قبل زهاء سنة من الآن طرح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة خطة أممية للحل في ليبيا، خلال جلسة للأمم المتحدة بشأن الملف الليبي، والتي اعتمدت على ثلاث مراحل تبدأ بتعديل الاتفاق السياسي الذي لم ينجح في تحقيق أهدافه التي وقع من أجلها في منطقة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، وتعتمد المرحلة الأولى على المادة 12 من الاتفاق السياسي، فيما تتطلب المرحلة الثانية عمل مجلس النواب وهيئة صياغة مشروع الدستور بصورة متوازية، وإيلاء مجلس النواب الأولوية لإصدار تشريع لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية، وستكون الفرصة متاحة أمام هيئة صياغة الدستور لمراجعة وتنقيح عملها، وفتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم، وأولئك الذين همشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية.

ويتطلب الأمر كذلك من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن تستعد لهذه الأحداث الانتخابية، وإقامة حوار مع الجماعات المسلحة بهدف إدماج أفرادها في العملية السياسية والحياة المدنية، وأن تكون هناك مبادرة لتوحيد الجيش  الليبي، واستمرار جهود المصالحة المحلية وتكثيفها، واتخاد إجراءات حاسمة لمعالجة قضية النازحين داخليا.

وتختتم الخطة بمرحلتها الثالثة والتي تتم خلال سنة تصل فيها العملية السياسية إلى مراحلها الأخيرة، وتشمل إجراء استفتاء للاعتماد الدستوري، ويلي ذلك وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، ويكون نهاية المرحلة الانتقالية، لتصل إلى الوضع النهائي والدائم.

ومنذ ذلك التاريخ ارتفع سقف الطموحات واسبشر الكثير من الليبيين بأن تحقق هذه الخطة النجاح وتصل بالبلاد التي تعصف بها المشاكل طيلة سبع سنوات، لاسيما لما لاقته هذه الخطة من ترحيب من الأطراف المنظومة الدولية بقيادة الدول الكبرى، وكذا الأطراف المحلية بما في ذلك من هم خارج اللعبة السياسية، باعتبار الخطة تناولت للمرة الأولى وبشكل رسمي مطالبة المنظومة الدولية بضرورة مشاركة "الجميع" بما فيهم الذين همشوا تحت ذرائع ودعاوى مختلفة.

وخلال كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب، قبيل القمة العربية التي عقدت في العاصمة السعوية الرياض كشف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عن بعض العراقيل عند سرده لما تحقق من الخطة الأممية، وكان من أهم هذه المشاكل إلى جانب التعديلات المطلوبة هو تواجد المجموعات المسلحة غير المنضبطة، حيث أكد أن هناك نتائج إجابية تحققت وأخرى سلبية تعترض تطبيق الخطة، عندما قال، «تسير في الطريق التي يجب أن تسير عليها، ولكن بالتأكيد ليس بالسرعة التي كنت أتمناها، لأن بعض الليبيين لديهم فكر خلاق في وضع العراقيل أحياناً أمام العجلات التي يجب أن تسير عليها هذه الخطة»، وأردف سلامة قائلا: «لو كنت متشائماً لقلت إن هناك ما زال في ليبيا نحو 20 مليون قطعة سلاح في أيدي الناس، ولقلت إن دولتين تمكنتا مؤخراً من وضع اليد على باخرتين تنقلان سلاحاً جديداً إلى ليبيا التي لا تحتاج لا إلى ذخيرة ولا إلى مفرقعات ولا إلى صواريخ إضافية».

 واعتبر سلامة، أن تواجد التشكيلات المسلحة يعد عائق أساسي أمام نجاح الخطة الأممية والعملية السياسية برمتها، قال في كلمته «بدأنا حواراً موسعاً في البعثة مع مختلف التشكيلات المسلحة في ليبيا، ونحاول معهم بحث الشروط والسبل الكفيلة بانتقالهم أو بعودتهم إلى الحياة المدنية» مضيفا «إجراء انتخابات دون أن تتدخل هذه التشكيلات المسلحة بها، ليس الأمر بالسهولة التي يعتقدها البعض، ولكن استعداد مختلف قادة هذه التشكيلات للدخول في هذا الحوار مع البعثة أمر جيد حيث دخلنا في عملية وضع استراتيجية لمحاولة إعادة احتكار السلاح في أيدي الدولة فحسب، من خلال إعادتهم التدريجية إلى الحياة المدنية أو انخراطهم في المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية، وآمل أن نتمكن من طرح هذه الاستراتيجية على مجلس الأمن الدولي».

اليوم بعد تدخل عدة أطراف دولية ومحلية نادت بضرورة تأجيل الانتخابات بدعوى أن البلاد غير مستعدة للإيفاء باستحقاقها، وضرورة العمل على استصدار قانون الاستفتاء على الدستور واعتماده قبل العملية الانتخابية، بدأت العراقيل تتوالى منها ما اعتمد على إعاقة التوصل إلى قانون للاستفتاء على الدستور، بتعطيل عقد جلسات مجلس النواب بشكل متتال، ومنها ما اعتمد على الأعمال التخريبية والإرهابية والقتالية، ولعل أبرز هذه الأعمال الاعتداء الانتحاري على المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وما تلا ذلك من أحداث في عدة مدن ومناطق من البلاد، إلا أن أخطر هذه الأعمال هو ما شهدته العاصمة طرابلس خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس المنصرم، والتي تم خلالها الهجوم من قبل اللواء السابع على التشكيلات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس بدعوى تحرير العاصمة منها، والتي ابتدأت في 26 أغسطس واستمرت حتى الرابع من سبتمبر قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا برئاسة غسان سلامة، وبمشاركة وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق عبدالسلام عاشور، ومندوبين عن وزارة الحكم المحلي، وممثلين للأطراف المتصارعة، وذلك خلال الاجتماع الذي عقد بمدينة الزاوية (40كم غرب طرابلس).

وعلى الرغم من توقيع كل الأطراف المشاركة في اللقاء على اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الاشتباكات عادت من جديد بعد اختراقها من قبل قوات هاجمت تمركزات للواء السابع ما اضطره للرد عليها، وهذا ما يدعم الرأي الذي يذهب باتجاه أن قوى دولية ومحلية تقف وراء إثارة الاضطرابات للحيلولة دون نجاح العملية السياسية، وذلك باستغلال هشاشة الوضع الأمني الذي يرى مؤيدو إجراء العملية الانتخابية في مواعيدها المحددة أنه يحتاج إلى المعالجة بدلا من وضعه كحجة لإفشال العملية السياسية.

ويتفق العديد من المحللين والمراقبين بأن العملية السياسية في ليبيا بما في ذلك الخطة الأممية غير واضحة الملامح، ولم تضع النقاط التنفيذية والإجرائية في تهيأة الظروف الموضوعية للنجاح، ويبقى نجاحها رهين رضى المجموعات المسلحة عن نتائجها التي ستفضي إليها إذا ما تمت، هذا دون إهمال إنضباطها ومساهمتها في استتباب الأمن لإجراء العملية الانتخابية في ظروف تسمح للمقترعين بالأدلاء بأصواتهم بحرية بعيدا عن أي ضغوطات أو توجيه.

في الوقت الذي بينت الاشتباكات الأخيرة في العاصمة طرابلس اصطفافات محلية وراء المجموعات المتصارعة على اختلاف مشاربها، أظهرت أيضا تباينا وتبادل اتهامات في الأطراف الدولية متضاربة المصالح في ليبيا على الرغم من اشتراك أربع من أهم الدول في إصدار بيان موحد حول الأحداث، تمثلت في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، إلا أن الأخيرتين تباينت أدوارهم على أرض الواقع تماشيا مع وجهتي نظرهما في العملية السياسية، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جديد تصميمه على الدفع قدمًا بالاتفاق الذي أبرم بين مختلف الأطراف الليبية في مايو الماضي في باريس، والذي ينصّ ضمن نصوصه الرئيسية على إجراء انتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية العام الجاري.

وبين تقرير أعدته فيديريكا سايني فاسانوتي من معهد بروكينغز في واشنطن أن الفصائل المسلحة تولّت السلطة في ليبيا من دون أن تتمكن أية مؤسسة رسمية من الوقوف بوجهها بل أن السلطات قامت بمنح هذه الفصائل الشرعية، وهي بذلك أعطتها القدرة على التفوق على الجميع بما في ذلك القوات التي يفترض أن تكون تابعة لوزارات حكومة الوفاق والتي يجب أن تفرض السيطرة على أرض الواقع، ولكنها فعليا أضعف من أن تكون مسؤولة عن هذه المجموعات.

من خلال هذه المعطيات التي قد لا تكون واضحة الملامح، من الصعوبة الاعتماد عليها للتنبؤ بمستقبل العملية السياسية يبقى مستقبل البلاد بأسرها رهن توجهات هذه المجموعات المسلحة، والتجاذبات السياسية المحلية، وتضارب المصالح للدول الكبرى والإقليمية والصغرى أيضا.