تحل الذكرى الثامنة لاغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي ونجله المعتصم بالله، بعد قيام عناصر ميلشيات مسلحة بالقبض عليهما وهما على قيد الحياة صباح العشرين من أكتوبر 2011. 

واتهمت أطراف ليبية عدة، النظام القطري بالوقوف وراء جريمة الاغتيال من أجل ضمان دفن خزينة الأسرار التي كان القذافي يمتلكها حول الأدوار التخريبية لحلفائها السابقين، خصوصا وأن نظام الدوحة استولى كذلك على أرشيف الأمن الخارجي والمخابرات، وعلى الوثائق التي كانت موجودة بمقر القيادة الليبية في باب العزيزية، من خلال تعاونه مع الإرهابي عبد الحكيم بالحاج، زعيم ما يسمى بالجماعة المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة، والذي قدمته قطر على أنه فاتح طرابلس ورئيس مجلسها العسكري في أغسطس من العام ذاته. 

وأكدت مصادر ليبية أن النظام القطري كان يتظاهر بأنه حليف موثوق به لنظام القذافي ، ويقدم نفسه على أنه يعتنق الفكر القومي الناصري ، كما كانت قناة « الجزيرة » تلاحق تحركات القذافي في إفريقيا وتنقل خطبه مباشرة ، وتجري معه حوارات مطولة ، وتغطي مشروع « ليبيا الغد » لسيف الاسلام القذافي على أنه مشروع نموذجي في المنطقة العربية ، خصوصا في ظل إشراف دعاة مقربين من تنظيم الدوحة مثل يوسف القرضاوي وسليمان العودة وعلي الصلابي على ما سمي أنداك بالمراجعات الفكرية لعناصر إرهابية كانت داخل السجون الليبية ومن بينها عبد الحكيم بالحاج وخالد الشريف وعبد الوهاب القايد

وقال خالد كعيم ، آخر وزير دولة للخارجية ومتحدث باسم نظام القذافي قبل الإطاحة به ، أن العلاقة ساءت بين الجانبين بعد إن اكتشف القذافي  حقيقة الخطط التي يعدها نظام الدوحة ضد عدد من الدول العربية، وأن المشكلة الحقيقية انطلقت في أكتوبر 2010 عندما كان القطريون يسعون للزج بليبيا في مؤامراتها بالمنطقة، مشيرا الى ان تنظيم الحمدين كان آنذاك قد بدأ في وضع اللمسات الأخيرة على مشروعه للتغيير العنيف في البلاد العربية ، أو ما سمي لاحقا بثورات الربيع العربي التي تم الاعتماد فيها على تحالف الإخوان مع تنظيم القاعدة

وتابع كعيم  أن تنظيم الحمدين كان منذ العام 1996 لا يخفي عداءه المطلق للمملكة العربية السعودية ومصر ، وكان يعمل على الجر بليبيا في مشروعه ، ثم بدأ يتجه لاختراق دول المغرب العربي من خلال التحريض الإعلامي عبر قناة « الجزيرة » التي أطلقت ما يسمى ب« النشرة المغربية » من مكتبها في المغرب قبل أن تغلقه سلطات الرباط في أكتوبر 2010 ، كما نجحت ف اختراق تونس عبر الاستيلاء على شركة للاتصالات بالشراكة مع صخر الماطري ، صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي كان على صلة بإخوان تونس وفي مقدمتهم راشد الغنوشي ، وقد استقبلنا في ديسمبر 2010 رئيسي جهاز المخابرات الجزائري والمغربي ، لنكشف له حقيقة المؤامرة القطرية على بلديهما وعلى عموم دول المنطقة »

ومع بداية الأحداث في تونس كانت قطر قد أطلقت مشروعها للتغيير العنيف ، أو ما كان يسمى بالفوضى الخلاقة وفق نظرية كونداليرا رايس المعتمدة من قبل مراكز الدوحة البحثية ، وفي 12 يناير 2011 اتصل القذافي بأمير قطر آنذاك خليفة بن حمد داعيا اياه الى وقف الحملة التحريضية على نظام بن علي ، وبعد أقل من ساعة اتصل حمد بن جاسم ، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء وزير خارجية قطر بسيف الاسلام القذافي ، وقال له بالحرف الواحد « والدك يتحدث بلغة لم تعجب سمو الأمير ، وعليك أن تبلغك بأن دوره قادم » ، وبعد  تخلي الرئيس المصري حسني مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011 ، كانت التحضيرات قد بلغت أوجها لبث الفوضى في ليبيا

ونقلت مصادر المعارضة الليبية أن قطر وضعت خطة للإطاحة بنظام القذافي تعتمد بالأساس على تحريك الخلايا النائمة للإرهاب، وتسليح المعارضة، والتحريض الإعلامي والديني، وإعطاء الأحداث صبغة الثورة الإسلامية لضمان استقدام مقاتلين من دول الجوار

وتابعت أن انطلاق الأحداث في المنطقة الشرقية كان بالهجوم على ثكنات الأمن والجيش وسرقة الأسلحة من قبل عناصر كان أغلبها قد أفرج عنه سابقا ضمن صفقة المراجعات الفكرية، وفي 19 فبراير، روجت المخابرات القطرية أن القذافي فرّ الى فنزويلا، بهدف الدفع بالخلايا النائمة في طرابلس الى التحرك، كما كان هناك مخطط لتنظيم الحمدين باغتيال القذافي في تلك الليبية، إلا أنه فشل بعد التفطن الى تفاصيله، وبعد ظهور العقيد الراحل على شاشات التليفزيون ليعلن أنه لن يغادر بلاده.

وفي اليوم الموالي، القى القذافي خطابا توجه فيه الى القطريين بالقول «من أنتم، بارك الله فيكم يا إخواننا في قطر، ستندمون يوم لا ينفع الندم» إلا أن أبواق الدوحة، غيرت المعنى المقصود بالقول إن القذافي يخاطب شعبه بالقول «من أنتم»، وعندما قال القذافي إذا كان شعبي لا يحبني فأنا لا أستحق الحياة، كتبت «الجزيرة» على شاشتها «عاجل: القذافي يقول: الشعب الذي لا يحبني لا يستحق الحياة».

وفي 22 فبراير أصدر رئيس ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الإرهابي يوسف القرضاوي، فتوى بقتل القذافي، وهو ما تم تنفيذه لاحقا ولكن بعد ثمانية أشهر من الحرب التي قالت قطر أنها كلفتها ثلاث مليارات دولار

وقد أكدت أطراف ليبية عدة، أن تنظيم الحمدين هو من كان وراء تصفية القذافي في مشهد مريع، كانت «الجزيرة» أول من أعلن عنه، وتباهت بنشر صوره اللاإنسانية، في حين قال أمير قطر مهاتفا الإرهابي عبد الحكيم بالحاج: لقد انتهى القذافي، وأغفلنا ملفه، وانتصرنا في ليبيا، وهدفنا الآن هو الدولة الإسلامية الموحدة بين تونس ومصر وليبيا.

ووفق مصادر ليبية فإن المخابرات القطرية كانت وراء عرض جثة القذافي للعموم لمدة ثلاثة أيام، ثم دفنه في مكان مجهول حتى لا يتحول الى رمز لليبيين، مثلما حدث مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وقد اعتبر المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري أن اغتيال القذافي يعتبر جريمة حرب ارتكبها نظام الدوحة، ولا يمكن السكوت عليها، فيما أكدت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان، أن جريمة مقتل القذافي ونجله بعد أسرهما على قيد الحياة، والتنكيل بهما وقتلهما والتمثيل بجثتيهما بصورة وحشية، ودفنهما في مكان مجهول، جريمة حرب مكتملة الأركان، وانتهاك للقانون الدولي الإنساني ومعاهدات جنيف لأسرى الحروب والنزاعات المسلحة، وخارج أي منطق أو اعتبار لآدمية الإنسان.

وقالت إن عرض جثتي العقيد الراحل وابنه في فضاء مفتوح بمدينة مصراتة لمدة ثلاثة أيام، بشكل مناف لكل القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية، كونهما أسيري حرب في حالة نزاع مسلح، وتنطبق عليه قواعد التعامل مع أسرى الحرب التي نصت عليها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكولات المكملة لها، وما نص عليه القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بوضع الحماية لأسرى الحرب خلال النزاعات والحروب الدولية منها وغير الدولية.

كما طالبت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان، الأمانة العامة للأمم المتحدة، بتشكيل لجنة تحقيق دولية خاصة بجريمة قتل العقيد الراحل معمر القذافي، إذ إن هناك معلومات وتقارير تشير  إلى تورط قطر وأميرها السابق حمد بن خليفة آل ثاني في مقتل القذافي، بعدما أمر "حمد" قائد قواته الخاصة بالإجهاز عليه، نتيجة معلومات خطيرة كانت بحوزة الرئيس الليبي عن حكام دولة قطر ودورهم التخريبي ودعمهم لتنظيمات إرهابية ومتطرفة في النيجر وتشاد وأفغانستان والصومال، ومحاولاتهم إثارة الفوضى ودعم قوى المعارضة بالسعودية والبحرين وسوريا واليمن.

ومن جانبه، أبرز المعارض القطري البارز خالد الهيل، أن حمد بن خليفة تواطأ مع القذافي في ملفات عديدة، مشيرًا إلى أن كلًا من حمد بن خليفة وحمد بن جاسم تم فضحهما فيما يخص التسريبات مع القذافي، وعندما فُضِح أمرهما حاولا أن يتداركا الموضوع ولكن القذافي هددهما بأنه سينشر الكثير من الأمور خاصة بعد خيانة قطر له.

وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، اعلنت استياءها مما وصفته بصمت المحكمة الجنائية الدولية "حيال جريمة قتل القذافي ونجله المعتصم بعد أسرهما أحياء عام 2011".

وطالبت اللجنة المحكمة الجنائية الدولية فتح "تحقيق شامل في مقتل القذافي ونجله المعتصم بالله، باعتبار المحكمة الجنائية الدولية مسؤولة بشكل مباشر عن إصدار مذكرة التوقيف والملاحقة للقذافي، وتحديد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المتورطة والمسؤولة عن جريمة قتله وفي مقدمتها حكومتا قطر وفرنسا".

كما طالبت المنظمة الحقوقية الليبية أيضا "الأمانة العامة للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية بتشكيل لجنة تحقيق دولية خاصة بجريمة قتل القذافي ونجله، باعتبار هناك معلومات وتقارير مؤكدة حول دور دولتي قطر وفرنسا في تصفية القذافي، حتى يصمت نهائياً ولا يعترف بعدة أمور وأسرار تتعلق بقضايا دولية ذات حساسية معينة، في حال تقديمه للمحاكمة".

واتهم البيان أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني بأنه كان وراء مقتل القذافي، لافتا إلى وجود "معلومات تشير إلى تورط دولة قطر من خلال حمد بن خليفة آل ثاني في مقتل القذافي، بعدما أمر شخصيا قائد قواته الخاصة بالإجهاز عليه نتيجة لمعلومات خطيرة كانت بحوزة القذافي عن حكام دولة قطر ودورهم التخريبي ودعمهم لتنظيمات إرهابية ومتطرفة في النيجر وتشاد وأفغانستان والصومال ومحاولاتهم إثارة الفوضى ودعم قوى المعارضة بالمملكة العربية السعودية والبحرين وسوريا واليمن".

وذكرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أيضا أن "القذافي قتل من قبل وكيل المخابرات الفرنسية، بناء على أوامر مباشرة من الرئيس السابق الفرنسي نيكولا ساركوزي، وذلك من أجل إخفاء معلومات وأسرار بحوزة القذافي من بينها الدعم المالي للرئيس الفرنسي السابق ساركوزي في الانتخابات الرئاسية وكذلك الصراع الاستثماري والاقتصادي في إفريقيا".

ويرى المراقبون أن جريمة اغتيال القذافي تدخل في إطار سياسات الدوحة المبنية على الغدر وقتل الحلفاء عندما يتعارض وجودهم مع مصالحها ، لافتين الى نظام الدوحة متورط عبر أدواته في اغتيال عشرات الناشطين الليبيين الذين  كانوا يظهرون صباح مساء على شاشة « الجزيرة » مثل اللواء عبد الفتاح يونس والناشطين عبد السلام المسماري وسلوى بوقعيقيص ، وذلك بعد أن تبين لها أنهم يمثلون خطرا على مشروعها الإخواني في المنطقة ، وقد سبق أن فعلت ذلك مع قيادات فلسطينية من بينها القيادي في كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، أحمد الجعبري، وعدد من قادة المعارضة السورية ، وغيرها. 

ويشير المراقبون الى أن التصفية الجسدية ميزة للجماعات المرتبطة بنظام الدوحة، وهو ما تؤكده الاغتيالات التي عرفتها تونس ومصر وليبيا والصومال وقطاع غزة وسوريا وغيرها، وأن تلك الجماعات لا تتحرك دون ضوء أخضر من تنظيم الحمدين.