أثارت استقالة حمادي الجبالي، الأمين العام السابق لحركة النهضة الإسلامية ورئيس أول حكومة شكلتها الترويكا، الكثير من التعاليق وسط شبه إجماع من المحللين على أنها ضربة قاصمة للتنظيم الإخواني في تونس، وتوقعوا أن تتلوها استقالات أخرى من الوزن الثقيل.

وانضم إلى نقاش نتائج هذه الاستقالة عن الحركة قياديون سابقون أو حاليون في التنظيم الإسلامي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، معترفين أن الاستقالة علامة حمراء في وجه الحركة وإيذان بأنها لا تقدر أن تبقى في ما هي عليه الآن من وحدة.

وفي تعليقه على الاستقالة، قال رياض الشعيبي القيادي المستقيل في تصريح لـ”العرب” إن الاستقالة جاءت متأخرة بعض الشيء، لافتا إلى أنها كانت أمرا واقعا منذ مدة طويلة لكنها تحولت إلى حقيقة يوم الإعلان عنها بصفة قاطعة يوم الخميس.

وأفاد الشعيبي أنه واضح من خلال نص الاستقالة أن الجبالي يختلف عن النهج السياسي للحركة، لكنه طالبه بـ”تقديم نقد ذاتي لمعرفة مواقفه الحقيقة ورؤيته الجديدة خاصة وأنه كان جزءا من السياسات التي اتخذتها الحركة في الفترة الماضية وهي رؤية سارية المفعول حتى الآن”.

وكان رياض الشعيبي قدم استقالته منذ سنة تقريبا احتجاجا على سياسات حركة النهضة وعلى غياب الممارسة الديمقراطية داخلها، ثم أسس حزبا جديدا جمع فيه عددا لا بأس به من الغاضبين الذين غادروا النهضة احتجاجا على سيطرة لوبي مقرب من رئيس الحركة راشد الغنوشي.

واعتبر قياديون وعناصر ناشطة سابقا في التنظيم أن الحركة تأكل أبناءها الواحد تلو الآخر، وأن من يقدم قراءة مغايرة لخط القيادة الرسمي تتم محاصرته ودفعه إلى الاستقالة ثم مقاطعته حتى لا يتبعه آخرون.

ونوه هؤلاء إلى أن الحديث الذي يردده قياديون حاليون في النهضة عن أن المؤسسات تسير الأمور بشكل ديمقراطي ليس سوى كذبة كبرى، لأن الخط المسيطر على التنظيم مرتبط مباشرة برئيس الحركة وهو من يضع مختلف القرارات والسياسات الكبرى والتفصيلية.

وفي سياق ردود الفعل، أكد الهادي بريك عضو مجلس الشورى والمسؤول عن قسم المهجر في التنظيم أن استقالة الجبالي علامة حمراء في وجه الحركة، فإما أن تتداعى إلى وقفة تقويمية جدية، على حد تعبيره، وإما أن تتجاهل خروج الرجل وترك السفينة تغرق شيئا فشيئا.

وأضاف بريك في رسالة منشورة على حسابه في فيسبوك أن خروج الجبالي “سيكون له ما بعده لأن الصف الداخلي للحركة مهيأ للتصدع فعلا في هذه الأيام (…) خروجه سيحدث شرخا كبيرا بل ربما يتبعه غيره لسبب أو لآخر”.

وفي أول رد فعل للنهضة على زلزال استقالة الجبالي أكّد القيادي العجمي الوريمي في تصريح لـ”العرب”، أنّ الحركة تأسف لهذا الإعلان مبينا أنه لم يتم تناول الموضوع رسميا إلى حد الآن، في انتظار موقف مجلس الشورى.

وكشف الوريمي أنه شخصيا يشعر بالحزن لهذا القرار، مشددا على أن حركة النهضة متمسكة بالجبالي وستعمل على أن يستعيد موقعه داخل النهضة.

وكان الجبالي عزا قراره بالاستقالة إلى اختلاف في الرؤية بينه وبين توجهات الحركة، وسط تسريبات تقول إنه عارض قرار “الحياد البارد” الذي اعتمدته الحركة تجاه الانتخابات الرئاسية.

وقال في رسالة استقالته “حتى لا أحمل غيري مسؤولية مواقفي، وفي المقابل حتى لا أتحمل تبعات قرارات وخيارات تنظيمية تسييرية وأخرى سياسية استراتيجية لتموقع الحركة في المجتمع، حيث لم أعد أجد نفسي في هذه الخيارات”.

واعتبر مراقبون أن استقالة الجبالي كشفت أن الوفاق داخل الحركة وفاق مغشوش، وأن هزيمتها في الانتخابات التشريعية ستقود إلى أزمة كبرى، متوقعين أن تتلو استقالة الأمين العام السابق استقالات أخرى في صفوف القيادات التاريخية التي تم تهميشها لفائدة قيادات تنظيمية صاعدة كثير منها بلا تاريخ في الحركة.

ولفت المراقبون إلى أن كثيرين التحقوا بالتنظيم بعد فوزه في انتخابات 2011 وكانوا يمنون النفس بفوز في انتخابات 2014 ليحصلوا على مواقع في الدولة، لكن خسارة النهضة وبقاءها خارج الحكومة سيدفع هؤلاء إلى الانسحاب والبحث عن موقع مع الحزب الذي سيشكل الحكومة الجديدة.

وتوقع هؤلاء أن تخرج الخلافات الداخلية إلى العلن في ظل حديث عن سيطرة جماعة الجنوب وخاصة العائدين من الخارج على مؤسسات الحركة، واكتفاء جماعة الوسط والساحل (ومنهم الجبالي) بأدوار ثانوية.

*نقلا عن العرب اللندنية