إنتقلت السياسة الإيطالية منذ فترة من وضعية الأدوار الدفاعية الخلفية وراء القوى الغربية إلى الأدوار الأمامية كفاعل قيادي في إدارة الأزمة.وبناءا على ذلك تواصل روما تكثيف تحركاتها الدبلوماسية في محاولة لإختراق الأزمة الليبية تحت لافتة البحث عن حل لهذه الأزمة المتواصلة منذ سنوات.

آخر التحركات الإيطالية في هذا الشأن،يأتي مع وصول رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي،الأحد 23 ديسمبر 2018،إلى ليبيا حيث التقى كلا من رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج في طرابلس والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر بمقره في الرجمة،فيما إعتبرته تقارير إعلامية مهمة إيطالية جديدة للعب دور الوساطة بين الفرقاء الليبيين،إستكمالا لما بدأته في مؤتمر باليرمو في نوفمبر الماضي.

وعقد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي،مباحثات مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، في طرابلس.وقال المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق، إن كونتي التقى السراج في طرابلس بحضور عدد من كبار المسؤولين الإيطاليين، وعن الجانب الليبي وزير الخارجية  محمد سياله وعدد من مسؤولي الدولة.

وتناول الجانبان أثناء اللقاء الوضع السياسي الراهن لليبيا، وما اتخذته حكومة الوفاق من خطوات على طريق الإصلاح الاقتصادي والأمني، وأبدى السراج تطلعه لتنمية علاقات التعاون بين طرابلس وروما لتشمل مجالات حيوية وقطاعات خدمية متعددة.من جانبه، أكد كونتي على العلاقات المميزة التي تربط بين البلدين الصديقين، مجددا دعم بلاده لحكومة الوفاق وجهود المصالحة الوطنية وللمسار الديمقراطي.

وعبر رئيس الوزراء الإيطالي عن حرص حكومة بلاده على تنمية وتطوير علاقات التعاون الثنائي، ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اعتمدته حكومة السراج.وأجرى الجانبان محادثات تناولت عددا من الملفات تتعلق بالتعاون الاقتصادي والأمني وتفعيل اتفاقية الصداقة المشتركة، وكذلك ترتيب لقاءات اللجان المشتركة مطلع العام المقبل.

وعقب ذلك،إنتقل رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي،لمقابلة القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، في مقر القيادة العامة للجيش الليبي، بمنطقة الرجمة شرقي مدينة بنغازي.حيث بحث الطرفين المستجدات على الساحة المحلية والدولية، والعلاقات بين البلدين، والتعاون المشترك بين ليبيا وإيطاليا في شتى المجالات، وفق بيان للقوات المسلحة الليبية.

وتريد إيطاليا أن تقوم بدور تسهيل الاتصالات بين أطراف الأزمة الليبية،وسبق لرئيس الحكومة الإيطالية أن جمع كلاً من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر معًا خلال مشاركتهما في المؤتمر الدولي حول ليبيا بمدينة باليرمو عاصمة صقلية الشهر الماضي.

وتأتي زيارة كونتي إلى ليبيا،بحسب صحيفة "العرب" اللندنية، بعد أيام من تسمية جوزيبي بوتشينو غريمالدي سفيرا لدى طرابلس الغرب، خلفا لجوزيبي بيرّوني، الذي جرى استبعاده بعد تصريحات بشأن الانتخابات استفزت الليبيين حيث اعتبروها تدخلا في الشأن الداخلي.

واعتبر استبعاد جوزيبي بيروني استرضاء للمشير خليفة حفتر الذي تحدثت تقارير عن تأكيده للسلطات الإيطالية على أنه أصبح شخصا غير مرغوب فيه في ليبيا.ويدعم الجيش والقائد العام في ليبيا بقوة إجراء الانتخابات التي قال السفير الإيطالي السابق إن بلاده ستعارض إجراءها.

وأشارت الصحيفة،إلى أن إيطاليا تريد من خلال تقاربها مع حفتر مجاراة التغييرات في المشهد الليبي واستباق ما قد يحدث من تطورات بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في ربيع العام المقبل، إذ من المتوقع أن تنهي تلك الاستحقاقات نفوذ الإسلاميين الذين تتهم بالتحالف معهم خلال السنوات الماضية.

والخميس الماضي،نقلت وكالة الأنباء الإيطالية "آكي"،عن مصادر دبلوماسية أن روما ستعيد فتح القنصلية الإيطالية في بنغازي شرق البلاد.وذكرت الوكالة أنّها تلقت معلومات تفيد بأنّه جرى "التوصل إلى القرار بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها المشير خليفة حفتر إلى إيطاليا"، في الخامس من شهر ديسمبر الجاري.

وجرى إغلاق القنصلية كإجراء احتياطي عام 2013 بعد مهاجمة القنصل الإيطالي غويدو دي سانكتيس. وفي سبتمبر الماضي، زار وزير الخارجية أنزو موافيرو ميلانيزي بنغازي، حيث التقى القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.

هذه المساعي الإيطالية في ليبيا، لئن أكّدت روما أن الغرض منها إيجاد حل للأزمة هناك، فإن عدد من المراقبين يرون عكس ذلك، مؤكدين أن الهدف الحقيقي وراء هذه الجهود بحث إيطالي عن نفوذ فقدته في المنطقة، وضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، والعودة لشمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك.

وتعتبر روما، ليبيا منطقة نفوذ لها، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992، فقد ظلت شركة "إيني" الإيطالية المستثمر الأساسي في الغاز والنفط الليبي، وكانت روما إحدى بوابات عودة ليبيا للمجتمع الدولي التي بدأت تدريجيًا 2003.

وتأمل روما في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا. لذلك تسعى إيطاليا إلى عدم تهميش دورها في العملية السياسية في ليبيا والحفاظ على مصالحها النفطية وضمان إدارة عملية مكافحة تهريب اللاجئين.