نظريات مؤامرة، هجمات، وباء «كوفيد 19»، ملفات تتداول تحتها أخبار كاذبة كثيرة في العراق، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد تسبب توتراً في بلد عرف عقوداً من الحروب والأزمات، ما يبرز الحاجة إلى تفنيدها. 

أمام عدد كبير من الشاشات وخلف حواسيبهم المحمولة، يتابع ثلاثة موظفين في قسم الرصد في دائرة الإعلام في وزارة الداخلية الكم الهائل من الأخبار اليومية التي تبث على التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، مهمتهم التعرف على الأخبار المشكوك بأمرها، ونقلها إلى قسم الشائعات في الدائرة الذي ينسق بدوره مع الجهة الرسمية المعنية بالخبر المنشور، كما يشرح رئيس هذا القسم العميد نبراس محمد لوكالة فرانس برس من مكتبه، لنفيها أو تأكيدها.

وينشر القسم بدوره بيانات النفي أو التأكيد عبر صفحته على «فيسبوك» التي يتابعها فقط أكثر من 34 ألف شخص من بين 25 مليون مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي في العراق في 2021، وفق مركز «داتا بورتال» للإحصاءات. وللمفارقة، يشكّل «فيسبوك» المصدر الرئيسي للأخبار الزائفة في العراق، والتي غالباً ما تتناول الـ«ترند» أي كل ما هو رائج.

هكذا كان الحال مثلاً حين انتشرت صورة على أساس أنها للصاروخ الصيني «لونغ مارتش 5 بي» الذي تاه في وقت سابق من هذا الشهر، في سماء العراق، ليتبين لاحقاً أنها تعود للعام 2019 ولا علاقة لها بالصاروخ. وكما في العالم أجمع، شملت الشائعات أيضاً نظريات المؤامرة المرتبطة بفيروس كورونا واللقاحات.

ويشرح أحد مؤسسي «تقنية من أجل السلام» المختصة بدحض الأخبار الزائفة والذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنه يوجد مئات الصفحات ذات أسماء مختلفة تتداول منشورات كاذبة على الموقع الأزرق في العراق. وتحمل العديد من الصفحات المنتشرة أسماء وكالات ومنابر إخبارية، مثل «نبض العراق»، وأخرى اسم «وكالة أنباء» منطقة ما في البلاد، لكنها في الحقيقة ليست وكالات أنباء أو وسائل إعلامية مرخصة. وتتحول الأخبار الزائفة إلى «ترند يومي تقريباً» كما يشرح مؤسس «تقنية من أجل السلام». بعضها فكاهي، لا يحدث ضرراً، مثل خبر «زواج شاب من الموصل بأربع فتيات في يوم واحد»، الذي فندته «تقنية من أجل السلام» ليتبين أن الصورة المستخدمة في الخبر دعائية لصالون تجميل. ويكون دافع نشر أخبار كاذبة أخرى الحصول على مزيد من الإعجابات، فحينما حصلت مأساة احتراق مستشفى ابن الخطيب في بغداد قبل نحو شهر، راحت صفحات تتناول أخباراً كاذبة عن احتراق مؤسسات صحية أخرى لجذب المستخدمين.

في المقابل، فإن أخباراً أخرى تأتي بسياق توجه معين، سياسي مثلاً، على ما يوضح مؤسس «التقنية من أجل السلام». هنا لا تعود الأخبار الكاذبة مصدر مزاح فقط، بل تصبح وسيلة دعائية سياسية نابعة من حملات منظمة إلكترونياً، في بلد عرف حرباً طائفية دامية بين العامين 2006 و2008 ولم تمض أربع سنوات عن خروجه من الحرب ضد تنظيم داعش. ويلحظ مؤسس «تقنية من أجل السلام»، وجود حملات منظمة على آلاف الصفحات خصوصاً «تويتر»، ذات الأهداف السياسية بغض النظر عن الطرف الذي يقف خلفها، إن كان من الفصائل الموالية لإيران، أو من أطراف أخرى، تصرف عليها ملايين الدولارات. هكذا أصبح العراق ساحة صراع للأخبار الكاذبة، بين أطراف إقليمية ودولية أو داخلية، كما يشرح.

ويعزز قسم الشائعات في وزارة الداخلية «الحملات الميدانية»، عبر توزيع منشورات على المارة تحذر من الأخبار الكاذبة والعواقب القانونية لنشرها بشكل دوري، كما يشرح العميد نبراس، مؤكداً التعاون مع مدوني صفحات إلكترونية لنشر التوعية، إلّا أنّ تلك الحملات ليست كافية في بلد كانت وسائل الإعلام الرسمية تشكل المصدر الأوحد للأخبار والمعلومات قبل العام 2003، فيما ولا تزال القوانين التي تعاقب عليها تعود إلى حقبة النظام السابق.

ووسط هذا النقص، يضطر عبدالله البالغ من العمر 24 عاماً، والذي كغيره من أبناء جيله يتصفح هاتفه لساعات، إلى التحقق من الأخبار بنفسه. يخبر وكالة الصحافة الفرنسية من أحد مقاهي بغداد: «لا أثق للوهلة الأولى بالخبر الذي أقرأه، بل أبحث عن مصدره، إن كان حكومياً أو غيره». وتحتاج عملية مكافحة الشائعات إلى آليات أكثر تعقيداً، كالتعاون مع شركات مواقع التواصل الاجتماعي.