عدا الثروة النفطية الهائلة في ليبيا،هناك ثروات أخرى ومن أبرزها الآثار،حيث تمتلك ليبيا، تلك البلاد المترامية الأطراف والمتنوعة فى جغرافيتها ومناخها وموقعها الاستراتيجى، مخزونا وتراثا هائلا وفريدا من الآثار، التى خلفتها الحضارات والثقافات، التى تعاقبت عليها منذ ماقبل التاريخ،لكن سنوات الفوضى التي اعقبت اندلاع الأزمة في العام 2011 جعلت هذه الثروة في مرمى أخطار كبيرة أبرزها السرقة والتدمير.

وبالرغم من حالة الصراع السياسي والعسكري الذي تعيشه ليبيا مؤخرا في ظل الرب الدائرة في العاصمة الليبية طرابلس من الرابع من أبريل/نيسان الماضي،فان جهود استعادة الآثار الليبية المنهوبة تتواصل حيث نجحت ليبيا، الخميس،في استعادة مجموعة من القطع الأثرية، التي وصفت بأنها مهمة، كانت مهربة إلى دولة إيطاليا، في سابقة وصفت بأنها الأولى من نوعها.

وجرت عملية التسليم في مقر السفارة الليبية بإيطاليا،الخميس، بحضور رئيس مصلحة الآثار الليبية، الدكتور أحمد حسين، وتتضمن القطع مجموعة من الأواني الفخارية، وأسهما تعود لعصور ما قبل التاريخ. وقالت السفارة الليبية في بيان،"إن هذه القطع المهمة، بداية لإعادة قطع أكثر أهمية سبق وتم تهريبها خارج البلاد".

وقال السفير الليبي لدى روما عمر الترهوني، "إنه وفريق العمل بالسفارة سيستمرون في التعاون مع مصلحة الآثار الليبية في تنفيذ عملها وتقديم كل التسهيلات في محاولة إعادة ما تم تهريبه من ليبيا من آثار تاريخية إلى موطنها الأصلي".

ويأتي هذا العمل كثمرة لجهود عمل مصلحة الأثار التي تتابع وتحصر وتبحث منذ فترة طويلة عن هذه القطع الأثرية المهربة سواء في إيطاليا وغيرها من الدول.ففي أبريل الماضي،تقدمت مصلحة اﻷثار بالعاصمة طرابلس بإفادة عن عملية بيع تمثال رخامي غير شرعية بمعرض أفروديت بالولايات المتحدة الأمريكية.

و بناء على ذلك باشرت وزارة الخارجية اجراءاتها بالإتصال مع السفارة الليبية في واشنطن وبعثة ليبيا لدى الأمم المتحدة وطلب إليهم التواصل مع الجهات المعنية وإبطال عملية البيع ،و قد تكللت تلك الجهود بإيقاف عملية البيع لمدة شهر حتى تتم الإجراءات المتخذة بالخصوص ،بإعتبار إنها قطعة أثرية تم تهريبها بطريقة غير شرعية.

فخلال السنوات الماضية وجدت الآثار الليبية طريقها للأسواق العالمية، وبعضها وصل إلى دور المزادات فى آسيا وأوروبا.ففي أكتوبر 2016،نقلت صحيفة ذي ديلي بيست الأمريكية عن عالم الآثار الفرنسي، مورغان بلزيغ، قوله إن هناك عمليات اتّجار بالقطع الأثرية في ليبيا، يديرها رجال العصابات والجهاديون وسرّاق القبور الأثرية، وتصل إلى المعارض الفنية في باريس ونيويورك، وذلك بعد تحقيق أجراه بلزيغ عن سرقة الآثار من ليبيا خاصة من مدينة شحات.

ومازاد الأمر تعقيدا بالنسبة للتراث الأثرى فى ليبيا أن الآثار والتراث أصبح فى مرمى المتشددين والمتطرفين والإرهابيين،ففي تقرير لها،كشفت جريدة "لا ستامبا" الإيطالية،أن عصابات المافيا الإيطالية تُقدم السلاح لمقاتلي تنظيم داعش في ليبيا مقابل الحصول على الآثار المنهوبة والمهربة، فيما تقوم هذه العصابات بإعادة بيع الآثار التي لا تُقدر بثمن إلى متخصصين وهواة في آسيا وروسيا.وقالت الصحيفة إن عصابات المافيا الإيطالية تحصل مقابل السلاح على آثار يونانية ورومانية من مقاتلي داعش تمكنوا من سرقتها أو السطو عليها خلال المعارك التي يخوضونها في ليبيا.

وتعمل مصلحة الآثار على استعادة الآثار وفق الأنظمة والاتفاقيات الدولية سواء داخل البلاد أو خارجها.كما تعمل المصلحة على إدارة وحفظ وصيانة المواقع الأثرية والمتاحف والمخازن والإشراف على التنقيب للمواقع الأثرية وإعداد البحوث العملية والتقارير المتعلقة بالموروث الثقافي الليبي.

وبالتزامن مع جهود استعادة الآثار المهربة،تتواصل المساعي نحو ترميم المواقع الأثرية وحمايتها.حيث عقد منتصف الأسبوع الماضي،في العاصمة الايطالية روما –برعاية السفارة الليبية لدى ايطاليا – الملتقي الأول بين مصلحة الآثار الليبية والبعثات الآثرية الايطالية من المختصين فى مجال الآثار.وتمحور اللقاء حول كيفية البدء فى ترميم المدن الأثرية الرئيسية في ليبيا،لبدة وصبراتة وشحات. 

ووفق بيان للسفارة الليبية في إيطاليا فمن المتوقع بدء خطوات الترميم فى القريب العاجل، بالتنسيق بين الطرفين.وأوضح البيان أن الجانب الإيطالي سيتكفل بتدريب الكوادر الليبية الشابة المهتمة بمجال الآثار والإرث، للرفع من كفاءتهم، كما تم الاتفاق على تبادل الأرشيف ودعم المصلحة في بناء أرشيفها المركزي.

وفي ليبيا خمسة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) من بينها آثار لبدة الكبرى وصبراتة التي تشتهر بمسارحها الرومانية.وقد أدرجت المواقع اليبية على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في تموز/يوليو 2016 بسبب الأضرار التي لحقت  بها والتهديدات الكثيرة المحيطة بها. وأشارت إلى أن ليبيا لا تزال تعاني من عدم الاستقرار وأن الجماعات المسلحة متواجدة في هذه المواقع أو على مسافة قريبة جدا.

ولم يكتفي المخربون بالسرقة والنهب بل دمروا حضارة وطمسوا هوية بلد بأكملها، حيث تعرضت بقايا كنيسة أثرية من العهد البيزنطى قرب البيضاء لتدمير تام فى فبراير 2011 من قبل أشخاص أرادوا الاستيلاء على الأرض المقامة عليها.ولم تسلم المساجد والمقابر والزاوايا الصوفية التاريخية من الإعتداء والتدمير، مثل جريمة تدمير مقابر زويلة التاريخية السبعة التى تعد من المعالم الأثرية المهمة فى جنوب شرق ليبيا.

وتشهد الغابات والأماكن الأثرية والسياحية في ليبيا تشهد عمليات اعتداء وتشويه كبيرة من قبل بعض المواطنين.والأسبوع الماضي،ناقش وزير الزراعة في الحكومة الليبية المؤقتة حسن الزيداني   التعديات والمخاطر التي تتعرض لها الغابات والمواقع الأثرية والسياحية والطبيعية.واستعرض الزيداني خلال اجتماعه مع رئيس مصلحة الآثار الليبية أحمد حسين، ورئيس هيئة السياحة أحمد سقاوة والمدير التنفيذي للهيئة العامة للبيئة فايز امنيسي تهديد البيئة وذلك بوضع برامج وخطة عمل مشتركة.

وبحث المجتمعون في مقر مصلحة الآثار معالجة المشاكل التي تواجه الأجهزة الضبطية المتخصصة مثل جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار والشرطة الزراعية وحرس الغابات لتفعيل دورها وتذليل الصعاب التي تواجهها.وأكد المجتمعون على ضرورة تشكيل فريق إعلامي توعوي مشترك على أن يقوم هذا الفريق بتقديم مقترح شامل يطرح في الاجتماع المقبل.

وتخسر ليبيا الكثير جراء انعدام السياحة بسبب الأوضاع الأمنية المتردية.ففي نوفمبر 2017 أظهر تقرير إعلامي أنه كان من الممكن أن تصبح الآثار الحجرية والرخامية في مدينة لبدة الكبرى التاريخية على الساحل الليبي، مقصداً لآلاف السياح وعشاق التاريخ والحضارة لولا أن النزاعات المسلحة جعلت المنطقة التي تعد واحدة من أعظم المدن الرومانية القديمة على البحر المتوسط معزولة إلى حد كبير عن العالم الخارجي.

ولبدة، أو كما تسمى "لبدة الكبرى"، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، عند مصب وادي لبدة، الذي يحتضن مرفأ طبيعيا، يقع على بعد ثلاثة كيلومترات شرقي مدينة الخمس.وصنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) هذه المدينة الزاخرة بالمباني الأثرية، عام 1982، ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.

ولأن الحراس لا يحصلون على رواتبهم في لبدة، تركوا تقريباً المنطقة للسكان المحليين ليقوموا بحمايتها، لكن بعض السكان من الممكن أن يكون لهم من الآثار مآرب أخرى غير حمايتها.ويقول السكان المحليون إن السياح الأجانب كانوا يترددون إلى المكان قبل العام 2011 لكن الزيارات توقفت مع تدهور الوضع الأمني، إذ تسببت الصراعات بوجود حكومات متنافسة، وهذا ما عرقل جهود الصيانة المحلية والدولية.

وعلى وقع الانقسامات والصراعات بين الفرقاء،تهدر ثروات ليبيا على يد العصابات والمليشيات التي تستغل غياب سلطة الدولة.وتبقى الآثار الليبية في مرمى التخريب والنهب، ونيران الأسلحة التي تطال مواقعها، الأمر الذي يشكل هاجسا مستمرا للجهات الحكومية، في وضع خطط للحماية أو اتفاقيات دولية تحمي هذه المواقع، وهو تحدي يبدو بحسب المراقبين بعيد المنال في ظل الفوضى والانقسام وغياب سلطة موحدة قادرة على حماية ثروات البلاد