تعتبر السينما واحداً من المكونات الأساسية والوسائل التي تشكل وجدان الشعب، وتعبر عن همومه ومشاكله، إلى جانب الدور الترفيهي والتثقيفي الذي تقوم به، وفي شكل خاص في مجتمعات الدول النامية. من هذا المنطلق صدر كتاب «اتجاهات الإنتاج السينمائي... من ثورة يوليو حتى ثورة يناير» للناقد السينمائي الدكتور ياقوت الديب، ضمن سلسلة «آفاق السينما» التي تصدرها «الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية» (252 صفحة).

يقول الدكتور الديب في مقدمة كتابه إن الانطباع الأول عن السينما المصرية، يولد لدينا إحساساً بأن هذه السينما عكست صورة الواقع الاجتماعي والسياسي المصري وتناولت بطريقة رصينة وجادة، قضاياه الحيوية المتمثلة في الفقر ومشكلات المهمشين في المجتمع ومشكلات المرأة وقضايا الشباب ومشكلات الإسكان وقضايا المخدرات وقضايا الشرف وقضية الانجاب ومشكلات الأسرة وقضايا الاقطاع وفساد القطاع العام والتطرف الديني. وهكذا نرى أن السينما المصرية تناولت العديد من قضايا المجتمع المصري الاجتماعية وأيضاً العديد من القضايا السياسية التي شهدها المجتمع على طول تاريخه المعاصر منذ فترة ما قبل ثورة تموز (يوليو) عام 1952 وحتى ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، تلك القضايا التي تنوعت موضوعاتها متراوحة بين الإحتلال الأجنبي والإستعمار، الأحزاب السياسية وقضية الديموقراطية، البوليس السياسي والمباحث العامة وأمن الدولة، التعبير عن الرأي وحرية الابداع، مراكز القوى، الجاسوسية والتخابر مع الجهات الأجنبية، النقابات العمالية والمهنية، ممارسة الحقوق السياسية، وقضية حق المواطنة وحرية العقيدة... وغيرها من القضايا التي تتصدى لها السلطة الحاكمة إما بالحل أو بالمواجهة مع خصومها، وفق أيديولوجيتها ومصالحها، بغض النظر عن نتائج الصدام بينها وبين الجماهير التي تدافع عن حقوقها ومطالبها المشروعة.

وقياساً على ذلك يمكن القول إن السينما المصرية خلال الفترة الزمنية المذكورة شهدت العديد من الظواهر السينمائية، الإيجابية والسلبية، خلال حقب حكم جمال عبدالناصر وأنور السادات، وحسني مبارك.

ويضيف الديب: «نجد مثلاً أن الظواهر السينمائية في عهد جمال عبدالناصر قد تمثلت في انتشار ظاهرة الأفلام التي تنتقد أوضاع ما قبل ثورة 1952 وظاهرة الأفلام التي تؤيد الثورة وتمجد الحقبة الناصرية وصولاً الى ظاهرة سينما القطاع العام (1963 -1971). أما الظواهر السينمائية في عهد أنور السادات فتمثلت في انتشار ظاهرة أفلام مراكز القوى وظاهرة أفلام حرب أكتوبر وظاهرة أفلام المقاولات. بينما تمثلت الظواهر السينمائية في عهد حسني مبارك في ظاهرة الواقعية الجديدة في السينما المصرية وظاهرة أفلام الفتوات والأفلام المستقلة».

ويفسر الكاتب أنه في ما يتعلق بالظواهر السينمائية التي واكبت الحقب التاريخية الثلاث (عبد الناصر – السادات – ومبارك) نجد بعضاً من الظواهر التي تستدعي الوقوف أمامها طويلاً حيث إنها جاءت بمثابة الابن الشرعي للمناخ السياسي السائد، وانعكاساً لمدى نظرة السلطة الحاكمة للسينما ودورها في المجتمع، كما أنها تعكس الذوق العام السائد لدى الجمهور وكذلك تعكس الوضع المادي لجهات الإنتاج السينمائي، والأهم من هذا وذاك متطلبات السوقين الداخلية والخارجية.

ويكمل الكاتب مفسراً انه لا شك في أن حقب الحكم الثلاث «شهدت العديد من الظواهر السينمائية التي تميز كل منها بمعالم واضحة ظهرت في الأفلام، التي تنسب لهذه الظاهرة أو تلك، والتي أفرزت الكثير من الأفلام ذات الصبغة النوعية المتقاربة الأبعاد والأشكال، والتي تشكل في مجموعها موجة أو حركة سينمائية جديدة، كتلك التي شهدتها السينما في العديد من الدول ذات التاريخ المعتبر في السينما، والتي تنوع فيها الإنتاج السينمائي تنوعاً ملحوظاً، بحكم الخبرة والممارسة الطويلة لصناع السينما فيها». ويعدّد الكاتب هنا على سبيل المثال لا الحصر: حركة الواقعية الجديدة في إيطاليا، سينما الموجة الجديدة في فرنسا، السينما التعبيرية في ألمانيا، الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، السينما التركية الجديدة وغيرها من الظواهر في الكثير من الدول. ويشير إلى أنه في مصر يمكن رصد مثل هذه الظواهر، وفي شكل خاص تلك التي برزت على الساحة السينمائية خلال فترات حكم عبدالناصر والسادات ومبارك، ومنها ظاهرة سينما القطاع العام في عهد عبدالناصر، وظاهرة أفلام مراكز القوى في فترة حكم السادات، وظاهرة أفلام الواقعية الجديدة، وغير ذلك من الظواهر، بكل ما صاحبها من إيجابيات وسلبيات.

ويخلص الدكتور ياقوت الديب إلى أنه من استعراض اتجاهات الإنتاج السينمائي في مصر فإن حال السينما المصرية ستبدو كحال أي سينما كبيرة في العالم لم يقف إنتاجها على اتجاه معين أو بضع اتجاهات، لكنها قدمت كل أشكال الفيلم السينمائي وكل اتجاهاته، في شكل متمكن قدر المتاح من إمكانات مادية وتقنيات حرفية، بفضل صناعها الكبار من فنيين وفنانين، الأمر الذي أدى إلى أن يطلق عليها هوليوود الشرق، وهي سمة ربما افتقدت بعضاً من مقوماتها أو عناصر توجدها في العقود القليلة الماضية، «إلا أن الأمل يحدونا في استعادة هذه المكانة المهمة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا» كما يقول آملاً قبل ان يضيف: «وفي ما يتعلق بالسينما المصرية، كان أمراً طبيعياً أن نشهد ميلاد العديد من الظواهر السينمائية، التي تعاقبت خلال السنوات منذ نشأة السينما وحتى اليوم، ولا شك في أن الفترة التاريخية الممتدة من ثورة تموز (يوليو) 1952 وحتى ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 شهدت مثل هذه الظواهر التي كانت وراء ظهورها عوامل عدة، أدت إلى حتمية ظهور هذه الظاهرة أو تلك، وكان لكل منها أثره الواضح في مسيرة السينما في مصر، وفي حركة الإنتاج السينمائي وتوجهاته، سواء بالإيجاب أو السلب، لكنها تبقى عند حدود طبيعة السينما في أي مكان من العالم، إذ لا بد من أن تكون السينما في حركة ديناميكية مستمرة لتحقيق طموحات صناعها في الوصول إلى تقديم أفضل ما لديهم من إبداع وإلى جانب توجهات السينما المصرية الروائية الطويلة الاجتماعية والسياسية، التي، خلال الحقب التاريخية الثلاث من تموز 1952 إلى كانون الثاني 2011، شهدت توجهات مغايرة لإنتاج أفلام ذات صبغات وأشكال أخرى منها: الأفلام الكوميدية، أفلام الحركة والمغامرات، الأفلام الغنائية والاستعراضية وأفلام الأساطير، والأفلام الدينية والتاريخية وأفلام الملاحم والسير الذاتية والأفلام العاطفية والرومانسية.

*الحياة