تعيش ليبيا إثر أحداث فبراير 2011 وضعا سياسيا و أمنيا متقلّبا، إذ تعدّد المتدخّلون في الشأن الدّاخلي الليبي لدرجة أنها أمست حلبت صراع للقوى الدولية، ومثّلت اشتباكات طرابلس الأخيرة فرصة لمختلف الفاعلين الدوليين للعب دور في عملية التهدئة و تسجيل مواقف تدفع نحو تطلّعاتهم الإستراتيجية في ليبيا التي تبقى غنيمة مغرية للجميع.

فرنسا تهدد 

دعت فرنسا المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغوط قصوى وفرض عقوبات على الذين ينشرون الفوضى في ليبيا ويمنعون هذا البلد من التقدم باتجاه انتخابات قائلة "يجب أن نبدي مزيدًا من الحزم حيال الذين يرغبون في فرض الأمر الواقع لمصلحتهم وحدهم" على لسان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان.

وقال لودريان أمام وسائل الإعلام إن "العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في الآونة الأخيرة ضد عدد من المهربين يجب أن تليها عقوبات أخرى، وأعتقد بشكل خاص ضد الجماعات المسلحة التي تهدد طرابلس"، بحسب "فرانس برس".

وعقد وزير الخارجية الفرنسي اجتماعًا مع نظرائه في الدول المجاورة لليبيا (الجزائر وتونس ومصر والنيجر وتشاد)، وممثلين عن إيطاليا وعن أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، للحصول على دعم في هذا الاتجاه.

وحضر الاجتماع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، عبر الفيديو من طرابلس. وقالت باريس إن كل المشاركين عبروا عن وحدة الأسرة الدولية في مواجهة الجماعات المسلحة التي تحاول اللعب على انقسامات واقعية أو مفترضة بين الأطراف الإقليميين والأوروبيين لمنع تقدم العملية الانتخابية.

ويرى عدد من المراقبين أن فرنسا اطلعت على الصعوبات على الأرض ولم تعد على ما يبدو تدفع باتجاه تنظيم انتخابات في ديسمبر في ليبيا وفق برنامج أقر في باريس في مايو الماضي.

في نفس السياق قال مصدر دبلوماسي فرنسي إن "هذا البرنامج الزمني قرره الليبيون أنفسهم وإذا رأى غسان سلامة والمسؤولون الأربعة الذين قطعوا التعهد في باريس (بشأن هذا البرنامج، أنه يجب تأجيل الموعد، فلم لا؟".

وتؤكد باريس أن المهم هو الإبقاء على حراك باتجاه الانتخابات وتشدد على أنها متفقة مع روما حول هذه النقطة، وأن لديها حتى «إرادة للتعاون»، رغم التوتر في الأسابيع الأخيرة. وأشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أنه "تم تبادل عبارات قاسية لكن لدينا تشخيص واحد للوضع".

إيطاليا تتفاعل

يلتقي رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، اليوم الأربعاء، في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ويناقش اللقاء تطورات الأزمة الليبية والاشتباكات التي اندلعت في طرابلس، كما سيلقي رئيس الوزراء الإيطالي لأول مرة الجمعية العامة للأمم المتحدة عصر الاربعاء، في كلمة ستركز بوجه خاص على بعض مناطق الأزمات مثل ليبيا، وستطرق الكلمة إلى تنظيم إيطاليا للمؤتمر الدولي حول ليبيا الذي سيعقد في نوفمبر في روما، لجمع جميع الجهات ذات الصلة حول طاولة حوار واحدة، على رأسهم الفرقاء الليبيين أنفسهم.

في نفس الإطار،تأخذ إيطاليا التي تربطها علاقات تاريخية مع ليبيا على فرنسا سعيها إلى التحرك وحدها لتسوية هذا النزاع. وفي تلميح واضح لباريس، أدانت إيطاليا التدخلات الأجنبية» في ليبيا وعبرت عن «عدم موافقتها على إجراء انتخابات في العاشر من ديسمبر، معتبرة أن الشروط الأمنية لم تتحقق بعد.

ويرى المحلل الليبي والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن الدكتور عبد العزيز أغنية في تصريح لموقع رصيف 22 أن "إيطاليا تخشى إجراء انتخابات في ليبيا في الوقت الحالي، لأن حلفاءها من الإسلاميين ومليشيات أخرى سوف يخسرون لا محالة وبشكل مخزٍ، ولن يكون لهم أي حليف في المؤسسات المنتخبة".

من جانبه، يرى المحلل الإيطالي والصحافي في وكالة نوفا ألسندرو شيبيونه أن المبادرة الفرنسية في ليبيا هي انتحار، لأن الذهاب إلى الانتخابات في موعد محدد دون الوصول إلى الحد الأدنى من الظروف الأمنية المناسبة، وقبل تحقيق مصالحة وطنية، ليس فكرة جيدة. وأضاف: "أعتقد أن إيطاليا ترغب في تنظيم مؤتمر حول ليبيا لإيجاد مخرج حقيقي من الأزمة، مع توقيع اتفاقيات جديدة بالحبر لا الاكتفاء بتفاهمات شفهية كما حدث في باريس".

مخاوف أممية

واختار سلامة طرابلس بديلاً عن نيويورك، لأول مرة منذ سنوات كما قال في تغريدة سابقة، ليخبر الوزراء في اجتماعهم، وهو باق في العاصمة الليبية إن فرض عقوبات على منتهكي القانوني الدولي وتخفيف حدة العنف هو ما يحتاجه الوضع في ليبيا إلى جانب البدء بتنفيذ ترتيبات أمنية جديدة، فضلاً عن تذكيره بإعداد القوائم بمنتهكي القوانين تجهيزاً لإرسالها إلى مجلس الأمن. ولم ينس المبعوث خطته التي أطلقها في نيويورك قبل عام، ليعلن انتظار هدوء الأوضاع نسبياً لتنظيم وعقد الملتقى الوطني.

أما رئيس المجلس الرئاسي الذي ألغى زيارته وبقي في عاصمته فنادى بإجراءات دولية عاجلة وفعالة لحماية المدنيين، ليقول إن الصبر على السياسة والاقتصاد ممكن إلا أن الأمن لا ينتظر. وكان توحيد موقف المجتمع الدولي، وتحوله إلى موقع الفاعل في الجملة الليبية المعقدة من الأحداث، مطلباً آخر للسراج خلال حديثه إلى الوزراء.

التذكير بالانتخابات كان أيضاً من أبرز النقاط التي ركز عليها رئيس الرئاسي، مشيراً إلى تمسكه بالخيار الانتخابي وضرورة التجهيز له. ولم يقدّم الوزراء من جانبهم موقفاً جديداً سوى تأييد عمل البعثة، والإبلاغ بالاستماع إلى النداءات المتكررة، في مشهد بالغ الدبلوماسية، لا ينبئ بأي تغير قريب في الحالة الليبية.