جرعة إضافية وقد تكون قاتلة من المعاناة تنضاف لما يقاسيه أطفال منطقة أقصى الشمال الكاميروني المحاذية لنيجيريا، والتي تحوّلت مدنها وقراها إالى مسرح لهجمات جماعة “بوكو حرام”. 46.1 % من الأطفال دون الخامسة يواجهون نقصا متزايدا في الحصول على الغذاء، في خضمّ التوتّر الأمني في المنطقة، ما يعني حرمانهم من أدنى مقوّمات الحياة اللائقة، وفقا للدكتورة “فيليسيتي تشيبيندات” الممثّلة المقيمة لصندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في الكاميرون.
“تشيبيندات” قالت، في مقابلة حصرية مع الأناضول، إنّ “هؤلاء المعذّبين في الأرض” يعانون من سوء التغذية المزمن، وهو ما يتجلّى بوضوح من خلال الأرقام المتوفرة لدى المنظمة الدولية، والتي تكشف أنّ 9 % من هؤلاء الأطفال يعانون من سوء تغذية حادّ، و10 % منهم موجودون في خانة ما يعرف بـ “الطوارئ الإنسانية”، مع مخاطر “ارتفاع الوفيات” مقارنة بالأعوام الماضية، مضيفة أنّه في 2012، بلغت نسبة الوفيات الـ 44 %، قبل أن تنزل بشكل طفيف، في 2013، إلى 39 %، وأقصى الشمال تعدّ المنطقة الأكثر تضرّرا، وهذا أمر مثير للقلق”.
وفي معرض حديثها عن أسباب تفاقم هذه الظاهرة التي تهدّد الطفولة في أقصى الشمال الكاميروني، أوضحت الدكتورة “تشيبيندات” أنّه مع الهجمات المتكرّرة لبوكو حرام في هذه المنطقة، اضطرّت العديد من العائلات إلى مغادرة منازلها حاملة معها أطفالها، بحثا عن ملجأ أكثر أمنا، وهذا ما يزيد ويعمّق من مخاطر سوء التغذية. فـ “السكّان أخلوا قراهم، ولجؤوا إلى بلدات مجاورة، ونحن ندرك تماما أنّ هؤلاء الأشخاص معدمون، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ انعدام الأمن نجم عنه إغلاق المراكز الصحّية، ما يعني أنّ إمكانية الحصول على الرعاية الطبية اللازمة أضحت ضئيلة للغاية”.
والأسوأ من ذلك، بحسب ممثّلة الىونيسيف في الكاميرون، هو أنّ عملية الفرار من القرى والمدن (المستهدفة من قبل المجموعة المسلّحة) تصيب النساء الحوامل بـ “الضغط النفسي” والإجهاد، وهذا ما يطرح فرضية أن يضعن “مواليدهن بأوزان تقلّ عن ألفي و500 مغ، وهو ما يؤثّر بشكل مباشر على نموّ أولئك الأطفال “على المدى البعيد”.
وترى الدكتورة “تشيبيندات” أنّ مرض سوء التغذية يصيب الجنين خلال فترة الحمل، وتحديدا خلال الألف يوم الأولى، و”في صورة عدم التدخّل (طبّيا) في ذلك الحين، فإنّه من الصعب أن يتمكّن الطفل من استرجاع عافيته في وقت لاحق، وستكون لذلك مضاعفات خطيرة في المدرسة، لأنّ عقله لا ينمو بالشكل الكافي مقارنة مع غيره من أقرانه الأسوياء”.
“بوكو حرام” زعزعت إحداثيات الحياة في المنطقة، وأربكت جميع المقاربات الإقتصادية السائدة، فإلى جانب الإضطرابات التي تشهدها المبادلات التجارية بين الكاميرون وكلاّ من تشاد ونيجيريا جرّاء تدهور الوضع الأمني بسبب المجموعة المسلّحة، ونال القطاع الزراعي ضربة قاضية أيضا، أثّرت بشكل مباشر على حياة السكّان وأوضاعهم الصحّية.
“البعض من المزارعين لم يتمكّنوا من ممارسة أنشطتهم خوفا من بوكو حرام”، تتابع ممثلة اليونيسيف، و”نحن ندرك تماما أن الموسم الزراعي في منطقة أقصى الشمال الكاميروني قصير للغاية، وهذا ما ستكون له تبعات وخيمة على الأمن الغذائي للسكان، والذي تجنح جميع مؤشّراته نحو الأسوأ وإن لم تكن في الأصل جيّدة”، مشيرة، بمرارة، إلى أنّ انتاج الأرز والذرة الرفيعة والدخن والذرة لم يتجاوز، في 2014، الـ 132 ألف طن، في مواجهة طلب يتعدّى الـ 770 ألف طن في منطقة أقصى الشمال، وفقا لبرنامج دعم تطوير القطاع الزراعي.
وحذّرت “تشيبيندات” من تفشّي العديد من الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا المنحدرة من سوء التغذية المزمن، مؤكّدة أنّ منظمتها (اليونيسيف) اتّخذت احتياطات بهذا الشأن بالتنسيق مع برنامج الأغذية العالمي. ومن المنتظر أن يهتمّ الهيكل الأوّل بحالات سوء التغذية الحادّة والخطيرة في المنطقة، بينما سيحاول الهيكل الأممي الثاني إيجاد حلول لحالات سوء التغذية العادية.
وبطاقم موظّفين يتألف من 14 شخصا في مدينة ماروا عاصمة منطقة أقصى الشمال، تعمل ممثلة الأمم المتحدة للطفولة في الكاميرون على توعية الأمّهات بشأن أهمّية الرضاعة الطبيعية، لمواجهة الوضع الغذائي السيء الذي يعاني منه أطفال المنطقة.
غير أنّ المنظمة الأممية لا تكتفي بمثل هذه الإجراءات لمواجهة الظاهرة الصحية الخطيرة، حيث أكّدت الدكتورة “تشيبيندات” أنّ منظّمتها تتطلّع لجمع مبلغ بقيمة 610 مليون فرنك افريقي (حوالي 1.05 مليون دولار) من الكاميرونيين والشركات وبقية المانحين، لمساعدة 33 % من الأطفال ضحايا سوء التغذية في الكاميرون، والذين يوجد السواد الأعظم منهم في أقصى شمالي البلاد، وفي شرقها، إلى جانب أداموا الواقعة غربا على الحدود مع نيجيريا، وشرقا مع افريقيا الوسطى.