حذر فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر من الخطر الداهم الذي يهدد خارطة الشرق الأوسط، من الداخل والخارج والذي يهدف إلى التدمير المتعمد للأديان والممتلكات.

وقال شيخ الأزهر في مؤتمر “الأزهر لمواجهة الإرهاب والتعصب” الذي استضافته القاهرة أمس الأربعاء، إنه دائما يسأل نفسه عن أسباب هذه الفتنة التي ضربت الوطن العربي وقطعت الرؤوس في وحشية لم يعرفها التاريخ إلا على يد هذه الفصائل الدخيلة التي تجاوزت كل الحدود بحجة إقامة دولة الخلافة.

في الوقت الذي تشهد فيه مصر أعمالا إرهابية من قبل جماعات إسلامية مسلحة، تمتد أذرعها إلى دول عربية أخرى مثل سوريا والعراق وليبيا، بهدف تدمير الوطن العربي وتفريق وحدته وتشويه صورة الإسلام، دعا المؤتمر إلى توحيد الكلمـة ونشر صـورة الدين الإسلامي الحقيقية التي تدعو إلى السماحة، وضرورة الحوار في التعامل مع الآخر وهو ما تدعو إليه باقي الأديان السماوية.

أضاف شيخ الأزهر، في المؤتمر الذي حضره ممثلون من دول عربية وإسلامية عدة، “أن الباحث في أسباب ظهور تلك الجماعات تطالعه تفسيرات شتى حول أسباب عنف هذه الجماعات واستباحتهم للدماء، منها الدين والحضارة والسياسة”، مشيرا إلى سبب آخر يستحق التأمل وهو “أن ما تشهده الدول العربية من جماعات عنف مسلح ما هو إلا مؤامرة على الشرق الأوسط لصالح الدولة الإسرائيلية وبقائها أطول فترة ممكنة” ضارباً مثلاً بدولة العراق التي هدمت عام 2003 لأسباب واهية، حيث “تم تسريح الجيش العراقي وضباطه وجنوده وتركت الدولة للجماعات المسلحة ليدخل العراق في دوامة القتال ويسبح في بحور من الدم”.

الطيب أكد في كلمته الاستهلالية أن هذه الجماعات وعلى رأسها “داعش” تجد لها شيوخاً يحللون جرائمها تحت ستار الدين، ويتعمدون استقطاب العقول الشابة وشحن عقولهم بالأفكار المتشددة، وهو ما يعيد إلى الأذهان جرائم لجماعات مماثلة أزهقت أرواح المسلمين من قبل، وتكفير البعض استناداً إلى معتقد خاطئ، موضحاً أن الإسلام بريء من مثل هذه الأفعال والأفكار، وأن الإسلام حرم الاعتداء على النفس الإنسانية مهما كان انتماؤها الديني.

نصر فريد واصل، مفتي الديار المصرية الأسبق، أكد في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن علماء الأزهر أهل وسط، وأن ما تسعى إليه الجماعات المتشددة لتشويه صورة منارة الإسلام في العالم ما هو إلا أفعال مغرضة لا علاقة لها بالتسامح، وما هي إلا مخططات خارجية تسعى لهدم أي كيان عربي أو إسلامي قائم على وحدة الصف.

وأوضح “واصل” أن الدين الإسلامي وجميع الرسالات السماوية أمرت بالتخفيف عن الناس، وعدم إرهاقهم في أمور سياسية لا دخل لهم فيها، مشدداً على ضرورة وجود خطاب ديني موحد يؤسس على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مطالباً الجميع بالثقة في الأزهر، وأنه نجح في رسالته التي أُسس من أجلها وهي نشر مفهوم الدين الإسلامي الصحيح بعيداً عن التحريف والتأويل.

شهد المؤتمر حضور عدد من رموز الدين الإسلامي والمسيحي، بمختلف طوائفهما، لسد الباب في وجه من يسعون لإشعال الفتنة الطائفية في المنطقة العربية، كما أن تواجد بعض رموز الدين اليهودي وسط الحضور، إشارة إلى أن جميع الرسالات السماوية ترفض العنف وإراقة الدماء.

من جانبه، استهل البابا تواضروس الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كلمته بمقولة سلفه البابا شنودة الثالث “إن مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطن يعيش فينا”، مؤكداً أن الشعب المصري يعيش دائماً في محبة وسلام ولا يفرق بين مسلم ومسيحي، وأن ما تقوم به الجماعات المسلحة بعيد كل البعد عن مفهوم التعامل مع الآخر وفقاً للدين.

وأشار تواضروس إلى أن الكنائس المصرية تعرضت إلى هجمة شرسة لم تكن معتادة لكنها هجمة مفتعلة من أجل إسقاط الوطن، وهو ما واجهه الشعب المصري الحقيقي بقوة ووقف أمام مدعي الدين، موضحاً أن الدين الإسلامي لا يعرف العنف وإن كانت تلك الجماعات تأخذ من الإسلام حجة لتنفيذ مخططاتها، فإنها محكوم عليها بالفشل.

من جانبه، حذر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في دولة المغرب من الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى تشويه صورة الدين الإسلامي، متناسية أن الله يعلم ما تكنه صدورها السوداء للإسلام والمسلمين، مشيراً إلى أن الإسلام لا يعرف إلا الحب والإخاء والتسامح، ودعانا إلى أن نتعامل مع جميع الأديان الأخرى بالبر والإحسان.

واجتمعت في المؤتمر وفود كثيرة من دول عربية وأفريقية وآسيوية وأوروبية، للتأكيد على نبذ الوحشية والوقوف يدا بيد لمواجهة التطرف والإرهاب.

كان لرئيس مؤسسة مسيحيي الشرق، الفرنسي باتريك كارام إشادة بالمؤتمر ورئيسه، حيث أكد في كلمته أن جميع المسيحيين الذين يعيشون على أرض مصر يتمتعون بالأمن والسلام، وأنه لا صحة لما يثار حول وجود فتنة طائفية أو تعسف ضد المسيحيين في مصر، مضيفا أن الغرب يعاني مما تفعله الجماعات المتطرفة، حيث حاولت في الفترة الأخيرة استقطاب الشباب الأوروبي للانضمام إليها، مستغلة ضعف وعيهم الديني وجهلهم بالدين الإسلامي، كونهم مقبلين عليه حديثاً، وهو ما عانته فرنسا على وجه الخصوص.

رئيس مؤسسة مسيحيي الشرق سلط الضوء على الدور المحوري لمصر، وفضل أن يوجه كلمة باسمها في ختام حديثه، حيث قال: “إن مصر لها دور مهم جدا وتعتبر مركزا رئيسيا لمواجهة الإرهاب في المنطقة، وهناك بعض القوى التي تحاول هدم مصر وإسقاطها، وهو ما يترتب عليه إسقاط المنطقة العربية بل والشرق الأوسط بأكمله، مشددا على “ضرورة فهم الدول الغربية أن مصر حاليا تتصدر المشهد لمحاربة الإرهاب في المنطقة، لذا لزاما على الغرب مساعدة (أرض الكنانة) في تلك المهمة”الشيخ السيد علي الأمين، أحد كبار علماء الدين في لبنان، أكد ضرورة إنشاء المعاهد المشتركة للدراسات الدينية المختلفة، ووضع كتاب واحد للأديان وما فيها من مشتركات في المدارس، مع دراسة خصوصيات الأديان في المساجد والكنائس، مشددا على ضرورة اعتماد خطاب إعلامي ديني وسطي، وعدم التعصب في الخطاب الديني من جانب العلماء درءاً للفرقة والانقسام.

المؤتمر أكدت كلماته ضرورة الرجوع إلى معايير علمية ذات قدرة على كشف وجه التطرف، مع تواجد الوعي الموضوعي لشرح صحيح الدين، لأن المفهوم الذي استحدثه المتطرفون قائم على سفك الدماء والغدر.

فيصل بن معمر، الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز، دعا إلى الحوار بين الأديان، وركز على أهمية التكاتف لمواجهة الإرهاب، واحتواء أجيال الشباب، وخلق نوع من الحوار مع المعالجة الصحيحة لرسالة الإسلام حتى تصل إلى أذهانهم بسهولة ويسر.

*نقلا عن العرب اللندنية