أفريقيا الوسطى دولة حبيسة، تقع في قلب القارة الإفريقية، تحدّها تشاد شمالاً، والسودان شرقاً، والكونغو والكونغو كينشاسا في الجنوب، والكاميرون في الغرب.تترواح نسبة المسلمين فيها ما بين 17 - 20% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم (4.400.000)، ويتوزع المسلمون في عدد من المدن والمحافظات الرئيسة، أهمها العاصمة بانجي، ومدينة بيربرتي، ومدينة إنديل ".

ونتيجة لعدم وفاء بوزيزيه الرئيس السابق لأفريقياالوسطى بتعهداته ، فقد شن تحالف (سيليكا) هجوما على القوات الحكومية حتى تمكنوا من إسقاطه والسيطرة على العاصمة بانجي وتولى ميشيل إدارة البلاد وبهذا يكون أول حاكم مسلم لهذه البلاد حيث أن حكام إفريقيا الوسطى منذ استقلالها عن فرنسا كان جميعهم من "المسحيين المتطرفيين"، ومع وصول الثوار من مجموعة " سيليكا " إلى سدة الحكم في مارس عام (2013) ظلت فرنسا تعلن صراحة أنها لن تعترف بهذه الحكومة، بل إنَّ وزير الخارجية أعلن أكثر من مرة دعوة صريحة إلى تدخل دولي بقيادة فرنسا في الأزمة الحالية ، لكن الميلشيات المسيحية اختلقت المشاكل والصراعات لتدخل البلاد فى صراعات واشتباكات طائفية بين الأطراف المختلفة.

وما تزال تدور الاشتباكات العنيفة فى أفريقيا الوسطى حتى الآن والتى بدأت فى شهر ديسمبر الماضى ووصلت إلى المذابح الدموية  بين المتمردين الإسلاميين السابقين الذين يديرون شؤون البلاد حاليا وبين ميليشيا مسيحية ومقاتلين موالين للرئيس المخلوع فرانسوا بوزيزي ، من جراء تلك الاشتباكات.فقد خرجت الأمور عن السيطرة وأصبحت البلاد فى فتن وصراعات واقتتال مما أدى لتشريد الآلاف بفعل القتال المحتدم والدائر بين الفصائل المختلفة ، ولم يتمكن ميشيل دجوتوديا زعيم جماعة سيليكا الذي عين رئيسا موَقتا لأفريقيا الوسطى بموجب اتفاق مع دول أفريقية في المنطقة من وقف إراقة الدماء التي أدت إلى نزوح أكثر من مليون شخص وأحيت المخاوف من وقوع إبادة جماعية على غرار ما حدث في رواندا عام 1994.

لذا تدخلت فرنسا بتفويض من الأمم المتحدة لإنهاء الصراع الدموى هنالك وقد أدى نشر القوات الفرنسية في ديسمبر/كانون الأول بموجب تفويض من الأمم المتحدة لحماية المدنيين إلى إعادة شكل من أشكال الهدوء إلى العاصمة بانغي وإن استمرت الهجمات الثأرية المنعزلة

هذا هو الحال في أفريقيا الوسطى، حيث نشرت فرنسا 1600 جندي في وقت مبكر من شهر ديسمبر الماضى بموجب تفويض من الأمم المتحدة للمساعدة في إنهاء صراع اندلع بعد أن أطاح متمردون بالرئيس في انقلاب في مارس الماضى ، وتدهورت الأمور سريعاً ليدخل ذلك البلد الأفريقي في عنف طائفي بين الغالبية المسيحية والمسلمين، وقتل نحو 600 شخص في أقل من أسبوعين ، وحاولت القوات الفرنسية والأفريقية المنتشرة في أفريقيا الوسطى ، وقف أعمال العنف المتبادلة بين متمردين مسلمين وصلوا إلى السلطة في مارس/آذار وميليشيات مسيحية ، لكنهما لم ينجحان فى ذلك ، لذا أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان عن بدء عمليات الجيش الفرنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى.

وقال لودريان، عبر حديث لإذاعة فرنسا الدولية، أن "العملية بدأت" وأن القوات الفرنسية المنتشرة في أفريقيا الوسطى "شكلت دوريات في بانغي". وأضاف الوزير الفرنسي "وصلت فرقة من ليبرفيل وستصل قوة مروحيات إلى المنطقة" ، وقد أعلن رئيس وزراء إفريقيا الوسطى إنه "يعتمد" على فرنسا لفرض الأمن في البلاد وشدد على ضرورة تقديم مساعدة اقتصادية دولية كبرى ، لكن الاشتباكات والمذابح اشتدت حدة وذلك لفشل فرنسا فى إدارة الصراع هناك مما حدا بفرنسا أن تطلب من ميشال دجوتوديا رئيس البلاد بالتخلي عن السلطة بسبب الأزمة الأمنية والسياسية التي تشهدها جمهورية أفريقيا الوسطى.

وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بأن مصير رئيس أفريقيا الوسطى الموَقت ميشال دجوتوديا سيتحدد الأسبوع المقبل خلال القمة الذي سيعقدها زعماء منطقة وسط أفريقيا وبالفعل اجتمعت القمة و أعلن المشاركون في القمة الاستثنائية لدول وسط أفريقيا المنعقدة الجمعة الماضية في نجامينا أن رئيس أفريقيا الوسطى دجوتوديا ورئيس وزرائه نيكولا تيانغاي قدما استقالتهما ، وجاء في البيان الختامي للقمة أن قادة المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا "أخذوا علما باستقالة رئيس أفريقيا الوسطى ورئيس وزرائه .

وقد ذكر موقع صحيفة تاجس تسايتونج الألمانية أن تدخل فرنسا في جمهورية أفريقيا الوسطى في الـخامس من ديسمبرالماضى وضع الجيش الفرنسي في موقف حرج وفرض عليه الاختيار بين خيارين أحلاهما مر.وقالت الصحيفة أن ما تشهده أفريقيا الوسطي من تدخل فرنسي فاشل هو أمر غير مألوف. وأن تدخل الجيش الفرنسي لنزع أسلحة المليشيات كان من المفترض أن يكون قصيرا وبدون خسائر. لكن العملية العسكرية الفرنسية امتدت  لأسابيع و بدلاً من  تهدئة الوضع في البلاد في العاصمة بانجي أدي نشر 1600 جندي من القوات الفرنسية إلي تفاقم الأزمة وشيوع الفوضى أكثر في البلاد.

ولعل سبب تفاقم الأزمة بعد التدخل الفرنسي يرجع إلى أن فرنسا يُنظَر إليها كقوة استعمارية جديدة في هذا البلد فبمجرد أن أرسلت فرنسا قواتها وبعد قيام الرئيس الفرنسي هولاند بزيارة خاطفة إلى بانجي ظن الجميع أن فرنسا ستعزل الرئيس ديوتوديا زعيم تحالف "السليكيا " دون إراقة دماء.ولكن في الحقيقة أن القوات الفرنسية لم تفعل شيء من هذا القبيل .. بل قامت بعملية نزع أسلحة لمقاتلي "السليكيا" ولم يحدث أي نوع من التفاوض السياسي معها أو وضع حد لمليشيات المعارضة التي لا تقل وحشية في تصرفاتها وأيضا تم إضعاف حكومة ديوتوديا عسكريا بينما لا يوجد أي دعم سياسي لأي طرف.

ومع استمرار الجنود الفرنسيين في أداء عملهم الصعب في نزع سلاح الميلشيات بعد مقتل جنديين فرنسيين، يضغط الرئيس فرانسوا هولاند على شركائه في الاتحاد الأوروبي ليقدموا مساعدات تتجاوز الدعم والمعونات الإنسانية التي تم تقديمها بالفعل, حيث قال وزير الخارجية لوران فابيوس في البرلمان الفرنسي "من المتوقع أن قوات أوروبية أخرى لم يحددها ستصل قريباً إلى أفريقيا الوسطى".

بينما قال بول ميلي, الخبير في شؤون سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا "إن طلب فرنسا المزيد من المساعدات في هذه المهمة الأفريقية التي تدخلت فيها وحدها كما فعلت في وقت سابق من العام الجاري في مالي، هو جزء من مسعاها لإضفاء الطابع الأوروبي على سياستها في أفريقيا التي بدأتها قبل 15 عاماً".وقد حذر رئيس منظمة أطباء بلا حدود من أن تدخلا عسكريا في إفريقيا الوسطى لن يكفي لتسوية مشاكل بلد في حال فوضى, داعيا إلى إدارة حسنة للبلاد وتحسين بناها التحتية.إلا أن منظمة أطباء بلا حدود لا تنظر برضا إلى أيٍ تدخل عسكري فرنسي في إفريقيا الوسطى .

رئيس المنظمة حذر من أي تدخل ذي طابع عسكري  معتبرا أنه لا يكفي لتسوية مشكلات بلد يعيش في حال فوضى ، ووضح "أنه على المجتمع الدولي مساعدة حكومة إفريقيا الوسطى على إدارة البلاد بشكل أفضل وإيجاد سبل لإعطاء دفع للبنى التحتية في هذا البلد الذي يعاني من الفقر المدقع ".وعلى الصعيد الإنساني تسببت الأزمة في نزوح أكثر من 400 ألف شخص فيما تهدد المجاعة أكثر من  20% من السكان في الأشهر المقبلة بحسب برنامج الغذاء العالمي.

 وعلى صعيد عمليات إجلاء آلاف المدنيين ، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أنها قررت إقامة جسر جوي لإجلاء آلاف المدنيين من افريقيا الوسطى والذين ينتمون إلى عدة دول إفريقية مجاورة ، وستنقل الرحلات الأولى اعتبارا من السبت الموافق 11/1/2014 (800 ) تشادي من بانغي إلى نجامينا ، حسب ما أوضحت المنظمة ، وهؤلاء الأشخاص هم مجموعة من ضمن 2500 تشادي يقيمون في مخيم ترانزيت بالقرب من مرفأ بانغي، وتلقت المنظمة أيضا طلبات من النيجر ومالي والسودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية لإجلاء آلاف الأشخاص من بين مواطنيها الأكثر فقرا، وهي تساعد أيضا المدنيين الذين أجلتهم عدة حكومات إفريقية (السنغال وغينيا وبوركينا فاسو وساحل العاج ونيجيريا والكاميرون) لإعادة السكن في بلادهم الأصلية.

وأشارت المنظمة إلى أن ما مجموعه ستين ألف مهاجر قدموا من دول مجاورة لجمهورية افريقيا الوسطى طلبوا المساعدة من سفاراتهم. وتم إجلاء حوالى 27 ألف شخص من قبل حكوماتهم ولكن لا يزال 33 ألفا بحاجة لمساعدة عاجلة ، ووجهت المنظمة الدولية للهجرة نداء لجمع 17,5 مليون دولار لإجلاء حتى 10 آلاف مهاجر افريقي من جمهورية افريقيا الوسطى ومساعدة 50 ألفا آخرين على العودة للإقامة في بلادهم.

ولقد دعا برنامج الأغذية العالمي، المجتمع الدولي الى "توفير التمويل اللازم لاطعام مئات الآلاف من المشردين والنازحين الذين يعانون من الجوع نتيجة الصراع المسلح المحتدم في جمهورية افريقيا الوسطى".ولفت البرنامج في بيان له، انه "يهدف الى توسيع نطاق عمليات توزيع المواد الغذائية في افريقيا الوسطى لتشمل 1.25 مليون شخص خلال الأشهر الثمانية المقبلة في ظل تزايد أعداد النازحين وغيرهم ممن زعزع الصراع أمنهم الغذائي ، وطالب البيان الجهات الدولية المانحة "بالمسارعة في جمع 107 ملايين دولار لتغطية تكاليف عملياته الانسانية في افريقيا "، منبها الى "خطورة الوضع في ظل بدء نفاذ امدادات الغذاء مع بداية كانون الثاني المقبل ، وأشار البيان الى أن "البرنامج يقوم بتوزيع مساعداته من حصص الطعام على الجياع حيثما أمكنه ذلك في أنحاء افريقيا الوسطى"، موضحا أن "انعدام الأمن هو التحدي الأكبر الذي يوجه عملياته."

 وقد دعا الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون المجتمع الدولي لتوفير "المزيد من الاهتمام السياسي والموارد، والدعم" للأمم المتحدة فيما تواجه "فائضا من الصراعات والكوارث التي تزداد شدة وتوترا وتعقيدا" في جميع أنحاء العالم ، وقال في أول مؤتمر صحفي له خلال العام الجديد عقده بالمقر الدائم لاستعراض سياسته وأنشطته "إن الأوضاع في سوريا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى قد تدهورت من سيء إلى أسوأ على الرغم من إمكانية تجنب حدوث تلك المآسي"، وأكد بان أن الأمم المتحدة تفعل أقصى ما يمكن لتخفيف المعاناة وتوفير مواد الإغاثة المنقذة للحياة، وأن موظفي المنظمة الدولية يبدون شجاعة هائلة ومهنية في ظل ظروف متقلبة ، ودعا الامين العام  الى تعزيز بعثة حفظ السلام التي تقودها أفريقيا في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تشير التقديرات إلى مقتل الآف السكان، ونزوح ما يقرب من مليون مدني من ديارهم بسبب الصراع في جمهورية أفريقيا الوسطى وحاجة نحو 2.2 مليون شخص وهو ما يمثل نصف عدد السكان، إلى المساعدات الإنسانية.