تطرق الصحفي الإيطالي ميكالي بياري في مقال تحليلي مطول ، نشر على الموقع الإيطالي لا فورميكا إلى تفاقم الأزمة السياسية والأمنية الحاصلين في ليبيا، جراء الصراع السياسي والعسكري بين الأطراف الليبية الفاعلة.
وبيّن أن التنافس بين الإسلاميين والعلمانيين دفع بالبلاد إلى وضع شبيه بالحرب الأهلية، استغلته "الجماعات الجهادية" المرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية" لتضع موطئ قدم لها في البلاد، ما زاد من قلق المجتمع الدولي، وخاصة دول جوار ليبيا.
وذكر أن فشل الجهود الدبلوماسية الدولية في الدفع نحو الحوار ووقف إطلاق النار بين هذه الأطراف المتصارعة، زاد من احتمالات التدخل العسكري من قبل دول الجوار.
كما أبدت إيطاليا الدولة الغربية الدولة الأكثر تضررا جراء الفوضى الحاصلة في ليبيا، نظرا للمصالح الاستراتيجية التي تربطها بليبيا والقرب الجغرافي الكبير مع طرابلس، استعدادها لإرسال قوات لحفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن يسبق ذلك عملية تفاوضية تؤدي إلى انتخابات جديدة، تضمنها حكومة حكيمة وفقا لتصريحات وزير الخارجية باولو جينتيلوني.
أزمة
وأشار ميكالي بياري إلى أن الوضع في ليبيا يزداد تدهورا يوما بعد يوم مع تصاعد وتيرة المواجهات المسلحة بين الأطراف الليبية الفاعلة على الميدان، هذا ولم تلق الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار وتعزيز العملية السياسية في البلاد، من قبل المجتمع الدولي آذانا صاغية، ما يؤكد تصميم هذه الأطراف على تحقيق غاياتها باعتماد لغة السلاح.
من جانب آخر أوضح الصحفي الإيطالي أن الفوضى الحاصلة في ليبيا عززت من توغل "الجماعات الجهادية" المرتبطة خاصة بتنظيم "الدولة الإسلامية" ، التي وضعت موطئ قدم لها في ليبيا ، وعلى وجه الخصوص في مدينة درنة، ما زاد من مخاوف المجتمع الدولي وخاصة الدول القريبة من طرابلس، على أمنها القومي.
وأضاف في السياق نفسه، أن العديد من المحللين أكدوا أن الخطر يكمن أيضا في الوقوع في فخ استخدام ظاهرة "الإرهاب" لتفسير الأحداث الجارية في ليبيا، لأن ما يحدث أكثر يعد تعقيدا من ذلك، ما يتوجب النظر في حقيقة الوضع على الميدان.
فالبلد يشهد حالة من الانقسام، حيث سيطرت "الميليشيات الإسلامية" الموالية لجماعة "الإخوان المسلمين" على العاصمة طرابلس عقب معارك طاحنة، دامت شهرين خلال الصيف الماضي مع "كتائب الزنتان" الداعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر، ثم أعادت إحياء المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، وتم تشكيل حكومة إنقاذ وطني برئاسة عمر الحاسي، بالتزامن مع تحكم "الميليشيات الإسلامية" في بنغازي ثاني مدينة في ليبيا.
وأفاد بياري أن على الجانب الآخر هناك حكومة ومجلس النواب* المنتخب في 25 يونيو الماضي ويحظى باعتراف من قبل المجتمع الدولي، وقد التجأ إلى طبرق، كما اضطر إلى دعم "ميليشيات" القائد السابق في جيش القذافي اللواء المتقاعد خليفة حفتر للسيطرة على البلاد.
وبحسب كاتب المقال لا يظهر الانقسام الحاصل فقط من خلال المواجهات المسلحة بين كلا الجبهتين، بل يظهر أيضا على مستوى المكاتب السياسية ومؤسسات الدولة، كما تبين خلال مؤتمر "أوبك" في فيينا، حيث حصلت خلافات حول من يمثل ليبيا في القمة، حيث أكد وزير النفط في حكومة عمر الحاسي، ما شاء الله الزوي أن الحكومة سترفض الالتزام بأية قرارات في ما يتعلق بالإنتاج إذا لم يسمح له بالمشاركة في الاجتماع.
وهو ما يشير إلى أن النزاع الحاصل بين الفصائل الليبية لا يؤثر فقط على الوضع الداخلي الليبي، بل له أيضا تأثيرات على المصالح الجيوسياسية والاقتصادية على كامل المنطقة.

تدخل
ولفت كاتب المقال إلى أن الموقف الفرنسي من الأزمة الليبية يميل إلى التدخل العسكري بدعوى مواجهة "الجماعات الجهادية"، وهو ما أكده وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان في تصريح له لصحيفة لوفيغارو الفرنسية في التاسع من سبتمبر من هذا العام.
هذا الموقف يتماها أيضا والموقف المصري، لكن القاهرة قد تدخلت بالفعل عسكريا إلى جانب الإمارات العربية المتحدة من خلال الغارات الجوية التي استهدفت مواقع "الميليشيات الإسلامية" في طرابلس إبان المعارك للسيطرة على مطار العاصمة، كما استهدفت أيضا مواقع للعناصر الجهادية في برقة.
هذا وتدعم القاهرة لوجستيا القوات الموالية للحكومة، وقد اعتبر مراقبون للوضع الليبي أن هذا التدخل ساهم في تأجيج الصراع وفاقم حالة عدم الاستقرار.

وأفاد ميكالي بياري أنه عقب فشل كافة الجهود الديبلوماسية المبذولة من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسها جهود الوساطة التي يقودها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون خلال الأشهر الماضية بين الفرقاء الليبيين، تزايد احتمال التدخل العسكري أكثر من ذي قبل من قبل دول الجوار على غرار مصر.
هذا وينظر إلى هذا الخيار بعين الريبة، من قبل أولئك الذين يخشون من تحول تمويل "الفصائل المتناحرة" إلى مبرر للسيطرة على الموارد في ليبيا.
ويدعو المعارضون للخيار العسكري إلى إشراك "التيارات الإسلامية"، التي تحالفت مع "مجموعات إرهابية" ضد القوات الموالية لحفتر لمناقشة مصير ليبيا.
وأضاف أنه خلال مقابلة أجراها مراسل صحيفة كورييري ديلا سيرا في ليبيا، فرانشيسكو باتيستيني، مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، اعترف هذا الأخير بتلقيه دعما قويا من قبل حكومة عبد الفتاح السيسي.
كما دق حفتر ناقوس الخطر بالنسبة للغرب، مبينا مدى خطورة الوضع في بلاده وتداعياته على أوروبا، التي لم تفهم بعد حجم "الكارثة" التي تتهددهم في هذا الجانب من البحر المتوسط، مؤكدا وصول جهاديين أتراك ومصريين وسودانيين وجميعهم موالون لتنظيم "أنصار الشريعة" أو "الدولة الإسلامية".
وتساءل حفتر عن عدد الإيطاليين الذين يعلمون أنه بالقرب من بلادهم تم إعلان "الخلافة" التي "تمارس قطع الرؤوس" في مدينة درنة، قائلا إن أوروبا بحاجة إلى الاستيقاظ.
وفي نفس السياق أوضح الصحفي الإيطالي أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر -الذي عاش سنوات في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية-، يقود منذ أشهر حملة عسكرية أطلق عليها تسمية "عملية الكرامة" ضد "الإسلاميين" من "فجر ليبيا" و"أنصار الشريعة".
ووفق زعم الصحفية الإيطالية آنا مازوني، في مجلة بانوراما، فإن كلا "المنظمتين الإرهابيتين" أعلنتا الولاء" لزعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي.
موقف
وأشار ميكالي بياري إلى أن المملكة المتحدة تعتقد أن الحوار والمصالحة الوطنية أمران ما يزال ممكنين، كما لم تستبعد تنفيذ عمليات لتحقيق الاستقرار وهو موقف باريس وروما.
لكن موقف إيطاليا جاء واضحا على لسان وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني في مقابلة له مع صحيفة لا ريبوبليكا، حيث أكد أن بلاده تتبنى موقفا حذرا من الأوضاع في ليبيا، وهي لا تريد تكرار أخطاء الماضي، حيث لا يجب التدخل ميدانيا، قبل أن يكون هناك حل سياسي.
وقال جينتيلوني إن بلاده ستكون في الصف الأمامي إذا ما تم إرسال قوات لحفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن يسبق ذلك البدء في عملية تفاوضية، تؤدي إلى انتخابات جديدة تضمنها حكومة حكيمة.
وأضاف بياري أن تصريحات هذا الأخير تبين كيفية تعاطي إيطاليا مع الأزمة في ليبيا، كما يتخذ السفير الإيطالي في ليبيا جوزيبي بوتشينو نفس المسافة من كلا الطرفين في طرابلس وطبرق.
ويمكن لروما أن تكون من الجهات الفاعلة والقليلة القادرة على تفادي التدخل العسكري والتغلب على الجمود الحالي من أجل استئناف المحادثات بين الطرفين، لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تحافظ إيطاليا على فتح سفارتها في طرابلس، رغم ازدياد الأوضاع سوءا وتدهورا، وقد تتجه البلاد نحو الانهيار.
وأفاد بياري أنه وفق مقال نشرته المجلة الإيطالية المختصة في الشؤون الجيوسياسية، "ليمس" في مقال للباحثين الليبي كريم مزران، والإيطاليين آرتورو فارفيلي، وماتيا توالدو، أكدوا فيه أن إيطاليا، ولتجنب الانهيار في ليبيا، يجب أن تتحرك على عدة جبهات، وأن تعمل على تعزيز فريق الاتصال غير الرسمي، الذي قامت بإنشائه خلال هذه الأشهر، بين الأمريكيين وبعض الدول الأوروبية الكبرى.
هذا ولا بد لرئاسة روما في هذه المرحلة للاتحاد الأوروبي، أن تكون فرصة لفرض مزيد من الانتباه نحو القضية الليبية.
في السياق ذاته كانت الزيارة الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإيطاليا، فرصة لتوضيح الاختلافات بين جهود روما إزاء الأزمة السياسية الليبية، والحرب التي تقودها القاهرة ضد "الإخوان المسلمين" والتي امتدت داخل ليبيا.
إذ يجب الفصل بين قضية مكافحة "الجماعات الإرهابية" عن الجهد السياسي والدبلوماسي من أجل المصالحة في ليبيا، كما تبين ذلك خلال تصريح لوزير الخارجية الإيطالية مع صحيفة الكوتيديانو ، أكد خلاله أنه لا يمكن الخلط بين "الإخوان المسلمين" و "تنظيم الدولة الإسلامية".