عادت قضية لوكربي إلى سباق الأحداث في ليبيا، على إثر"إختطاف" أبو عجيلة مسعود، وفق بيان لعائلته ووفق مصادر مطلعة، بعد أن أغلقت القضية وتكلفت ليبيا جراءها ملايين الدولارات من التعويضات لأهالي الضحايا.

ففي 21 ديسمبر 1988، غادرت طائرة بوينج 747 التابعة لشركة بان آم الأمريكية لندن، إنجلترا ، متجهة إلى نيويورك وعلى متنها 259 شخصا و 11 من أفراد الطاقم. لتنفجر الطائرة في الجو بعد ثلاثين دقيقة من إقلاعها وتحطمت في بلدة لوكربي الصغيرة باسكتلندا، لتحمل الواقعة إسم القرية وأصبح قضية تتردّد تفاصيلها على مدى 30 عاما.

كيف تورّطت ليبيا في القضية؟

كانت القبضة الأمريكية محكمة منذ اللحظات الأولى على قضية لوكربي حيث أصرت وبريطانيا على اتهام ليبيا بالتورط في الحادثة. وعلى الرغم من أن أصابع الإتهام جالت بعيدا عن ليبيا في التحليلات الصحفية الأولية ووجهت إلى إيران خاصة وأن القوات البحرية الأميركية فجّرت طائرة إيرانية مدنية سقطت في الخليج، وكان على متنها 290 مسافرًا و"أرادت إيران أن تنتقم".

في عام 1991، اتهمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الضابطين الليبيين عبد الباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة بالتورط في تفجير الطائرة، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 748 الذي يطالب فيه ليبيا بتسليم المشتبه بهما. لكن السلطات الليبية في عهد العقيد الراحل معمر القذافي رفضت،  لتواجه عقوبات أمريكية قاسية بإيقاف جميع روابط النقل الجوي مع طرابلس وحظر بيع الأسلحة والطائرات لها. وفي 1996، وقّع الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون تشريعا يفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الشركات التي تقوم باستثمارات مستقبلية في مشاريع بترولية إيرانية وليبية.

اتهامات أمريكية قامت على رواية تاجر مالطي، شاهد وحيد في القضية، تعرّف جزئيا على المقيرحي الذي اشترى من متجره ملابس تشبه تلك التي وجدت في الحقيبة التي انفجرت. تفاصيل كثيرة صاغتها المباحثات الأمريكية البريطانية هوت الواحدة تلو الأخرى خاصّة بعدما تبيّن أن لوح الدارة لمؤقت القنبلة كان من مصنع آخر مختلف عن المصنع الذي باع لدولة ليبيا المؤقتات. وبعد شدّ وجذب رضخت السلطات الليبية للضغوطات الأمريكية والإقليمية والدولية شريطة محاكمة المتهمين في أرض محايدة وهي هولندا. لتتم إدانة المقرحي،الذي أطلق سراحه بدوره عام  2009 بعد تطور معاناته مع مرض السرطان وتقدمه باستئنافات بحثا عن براءته، وتبرئة الفحيمة، وهي خطوات لم ترق لأمريكا.

إغلاق الملف جزئيا في 2003..ثم نهائيا في 2008

في  2003، تم التوقيع على اتفاق بين السلطات الليبية وممثلي ضحايا حادث لوكربي لتعويض عائلات الضحايا. حيث نصّ الاتفاق على اعتراف ليبيا بمسؤوليتها عن تفجير طائرة أمريكية عام 1988، مما أودى بحياة 270 شخص. 

وفي 2008 وبعد مفاوضات عسيرة توصلت ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق لدفع تعويضات مالية لضحايا طائرة شركة بانام الأمريكية التي سقطت فوق قرية لوكربي الاسكتلندية يوم 21 ديسمبر 1988  ليـسدِل بذلك عن هذه القضية التي أرهقت ليبيا واستنزفت ماليتها بعد 10 سنوات من الحصار الذي فرضته أمريكا عليها.

وأكّد نائب وزير الخارجية الليبي المكلف الشؤون الامريكية أحمد الفيتوري حينها، أن توقيع هذا الاتفاق يمثل تتويجا لعملية طويلة من المفاوضات المضنية لتسوية هذا الملف نهائيا.وشمل الاتفاق تعويض كل الضحايا الامريكيين والليبيين، في هجمات تفجيرية او أسرهم. 

وأفاد مسؤولون ليبيون ان التعويضات شملت ايضا الليبيين الذين قتلوا عام 1986 حين قصفت طائرات حربية امريكية طرابلس وبنغازي. مؤكّدين بذلك  أن هذا الاتفاق سينهي أي تبعات قانونية على ليبيا قد تنشأ من الدعاوى التي رفعتها أسر الضحايا الامريكيين ويمهد الطريق أمام تحسن العلاقات اكثر بين طرابلس وواشنطن.

ورغم اعتراف ليبيا بتورطها في قضية لوكوربي، فقد توفي المقيرحي وهو ينكر أي مسؤولية له عن تفجير الطائرة الأمريكية ووجود أي علاقة له بقضية لوكربي.

لماذا تسعى الحكومات الليبية لنبش القضية؟

في الظاهر، توجهت أصابع الإتهام إلى أبو عجيلة  مسعود في ديسمبر 2020 حين أعلن النائب العام الأمريكي ويليام بار اتهام ضابط أمن ليبي يدعى أبوعجيلة مسعود في بصنع القنبلة التي فجرت طائرة البوينغ 747 التابعة لشركة "بان أم" الأمريكية فوق المدينة الاسكتلندية الصغيرة  في 21 ديسمبر/كانون الأول 1988. 

عائلة متهم بتفجير لوكربي تكشف تفاصيل "اختطافه"

لكن الوقائع كشفت سابقا، في 2015، أن متحدث باسم الحكومة الليبية الموازية ومقرها طرابلس أن المشتبه بهما الجديدين في قضية لوكربي هما عبد الله السنوسي رئيس المخابرات في عهد معمر القذافي ومحمد أبو عجيلة المعروف بأبو عجيلة مسعود، وفق رويترز. لكن لم تكشف حينها تفاصيل عن القضية أو عن أبو عجيلة.

وفي 17 من شهر نوفمبر الجاري، قالت عائلة المواطن الليبي بوعجيلة مسعود،  إن سيارتان نوع "تويوتا" بهما مسلحون يرتدون ملابس مدنية اقتحمتا منزل العائلة بمنطقة أبوسليم في طرابلس بعد منتصف ليل يوم 16 نوفمبر 2022، وقام مسلحوها باختطافه، واقتياده إلى جهة غير معلومة. وأوضحت وسائل إعلام محلية ودولية، وفق مصادر مطلعة مليشيات دعم الاستقرار بقيادة إغنيوة الككلي والاستخبارات العسكرية، هي التي تقف وراء "اختطاف" أبو عجيلة.

وأكدت العائلة في بيانها، أن بعض الأطراف السياسية تحاول استغلال حالة الفوضى والانقسام السياسي من أجل إثارة ملف قضية لوكربي مجدداً،. مفيدة بأن ملف قضية "لوكربي" تم إقفاله قانونيا وسياسيا بموجب الاتفاقية التي وقعت بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية عام 2008، منوهة إلى أن إعادة فتح القضية قد تكون لها نتائج وخيمة علي المصالح العليا للبلاد. وحمّلت العائلة الجهات المسؤولة "المسؤولية الكاملة إزاء حالة الصمت لما تقوم به حكومة الدبيبة، من أفعال وممارسات غير مشروعة، خارج المنظومة القضائية في حال تسليمه إلى أي دولة أجنبية،" وفق نص البيان.

من جانبها قالت وزارة العدل في حكومة الدبيبة ، في بيان لها أمس الأحد، أن ملف قضية "لوكربي" أغلق بالكامل سياسياً وقانونياً بموجب اتفاق بين ليبيا وواشنطن ومرسوم سابق صدر عن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في 2008 وأكدت أنه "لا يمكن إثارة قضية لوكربي من جديد، ولا يمكن العودة إليها"، دون أن توضح ملابسات اختفاء أبو عجيلة أو تقدم تفاصيل عن مكان تواجده أو مصيره.

وكانت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في تصريحات سابقة في 2021، تسببت في إيقافها عن العمل ومنعها من السفر مؤقتا، أن "الحكومة تنوي التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لتسليم المطلوب في قضية لوكربي أبوعجيلة مسعود".

وللإشارة فقد هدّدت واشنطن، بداية الشهرالحالي، المؤسسات الليبية "التي تعرقل تقدّم الحلول السياسية" بإعادة تقييم العلاقات، محذرة على لسان مبعوثها الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند خلال مؤتمر صحفي عقده في ختام زيارته لطرابلس، بأن " الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر".