مازالت الأوضاع في ليبيا تتجه نحو التعقيد يوماً بعد يوم في ظل انسداد الأفق السياسي وتصاعد التوتر العسكري.لكن الجديد في تطورات المشهد الليبي خلال الفترة الأخيرة هو دخول المنطقة الغربية في نطاق الصراعات السياسية والمواجهات المسلحة،بين حلفاء الامس في تواصل لمسلسل الانفلات الأمني وأحداث العنف التي تشهدها هذه المنطقة منذ سنوات ناهيك عن الأوضاع المعيشية والصحية التي تزداد سوءا وتنذر بالاسوأ.

حكومة الوفاق الليبية تعيش على وقع أزمات داخلية وتصدعات كبيرة،هذا العنوان الابرز للأوضاع السياسية في غرب ليبيا.التجاذبات والخلافات ظهرت للعلن بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج  ونائبه أحمد معيتيق الذي شن هجوما عنيفا على الاول معتبراً أنه لا يملك كامل صلاحيات رئيس مجلس الوزراء.

ووجه معيتيق انتقادا لاذعا للسراج بشأن مؤسسة الاستثمار، مؤكداً أن الأخير يملك صلاحيات محددة لا ينبغي تخطيها.واعتبر في بيان له أن "السراج لا يملك كامل صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وفق اتفاق الصخيرات، لكنه يترأس المجلس بصلاحيات محددة وحصرية لا يفترض أن يتعداها".وأضاف أنه "وفقا لاتفاق الصخيرات فإن رئاسة الوزراء تتمثل في مجلس رئاسة الوزراء، وأن هذا المجلس يتشكل من رئيس مجلس الرئاسة ونوابه ووزيري دولة، مع العلم بأن الرئيس وفق اتفاق الصخيرات هو رئيس مجلس الرئاسة ولا يملك شخص الرئيس صفة رئيس مجلس الوزراء".

انتقادات معيتيق لم تقف عند هذا الحد بل وصل الأمر الى حد دعوة "الليبيين إلى التظاهر و"المطالبة بفتح تحقيق في الأموال التي صُرفت وأين صُرفت وأوجه صرفها"، والتحقيق في "مستوى الخدمات المتدني الذي تسببت فيه سلطة الفرد المطلق وقراراته التي نتج عنها تدنٍ في هذه الخدمات".في اشارة واضحة الى تفرد السراج بالسلطة.

وتشير الانتقادات المتصاعدة لفايز السراج، بسبب إصداره قرارات وتعميمات دون الرجوع لبقية أعضاء المجلس،على تصاعد الخلاف داخل المجلس الرئاسي.وتزيد هذه الخلافات من أزمة المجلس الذي شهد استقالة عدد من أعضائه وعلى رأسهم علي القطراني وفتحي المجبري، وعمر الأسود، وموسى الكوني،وهو ما جعل المجلس منقوص الصلاحيات -وفقا للاتفاق الصخيرات الذي أقر أن تكون القرارات بالإجماع.

الخلافات الدائرة في كواليس حكومة الوفاق،ترتبط ارتباطا وثيقا بصراع الاجنحة داخل الحكومة الذي يصنفه كثيرون على أنه صراع مصراتي-طرابلسي على النفوذ.وتتضح الصورة أكثر مع دعوة مفتي الميليشيات المسلحة ، الصادق الغرياني، ميليشيات مصراته والزاوية وزليتن، ومن وصفهم بالعقلاء الذين يملكون سلاحاً في طرابلس، بعقد ملتقى كبير يناقشون فيه عجز المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق غير المعتمدة وتشكيل حكومة أزمة.

وفي المقابل،شنت قوة حماية طرابلس هجوما حادا على جماعة "الإخوانالليبية ،واصفة إياها بالورم  الذي ينخر في جسد البلاد.وقالت قوة حماية طرابلس، فى بيان رسمى،الجمعة الماضي :"إن أفعال هذه الجماعة المفسدة في الأرض منذ تغلغلها في مفاصل الدولة إلى يومنا هذا قد فاق الوصف من شدة إنهاك الدولة والفساد فيها وتخريبها.

وحذرت قوة حماية طرابلس كل من تسول له نفسه المساس بالوطن والمواطن، بأن "القوةلازالت بالمرصاد لها، وتابع البيان "لا تزال هذه الفئة الضالة مستمرة في نهجها المُخرب من افتعال الأزمات، وخنق للوطن والمواطن، ومحاربة وتشويه القادة والشرفاء منا؛ ممـن قدموا دمائهم وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الوطن".

هذا الصراع السياسي لا يمكن فصله عن الصراع المسلح الذي عاد مجددا في غرب ليبيا وخاصة في العاصمة طرابلس بعد انسحاب الجيش الوطني الليبي استجابة لدعوات التهدئة التي أطلقتها العديد من الدولفالمليشيات المسلحة التي تحالفت في وقت سابق للقتال ضد الجيش الوطني الليبي سرعان ما عادت الى حرب النفوذ في طرابلس خاصة مع انتشار الآلاف من المرتزقة والارهابيين الموالين للنظام التركي الطامح للسيطرة على البلاد ونهب ثرواتها.

وشهدت الاسابيع القليلة الماضية اشتباكات عنيفة في عدة مناطق غرب ليبيا،كان أعنفها في يوليو/تموز الماضي، حيث قتل عدد من قادة مليشيات طرابلس، التابعين لوزارة داخلية حكومة السراج،في اشتباكات مع مليشيات أخرى تتبع نفس الوزارة في منطقة جنزور، غربي طرابلسكما تعرض عدد من قادة المليشيات لحملة اغتيالات او تصفية أو اعتقال من قبل نظرائهم في المليشيات الأخرى.

وفي 11 يوليو الماضي ،خرجت مليشيا "ثوار طرابلس"بسيارات عسكرية وأسلحة ومقاتلين،في شوارع العاصمة الليبية طرابلس،في استعراض واضح للقوة من قبل إحدى الفصائل المنضوية ضمن قوات حكومة الوفاق والتي كانت على خلاف قوي مع وزير داخليتها فتحي باشاغا على مدى الأشهر الماضية خاصة أنه يتهم بموالاة ميليشيات مصراتة على حساب نظيراتها في طرابلس، وأنه يخطط لإخراجها من المشهد السياسي والأمني.

ويؤكد العديد من المتابعين للشأن الليبي ، أن باشاغا منذ توليه هذا المنصب، يستهدف بشكل متكرّر ميليشيات طرابلس، من أجل تفكيكها وإنهاء سيطرتها على مؤسسات الدولة خاصة المالية منها، لفسح المجال أمام ميليشيات مصراتة الموالية للإخوان، للاستحواذ على السلطة ومراكز القرار في العاصمة.وفق ما أوردت "العربية نتفي تقرير سابق لها.

على صعيد آخر ، تعيش المنطقة الغربية على وقع تصاعد المخاوف جراء تدهور الوضع الصحي في ظل ارتفاع ملحوظ لانتشار وباء "كوروناالخطير.وذكرت الإحصاءات الرسمية أن عدد الحالات المصابة بعموم البلاد تجاوز آلاف حالة، بعد تسجيل 200 إصابة جديدة خلال يوم الجمعة الماضي.

وتصدرت مدينة مصراتة الليبية (غربقائمة المدن التي تفشى فيها وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).وقالت اللجنة العليا لإدارة الأزمة في مصراتةإن المدينة سجلت منحنى تصاعديا خطيرا لانتشار الفيروس.وأضافت أن مصراتة سجلت الأسبوع الماضي 55 إصابة جديدة، بينها حالة واحدة لشخص غير ليبي.

وأرجعت الصحفية الأمريكية المتخصصة في تغطية الأزمات الإنسانية والصراعات، ليندسي سنيل، تفشي وباء كورونا الى المرتزقة الذين تدفع بهم تركيا منذ أشهر الى الأراضي الليبية.وأوضحت سنيل، في تغريدة لها على موقع "تويتر"، بأن مصراتة تعد بؤرة تفشي وباء كورونا في ليبيا، مرجحة إلى أن سبب ذلك هو تدفق المرتزقة من تركيا وهم يحملون الفيروس ويعملون على نقله وانتشاره بين الليبيين.

وفي يونيو الماضي،عبر مسؤولو منظمة الصحة العالمية عن قلقهم بشأن انتشار سري لفيروس كورونا المستجد في ليبيا، عن طريق المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا الى ليبيا.ونقلت صحيفة "الاندبندنتالبريطانية، عن مصادر أممية أنه مع الاختبارات القليلة لكورونا في ليبيا، لا توجد طريقة لقياس الأضرار التي يمكن أن تحدث بدقة، وأشارت إلى أن الجهود المحلية للقضاء على المرض ستقوضها الحركة الدولية المستمرة للقوات العسكرية، ما يطيل ويعمق تفشي الوباء.

وتعمق هذه التطورات من أزمة قطاع الصحة الذي يشهد أزمات خانقة، جراء الحرب الأهلية، والانقسام السياسي المتواصل، في البلاد منذ سنوات، حيث تعاني المستشفيات الليبية، من نقص حاد في الأطقم الطبية، والأدوية، والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف، أو لكونها تقع في مناطق تشهد معارك مسلحةويحذر مراقبون من أن هذه الأوضاع تنذر بكارثة إنسانية خطيرة في حالة تفشى الفيروس القاتل في البلاد.

وعلى وقع هذا المشهد المتأزم يعيش الليبيون في المنطقة الغربية أوضاعا متردية تزيد من معاناة السكان الذين عبروا عن غضبهم في مظاهرات تنديدا بما آلت اليه أوضاعهم.وتجمع المتظاهرون في ميدان الجزائر وسط العاصمة طرابلس للتنديد بتوّقف الخدمات العامة للناس خاصة أزمة الكهرباء وتأخر الرواتب إلى جانب الانفلات الأمني بسبب انتشار المرتزقة، وهتفوا بشعارات هاجموا فيها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وانتقدوا من خلالها لا مبالاة المسؤولين بأوضاعهم وتأخرهم في إيجاد الحلول، وأخرى تطالبهم بالرحيل.

وغير بعيد عن طرابلس،شهدت مدينة الزاوية مظاهرات مشابهة، أظهرت صور تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي إشعال المتظاهرين النيران في إطارات السيارات في شوارع المدينة.وأعرب المتظاهرون عن استيائهم من الوضع الذي وصلت إليه مدينتهم على المستويين الخدمي والأمني، مطالبين بإسقاط المسؤولين الفاسدين بالمدينة ومحاسبتهم.

وتعيش مدن غرب ليبيا أزمة خانقة بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي يمتد لـ10 ساعات يوميا،اضافة الى أزمة التزود بالمياه جراء التعدي على مياه النهر الصناعي، فضلاً عن ارتفاع الأسعار،وتأخر الرواتب وانعدام الخدمات.وفي هذا البلد الغنيّ بالنفط، يعيش الليبيون  وسط نقص كبير في الوقود السائل أو الغاز الطبيعي، ما يدفعهم للوقوف بالساعات أمام المحطات، وفي الغالب يغادرون دون الحصول على احتياجاتهم.

وفي الوقت الذي فتحت فيه حكومة الوفاق الباب على مصراعيه لتركيا لنهب ثروات البلاد تدعيما لاقتصاد أنقرة المتدهور ، يجد الليبيون أنفسهم في أوضاع تزداد سوءا يوما بعد يوم.ويؤكد مراقبون أن المشهد في غرب البلاد الذي بات عمليا تحت سيطرة الأتراك سيتجه نحو الأسوأ خاصة مع تصاعد وتيرة الصراع على النفوذ بين حلفاء الأمس، وقد تشهد المنطقة انفجارا شعبيا كبير نتيجة التدهور المتواصل لحياة السكان في المنطقة.