ليس سهلا أن يدخل الإنسان قلوب النّاس إلا إذا كان قلبه كبيرا ونفسه كريمة، وليس سهلا أن يجتمع فيك الصدق والأمانة وحب الخير لتكون محبوبا وكاسب دعاء الملايين. هذه الصفات اجتمعت في شخصية غيث عبر برنامجه الإنساني "قلبي اطمأن" الذي يُبثّ على فضائية أبوظبي في كل شهر رمضان، ليصبح حديث النّاس رضى واستحسانا، واعترافا من الجميع بأنه لمس كل عاطفة فينا، إلا ممن كان في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. لم يبحث الشاب عن شهرة كان سهلا عليه نيلها ولم يعرف أحد من هو إلى اليوم، لكن الشارع العربي أصبح ينتظر متى يظهر وأي الأماكن التي زار.

منذ ثلاث سنوات ومع بداية كل رمضان يظهر "غيث"، لا أحد يعرفه ولا هو يريد ذلك، من المؤكد أن الاختيار أن يكون كل شيء مخفيا إيمانا بأن الصدقات ومساعدة الفقراء ليست تجارة ولا مماراة ولا وسيلة للكسب الذاتي والجماعي. ويبدو واضحا أن الهدف من بدايته نبيل للناس وليس لمن يساعد أو يتصدّق ولذلك اختار العاملون تعديل الصوت وإخفاء وجه غيث، فزاد رضى الناس عنه واكتسب ثقتهم.

ما يقوم به غيث الإماراتي، هكذا يعرّف نفسه، يعتبر استثناء في العمل الإنساني . شاب يعيش بوجه مخفي لثلاث سنوات يتجول بين أكثر مناطق الفقر في الوطن العربي والعالم الإسلامي ليزرع البسمة على وجوه الفقراء، وليزيح عنهم جراحا حملوها لعشرات السنين. من المؤكّد أن في البرنامج تحضيرا كبيرا في مستوى الاتصال والصورة والمكان، لكن إصافة إلى ذلك وُجِد الهدف الإنساني النبيل الذي فيه سعي لفعل الخير للمحتاج عبر إمكانيات تبدو كبيرة للهلال الأحمر الإماراتي.

قبل ثلاث سنوات بدأ "قلبي اطمأن". الاجتهاد كان واضحا في العنوان كما في الموسيقى ليخرج البرنامج كما أريد له عند الناس. من اليمن شرقا إلى المغرب العربي غربا إلى أوغندا والسودان جنوبا، سافر غيث حاملا معه "غيثا" للفقراء الذين أنهكهم المرض وأتعبتهم الحاجة. لا أحد منهم كان يتصوّر في لحظة أن يصبح حلمه حقيقة لكن ذلك تحقق بفضل "غيث" الذي قد يكون استعارةً لمعنى أكثر منه تعبيرةً لاسم.

خلال ثلاث سنوات سافر غيث نحو مدن كثيرة بحلم إغاثة 10 ألاف يتيم ممن يعانون من المرض، وومن ضاعوا في مناطق الفقر واللجوء، وممن حرمتهم الظروف من الدراسة، فنجح في ذلك تاركا البسمة في وجه كل من زاره. بإخراج جميل وبحِكمٍ طيبة خرج البرنامج للناس حاملا رسالة بأن لا يأس دائم. الرحمة والزرق وفعل الخير صفات لا تنقطع، والمؤمن الصادق بأن لحظة الفرج  آتية غالبا ما تأتيه مهما كانت درجاتها.

ربما لم يكن العاملون في "قلبي اطمأن" يتصوّرون نجاحا بهذا الحجم، لكن عندما تحضر النوايا الصادقة، وعندما تتوفر إمكانيات المساعدة، وعندما يتمكن برنامج تلفزيوني إنساني في تحقيق أحلام ألاف المحتاجين، وقتها يمكن الحديث عن النجاح، لكنه بالأساس نجاح إنساني قبل أي نجاح آخر، ووقتها يمكن أن يكون غيث مفتخرا بما يقوم به، باعتباره كسب قلوب الناس وحقق لهم أحلاما لم يتصوروا يوما أن تتحقق لهم.

غيث هو اليوم وجه الكرماء في هذا العالم. لا شيء يمنع الإنسان القادر على أن يساعد مثله، الفرق فقط فيما يمليه عليه ضميره وقلبه.ملايين البشر في عالمنا قادرون على المساعدة وكثيرون مثل غيث يقومون بذلك، لكن في المقابل كثيرين منهم لا يرون المساعدة إلا بوجوه مكشوفة للتباهي بين الناس ولكسب مكانة ما كانوا ليحصلوا عليها لو كانوا بوجوه مخفية.