضرورة إقصاء وربما استئصال الجماعة، وهو تيار يستأنس بحالة الكراهية والخطاب المتشدد المنشر في الأوساط العلمانية والليبرالية والتي ترى أنه من الأفضل لمصر في هذا الوقت استئصال الجماعة من الحياة السياسية، وأن هذه الفرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى . أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه الدمج المشروط بشروط، أولهما: تفكيك جماعة الإخوان وتحويلها إلى جمعية أهلية ليس لها علاقة بالسياسة . وثانيهما: أن يتخلى حزب الحرية والعدالة عن مرجعيته الدينية، وأن يقبل بقواعد اللعبة السياسية الجديدة . وثالثها: أن توقف الجماعة الحرب الإعلامية التي تخوضها ضد مصر في الخارج عبر تنظيمها الدولي .
5- مدى النجاح أو الفشل الذي سيحققه النظام الجديد، فإذا استطاع الرئيس الجديد وحكومته الاستجابة السريعة والفورية لمطالب الجماهير التي خرجت في 30 يونيو و25 يناير، من تحقيق العدالة الاجتماعية وعودة الأمن والاستقرار وأجرى انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وإشراك الشباب في العملية السياسية وعملية صنع القرار، فإنه سيتم عزل الجماعة شعبياً بعدما أكدت عبر تصريحات عدد كبير من قياداتها بأن الجماعة قادرة على وقف العنف الذي يحدث في مصر في أقل من دقائق في حال عودة مرسي للحكم، وبذلك ثبت للجميع بالأدلة الدامغة اتهام الأجهزة الأمنية للجماعة بالتجسس على مصر لمصلحة التنظيم الدولي وبعض الدول الإقليمية، واستقدامها للجماعات الجهادية والقاعدة إلى مصر .
6- القدرة على تجديد الخطاب الديني من قبل مؤسسات الدولة الرسمية، لمواجهة الأفكار المتشددة التي زرعتها الجماعة والتيارات المتحالفة معها، خاصة أن الجميع يعلم أن البعد الفكري والثقافي بات ضرورياً وملحاً لمواجهة ليس الإخوان فقط ولكن كل التيارات الإسلامية الراديكالية والمتشددة، التي ظهرت على السطح في أعقاب ثورات الربيع العربي في كل من مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن .
7- الموقف الخارجي من الجماعة . وفي هذا المضمار هناك احتمالان، الأول: هو أن تحذو بعض الدول العربية والغربية حذو المملكة العربية السعودية وروسيا ومصر بوضع الجماعة على قوائم الإرهاب، وهو ما بدأ يتبلور في أوروبا من مطالبة رئيس الوزراء البريطاني بحقيقة وجود الجماعة على أراضيها . والاحتمال الثاني: هو استمر بعض الدول، وبالتنسيق مع التنظيم الدولي للجماعة، في تقديم الدعم المادي والسياسي للجماعة، وتوظيفها من أجل الضغط على الأنظمة الجديدة في مصر والمنطقة العربية، وإثارة الاضطرابات بين الحين والآخر . 
ثانياً: سيناريوهات المستقبل بين التفكيك وخيارات الدمج:
إن معضلة الإخوان، وبالتالي مستقبلها سيختلف عن بقية التيارات الإسلامية، فأزمة الجماعة لم تكن فقط في فشل حكم تنظيم سياسي، إنما في فشل مشروع فكرى وتنظيمي، وهو أمر لا ينطبق على بقية التيارات الإسلامية . فلأول مرة في تاريخ أي تجربة ديمقراطية تقوم جماعة دينية بتقديم مرشحين لانتخابات الرئاسة من دون أن تكون مرخصة قانوناً، ويصل مرشحها للحكم ويحافظ على عدم قانونية جماعته، بل ويتعامل مع قوانين الدولة التي يرأسها باعتبارها في وضع أدنى من قوانين الجماعة . 
إن فشل الجماعة في الحكم، الذي ترفض الاعتراف به حتى الآن، وتصر على استدعاء خطاب المحنة والبلاء والمؤامرات الداخلية والخارجية وارتداء ثوب الضحية يعني عدم وجود قدرة على مراجعة ممارسات الجماعة، وصدامها مع كل النظم السابقة، وهو أيضا إهدار فرصة تاريخية للاستفادة من وصول الإسلاميين إلى الحكم منفردين .
كما أن القول إن الجماعة في طريقها للاختفاء أو الاندثار أبعد ما يكون عن الواقع . فالجماعة ليست مجرد حزب سياسي، وإنما هي حركة اجتماعية دينية ذات جذور وشبكة تنظيمية واسعة يصعب تفكيكها من خلال الأمن . بل على العكس فإنه خلال فترات القمع والإقصاء الشديد فإن الجماعة، شأنها في ذلك شأن أي حركة إيديولوجية، تميل للداخل من أجل تحقيق التماسك والبقاء . وهو ما يعني أنه كلما ازداد القمع الخارجي، ازداد تماسك الجماعة وتضامن أعضائها خلف القيادة .
ولا يمكن الجدال في أن الجماعة تمر الآن بأصعب اختبار لها منذ خمسينات القرن الماضي، وذلك حين تم حظر الجماعة، واعتقال الآلاف الشباب من قادتها وأعضائها عام 1954 ما أدى إلى إقصائهم تماماً من المشهد السياسي لمدة عقدين وهي الفترة التي تعرف في أدبيات الجماعة بفترة "المحنة" التي دامت حتى أوائل السبعينات، والتي قال عنها مرسي في إحدى خطبه "الستينات وما إدراك ما الستينات"، في إشارة واضحة لحالة العداء الشديد بين الجماعة والرئيس عبد الناصر . بيد أن المحنة تبدو هذه المرة أشد وطأة وصعوبة ليس فقط لخروج الإخوان من السلطة بعد عام واحد فقط من الحكم، وهي التي انتظرتها عقوداً، وإنما أيضاً لحالة العداء المتزايد التي تواجهها الجماعة من مؤسسات الدولة والمجتمع . وبناء على المحددات، سالفة الذكر، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الجماعة، تقع جميعها على خط مستقيم واحد، لكنها على طرفي نقيض . وقد يستغرق تحقيق أي من هذه السيناريوهات وقتاً لا يعلمه أحد سوى الله عز وجل .
السيناريو الأول: الصدام والمواجهة، وهو من شأنه استمرار هيمنة التيار المحافظ على التنظيم على حساب أي أصوات إصلاحية، وربما تتعرض الجماعة لبعض الانقسامات الداخلية . وهنا سوف تظل الجماعة ضمن الحالة "الأربكانية" التي تعتمد على الإيديولوجيا والتعبئة والحشد الجماهيري . وهنا سوف تتحقق ما بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس من تحقيق الفوضى غير الخلاقة، يقوم هذا السيناريو على أن تتجه الأوضاع في مصر نحو مزيد من التدهور بصورة تؤدي إلى انتشار حالة من الفوضى والعنف، وخلق احتجاجات عشوائية تعبر عن أزمة اجتماعية وسياسية عميقة داخل المجتمع، وفي هذا الإطار ستحاول الجماعة استغلال هذه الأحداث والانقضاض مرة ثانية على السلطة بحجة استرداد السلطة المسلوبة منها، وإنها أتت عبر صناديق الانتخابات، ولم تتح لها الفرصة كاملة في الحكم . وهنا سوف تحاول الجماعة الاستفادة من حالة "اللا دولة" في ليبيا لتصدير المزيد من السلاح والعنف والإرهاب إلى مصر عبر مرسى مطروح والبحر المتوسط، خاصة بعد انتقال بعض أفراد من القاعدة إلى سيناء، والتحريض المستمر الذي يمارسه القرضاوي وشيوخ الجماعة من قطر، وأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة على الجيش والشرطة المصرية . 
ويمكن القول إن تحقيق هذا السيناريو صعب للغاية لأن الشعب المصري سيقف بكل قوة بجانب قواته المسلحة والأجهزة الشرطية لإحباط هذا السيناريو، ولن يتركوا إلى هذه الجماعة فرصة مرة ثانية للعبث بأمن الوطن والمواطن، خاصة أنهم تعلموا الدرس جيداً من ثورة 25 يناير ودفعوا فاتورة كبيرة . 
السيناريو الثاني: الدمج المشروط للجماعة، بحيث يتم حل الجماعة والإبقاء على حزب "الحرية والعدالة" كممثل سياسي للإخوان، وهو ما قد يدفع بظهور وجوه وشخصيات أقل محافظية وأكثر براجماتية وإصلاحية من الجيل الحالي . وهنا يمكن أن تسير الجماعة باتجاه الحالة الأردوغانية . وهو أمر يبدو بعيداً في الأفق المنظور . وفي إطار هذا السيناريو، وبعد فترة من الشد والجذب بين الجماعة والدولة فإن الدولة ستعيد الجماعة إلى اللعبة السياسية بعد وضع شروط جديدة للمعادلة القديمة والتي سادت العلاقة بين الجماعة وكل من الرئيس السادات ومبارك، حيث تسيطر الدولة على وضع قواعد اللعبة السياسية، وتسمح بهامش محدود من الحركة المجتمعية والسياسية للجماعة وبشكل لا يهدد كيان الدولة، وبذلك تبقى الجماعة في صفوف المعارضة والعمل العام بحسب ما تقتضي أصول اللعبة السياسية الجديدة . ويقوم هذا السيناريو أيضا على الدخول في نفق طويل من الجدل المجتمعي والقانوني والسياسي حول مدى قانونية جماعة الإخوان وحزبها السياسي . كما يتطلب من الجماعة القدرة على التعاطي بواقعية مع مرحلة ما بعد خسارة السلطة وقبولها الدمج المشروط، وأن ذلك يعني أولاً: اعتراف الجماعة بأخطائها الاستراتيجية التي ارتكبتها خلال الفترة الماضية . ثانياً: أن تعيد الجماعة النظر في خطابها الإيديولوجي والسياسي . حيث تمثلت إحدى مشكلات الجماعة طوال العام الماضي في نزوع خطابها نحو المحافظة الدينية والثقافية، وذلك من أجل إرضاء قاعدتها الاجتماعية والدينية، وكذلك الحصول على التأييد والدعم المطلق من التيارات السلفية المختلفة . 
السيناريو الثالث: الهزيمة الكاملة وحل الجماعة وتفكيك هياكلها التنظيمية بما فيها حزب الحرية والعدالة، ويعني هذا السيناريو أن تتلقى الجماعة هزيمة كاملة تجعلها والعدم سواء، فيختفي تنظيم الجماعة وينقطع عنه امتداده الإقليمي والدولي، ويدخل معظم قيادات الجماعة السجون، وتنتهي الجماعة فكرياً وتنظيمياً إلى الأبد . وهذا السيناريو له تكلفة كبيرة على الجميع، لأنه يعني تطبيق ما عرف في نظريات العلوم السياسية "سياسات الأرض المحروقة"، وهي التي تقوم على قاعدة أساسية مفادها بأن أطراف الصراع لا تخضع للمفاوضات والمساومات ولكن كل طرف يريد أن يكسب كل شيء أو يخسر كل شيء . 
وفي الواقع، هذا ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين حتى هذه اللحظات، ولا يريد أحد من قيادتها أن يسأل نفسه أو يتحمل المسؤولية بشجاعة ويجيب عن سؤال محوري وهو: ماذا بعد كل أعمال العنف التي تمارسها الجماعة في الشارع المصري الآن؟ أو متى استطاعت جماعة أو حزب سياسي أن يفرض رأيه على الدولة بمؤسساتها الأمنية في أي دولة من العالم؟ وهل سيقبل الشعب المصري في القريب أو البعيد أن تحكمه جماعة الإخوان المسلمين مرة ثانية؟ أعتقد أن الإجابة واضحة تماماً لدى قيادات الجماعة لكنهم لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية بشجاعة وأن يعترفوا بحجم الأخطاء التي اقترفوها في حق مصر أولاً والجماعة ثانياً .
وأخيراً، إن مستقبل جماعة الإخوان يبدو مفتوحاً على كل الاحتمالات، وجميعها يشي بأن وضع ومصير الجماعة بعد 30 يونيو لن يصبح بأي حال من الأحوال مثلما كان قبل 30 يونيو . وعلى جماعة الإخوان المسلمين أن تعلم، ومن ساندها خلال الفترة الماضية، بأنه مازال لديهم الفرصة كاملة للعيش المشترك مع أبناء الوطن، والمشاركة في العملية السياسية طبقاً لقواعدها الجديدة، ولكن عليهم أولاً نبذ العنف وتأكيد ذلك . أما إذا لم يلتحقوا بركاب ثورة 30 يونيو فعليهم أن يعلموا أنه لم تنجح جماعة قط في محاربة وطن بكامله أو فرض رأي أو وصاية عليه .

*عن جريدة "الاتحاد" الاماراتية