الأصول الليبية المجمدة... نزيف اقتصادي متواصل وتفاعل دولي محتشمأكثر من سبع سنوات على سقوط النظام في ليبيا بتقلبات كثيرة وإشكاليات أكبر مازالت لم تعرف لها حلا إلى اليوم، ورغم الوعود الكثيرة من القوى العظمى بإيجاد حلول لقضية الأموال المجمدة لكنها مازالت عالقة واستمر تجميد الأصول الليبية بالدول الأعضاء بالأمم المتحدة لأسباب يعود معظمها الى عدم الاستقرار السياسي في البلاد وبقي الغموض يلف مصيرها وظل ملف تلك الأصول عالقا في بحر السياسة بين مد وجزر الأطراف السياسية المختلفة كل حسب توظيفها للموضوع لخدمة مصالحها.

خسائر ليبية

قدر ديوان المحاسبة قيمة الخسائر السنوية الناتجة عن تجميد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار بالخارج بأكثر من 43 مليون دولار سنويا، وتصل قيمة الاموال الليبية المجمدة بالخارج في شكل ودائع وأسهم وسندات ومحافظ وصناديق استثمارية إلى نحو 33  مليار دولار بنهاية العام 2016.

وفي ديسمبر الماضي، بحث رئيس مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار علي محمود، مع رئيس لجنة العقوبات بمجلس الأمن أولف إسكو خسائر المؤسسة جراء تجميد أصولها، مطالبا بالموافقة على تحويل الأموال من الحسابات المجمدة التي تحقق خسائر إلى حسابات مجمدة أخرى تحقق أرباحا.

في نفس السياق،كشف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، عن أن عدم تمكين المؤسسة الليبية الاستثمار من إدارة أصولها في الخارج بطريقة صحيحة يحمل ليبيا خسائر تقدر بمليار دولار سنويا.

ووصف السراج،في تصريحات صحفية، هذه الخسائر بأنها  إجحاف وإهدار لمقدرات الشعب الليبي على حد قوله.

وكانت حكومات أجنبية قد جمدت بعد الثورة الليبية في عام 2011 أموالا سيادية لليبيا تقدر بنحو 150 مليار دولار، وفق ما ذكرت وكالة رويترز في السابق.

وفي منتصف شهر يوليو الماضي أكد فائز السراج خلال مقابلة خاصة مع وكالة  سبوتنيك الروسية، أن الأرقام المحجوز عليها لليبيا في الخارج تقدر بنحو 67 مليار دولار، ضمنها ودائع تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، وأخرى تابعة للمصرف المركزي.

تفاعل أممي

قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، إنه لديه إثباتات تفيد بأن الأصول الليبية المجمدة في الخارج معرضة للذوبان، إن لم تتم إدارتها بسرعة.

وأضاف سلامة، خلال مشاركته في مائدة مستديرة نظَّمها مع عدد من قليل الباحثين والصحفيين المصريين في القاهرة، أنه بدأ حوارًا مع البنك الدولي ولجنة العقوبات المعينة بليبيا؛ لتحديد آلية إدارة الأصول الليبية المجمدة في الخارج.

وحذر سلامة، من احتمالية تعرض الأموال الليبية للضياع، حيث لا أحد يدير الأرصدة الليبية في الخارج الآن، مشيرا إلى أنه تابع قبل أسبوعين مشاورات مع الحكومة والاقتصاديين الليبيين في هذا الشأن، بعدما استوعب خطورة الأوضاع المعيشية في ليبيا.

وأشار المبعوث الأممي، إلى أن مشاورات تجرى مع لجنة العقوبات الدولية والبنك الدولي، للبحث عن آلية مناسبة لإدارة الأرصدة والأصول الليبية في الخارج، وآلية صرفها بالرغم من أنه لا توجد مطالب ليبية بتسييل الأرصدة خشية أن تذهب في غير مكانها.

وبيّن سلامة، أنه لم يتضح بعد ما إن كانت ستتولى إدارة تلك الأصول لجنة أممية أو لجنة مشتركة ليبية دولية، مبينا أنه بدأ في الحوار مع لجنة العقوبات والبنك الدولي عن أفضل طرق وأكثرها شفافية لإدارة هذه الأصول لمستقبل أبناء ليبيا.

في السياق نفسه،عقد وزير الخارجية في حكومة الوفاق الوطني محمد الطاهر سيالة، اجتماعًا الشهر الماضي، مع السفير أولف سكوغ رئيس لجنة مجلس الأمن الدولي المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1970 الخاص بليبيا، بمقر البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة في نيويورك.

وأعرب رئيس اللجنة عن استعداده للتعاون مع حكومة الوفاق الوطني في إيجاد حلول لبعض المشاكل التي سببتها العقوبات، وخاصة فيما يتعلق بتجميد الأصول والأموال الليبية في الخارج.

وكانت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة حول ليبيا اتهمت بلجيكا بانتهاك العقوبات الدولية المفروضة على الأصول الليبية المجمدة لديها، بموجب قرار أعلنته الأمم المتحدة عقب إطاحة معمر القذافي في 2011.

وركزت اللجنة على التحقق من استمرار مدفوعات الفائدة عن الأصول الليبية إلى حسابات مصرفية تابعة لهيئة الاستثمار الليبية، واعتبرت أن استمرار دفع الفائدة وغيرها من الأرباح المالية غير متوافق مع قرار الأمم المتحدة تجميد الأصول الليبية بالخارج، حسب ما ذكرته جريدة «بوليتيكو» الأميركية.

تراخ دولي

تتخوف أوساط ليبية من صدور قرارات سلبية خلال جلسة يعقدها مجلس العموم البريطاني في 26 أكتوبر الجاري بشأن الأصول الليبية المجمدة. وسارعت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، للتعبير عن قلقها من مخرجات الجلسة التي يتخللها نقاش تصويت على مشروع قانون هدفه فرض قيود على الأصول الليبية المجمدة.

وفي يوليو الماضي، أعلن البرلمان العربي رفضه لمشروع القانون ، قائلاً: " إنه يفتقر إلى السلطة القانونية ويشكل انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة". وأشار البرلمان العربي، إلى أن المملكة المتحدة، عليها ضرورة الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي لعام 2011 بشأن تجميد الأموال الليبية، معتبرا أنه قرار دولي ملزم لجميع البلدان ذات الصلة، بما في ذلك المملكة المتحدة. وتأتي هذه الخطوة من مجلس العموم البريطاني على خلفية مطالبته لليبيا بدفع تعويضات لضحايا الجيش الإيرلندي بناء على اتهام النظام السابق بدعمه في فترة الحرب.

واعتبرت الأمانة العامة أن مشروع القانون البريطاني مخالف لقرارات مجلس الأمن التي أقرت حق الليبيين في الاستفادة من أصولهم المجمد خلال أسرع وقت ممكن، داعية الجانب البريطاني إلى عدم مخالفة القوانين الدولية. ويشير مراقبون أن كل المعطيات القانونية تدفع نحو رفع تجميد الأصول الليبية إلا أن بريطانيا تستغل وزنها في المجتمع الدولي للحيلولة دون ذلك.