يصول البلدوزر أو "الأصفر" كما يعرف في الأوساط الشعبية الليبية، ويجول في العاصمة طرابلس هذه الأيام وهو يكتسح المباني المخالفة التجارية والسكنية المخالفة الواقعة على الطرقات العامة في بلديتي أبوسليم وحي الأندلس، غير آبه بمصائر مئات العائلات التي أجبرها شظف العيش وتردي الأوضاع الاقتصاديةعلى اللجوء إلى العشوائيات أو استغلال الفضاءات العامة للاسترزاق منها لتأمين لقمة العيش.

                                  جانب من أعمال الإزالة في أبوسليم


فما إن أخطرت المواطنة (س م) القاطنة في منطقةالشعبية ببلدية أبو سليم بإخلاء منزلها ومنحها فرصة 72 ساعة لنقل أغراضها وأثاثها البسيط انتشر مقطع فيديو لها وهي تنهال بالبكاء وتناشد وتستغيث برئيس الحكومة ورئيس هاز الدعم والاستقرار أبوسليم التدخل ووقف هدم منزلها، وتؤكد أنها تقيم في منزلها منذ 17 عاما ولديها 7 أطفالوفي يوم وليلة وتقول باللهجة الليبية" تبو تهدموا حوشنا.. تبو تشردونا.. هذي بلادنا وين بنمشوا".

وتضيف إنهم تحصلوا على وعود في السنوات الماضية لتعويضهم ماليا أو توفير سكن بدل سكنهم المخالف ولكن كل تلك الوعود لم تنفذ حتى اليوم، كما تحدثت عن أوضاعهم الصعبة في ظل غلاء المعيشية وأن كل ما يتوفر لديهم من مبالغ مالية قليلة بالكاد يكفي لسد لقمة العيش وهز المشهد كثير من الليبيين على مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعلوا معه وطالبوا بعدم تنفيذ قرار الأزالة قبل توفير بدائل للمواطنين.

رفض كثير من المواطنين الاستعجال في تنفيذ قرار هدم المنازل المخالفة قبل توفير حلول بديلة للسكان وتقدير الظروف التي أجبرت المواطنينعلى السكن في العشوائيات، لكن كان لبلدوزرات أبو سليم رأي آخر.


حملة إزالة العشوائيات انطلقت في 27 أبريل الماضي بعد أن أقرتها وزارة الإسكان والتعمير بمباركة مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية وتنفذها شركة خدمات النظافة العامة والحرس البلدي والجهات الأمنية، تهدف بحسب القائمين عليها إلى استرجاع الأراضي والفضاءات العامة، وإزالة التلوث البصري في المدينة وتحسين منظرها العام، وتقليل الازدحام المروري، والحد من استهلاك الكهرباء، وتخفيف الضغط على شبكات الصرف الصحي، والحد من تكدس النفايات، وتقنين المشاريع التجارية بطريقة صحيحة وقانونية.

وبدأت من بلدية أبوسليم أكثر المناطق كثـافة في العاصمـة طرابلـس لا سـيما في غرغـور وباب عكـارة وأبي سليم  المركز، ثم بلدية حي الأندلس، لكنها واجهت في بدايتها مظاهرات ليلية منددة في شهر رمضان الماضي من قبل سكان العشوائيات في مناطق أبوسليم وغرغوروعرادة الذين تجمهروا أمام مقر مجلس الوزراء، لكن سرعان ما توقفت المظاهرات واخمدت بعد يومين من انطلاقها دون معرفة أي تفاصيل ما إذا كان المتظاهرون تعرضوا للتهديد أو تحصلوا على وعود بالتعويض.

ويبرر (ن ع ر) وهو أحد أصحاب العشوائيات في منطقة غرغور أن سكنهم بالمخالفة سببه ضنك الحياة وقسوتها وعدم الحصول على العمل والسكن وقروض البناء أجبرهم على السكن في العشوائيات سواء البناء أو الشراء أو الإيجار وفي حال طردهم وهدمه سيصبحون مشردين وسيزيد ذلك من مرارة حياتهم.

ويقول، إنه في حال لم تتراجع الحكومة والجهات التنفيذية للحملة عن قرار الهدم والإزالة فيجب توفير سكن بديل للعائلات التي تسكن في المساكن العشوائية وكذلك فرص تجارية لأصحاب المحال التجارية وتعويضهم عن خسائرهم.


اجتماع الدبيبة مع وزيري المالية والحكم المحلي وعميدي بلديتي أبوسليم وحي الأندلس



** خجل حكومي

وعقب المظاهرات اجتمع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، مطلع مايو المنصرم مع وزيري المالية خالد عبدالله، والحكم المحلي بدرالدين التومي، مع عميد بلدية أبوسليم عبدالرحمن الحامدي، وعميد بلدية حي الأندلس محمد الفطيسي، لمتابعة حملة إزالة المباني العشوائية بلديتي أبوسليم وحي الأندلس.

ووفق بيان خجول صادر عن الحكومة قالت إن رئيسها بحث مع المسؤولين البدائل المقترحة لمعالجة آثار حملة الإزالة للعشوائيات والإنشاءات القائمة بالتجاوز على الطريق والفضاء العام تحفظ سبل العيش الكريم للمواطنين، الذين تمت إزالة مساكنهم بسبب مخالفتها للقوانين، لكنها لم تحدد أو تتطرق بوضوح إلى تلك المعالجات، ما اعتبره المراقبين محاولة لامتصاص غضب المتضررين.



وتواجه الحملة تشكيك بفشلها كسابقاتها بحسب المراقبين، من جانب عدم قدرة القائمين عليها تنفيذها وفق الخطة المرسومة لعدم قدرة الدولة في الوقت الراهن على إيجاد حلول لآلاف المواطنين الذين يسكنون في العشوائيات، ومن جانب آخر المحاباة والمحسوبية والاستثناءات للمواطنين المخالفينمن بعض الجهات الأمنية و المسؤولين الفاسدين أو قادة بعض الميليشيات الذين مكنوا مواطنين وتجار من أراضي للدولة مقابل مبالغ مالية، وتشير الأصابع إلى بلديتي سوق الجمعة وعين زارة. 

وفي المقابل لاقت الحملة استحسانا لدى الكثير من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي حيث ترى طائفة كبيرة منهم أن إزالة العشوائيات والزوائد يجعل المدينة أجمل و يقلل الازدحام و يرجع هيبة الدولة، ويحذرون من استثناءات لبعض المخالفين حتى لا تفشل الحملة،ويرون أن المحلات التجارية التي تخرج من أفنية المساكن بدون تراخيص بناء وبدون ضوابط ولا تدفع فواتير الكهرباء ولا المياه تعرقل حركة المرور والتعدي على الأرصفة والشوارع العامة وتحتكرها لنفسها ناهيك عن اهتمامهم بإزالة مخلفاتهم من القمامة وصناديق البضاعة الفارغة وغيرها.



** اختلاف المعالجات بين البلديات

وتختلف خطة إزالة العشوائيات في بلدية حي الأندلس عن جارتها بلدية أبوسليم، حيث قال عميد البلدية محمد الفطيسي إن المرحلة الأولى تستهدف إزالة العشوائيات التجارية من الطرق العامة في 17 محلة، وأنهم شكلوا لجنة لحصرالعشوائيات السكنية التي تأجل إزالتها لحين حصرها وإعداد دراسة لأوضاع ساكنيها الاجتماعية وإحالتها إلى الجهات المختصة لاتخاذ القرار المناسب بشأنها.

وأوضحالفطيسي في تصريحات عند بداية الحملةأن بلدية حي الأندلس تعد ثالث أكبر البلديات في ليبيا مساحتها تتجاوز 60 كيلومتر مربع مترامية الأطراف وبها أكبر عدد من المساكن العشوائية، مشيرا إلى أن محلة غوط الشعال وحدها يوجد بها أكثر من ألف عائلة تسكن في العشوائيات.  


عميد بلدية حي الأندلس محمد الفطيسي


ويوضح عميد بلدية حي الأندلس أن البلدية ستعمل مع الجهات المعنية كوزارة الإسكان والتعمير وغيرها على إيجاد بدائل لقاطني المنازل العشوائية قبل هدمها، مشيرا إلى الآثار السلبية للمنازل والمحال التجارية العشوائية في الأحياء السكنية مثل تغيير شبكات الكهرباء بطرق غير قانونية وتكدس النفايات في الشوارع والضغط على شبكات الصرف الصحي، وهو ما قال إنهم يسعون لتنظيمه وتقنينه.

ومنذ 2011 تشهد العاصمة طرابلس وضواحيها فوضى واغتصاب للأملاك العامة والخاصة سواء بالابتزاز أو الإكراه، وسكن بعض المواطنين في مجمعات غير مستكملة، كما تشهد ضواحي العاصمة الجنوبية في عين زارة وشرقها في تاجوراء حيازة أراضي ومشاريع زراعية تابعة للدولة وتقسيمها وبيعها، كما تم تعطيل مصالح التسجيل العقاري والتخطيط العمراني وتراخيص البناء، وهو ما شجع كثير من المواطنين على استغلال الفضاءات العامة لبناء مساكن أو حيازة أراض وضمها لمساكنهم الأصلية لتوسعتها أو بناء محال تجارية ومعارض السيارات أكشاك الصغيرة وغيرها، كما لا توجد احصائيات رسمية للمساكن العشوائية المخالفة أو الأراضي التابعة للدولة التي تم اغتصابها أو التعدي على أجزاء منها.