تنظر فئة كبيرة من الماليين لمرض إيبولا على أنه “مرض قاتل لا محالة” أو هو في مفهومه الأشمل، “قدر لا بد من الاستسلام إليه”. وقد أدخلت الأوضاع الصحية التي تمر بها منطقة الغرب الإفريقي بشكل عام ومن بينها مالي، اضطرابات على مستوى الممارسات الاجتماعية ليجد السكان أنفسهم في وضع حتم عليهم اتباع أسلوب حياة جديد، في تباين مع ما دأبوا عليه من عادات وتقاليد، بحسب “أمادو ساليف ديالو”، أستاذ في علم الاجتماع في حديث مع الاناضول.
وإن لم ينتشر فيروس إيبولا في مالي بنفس الحدة التي شهدتها دول مثل ليبيريا وغينيا وسيراليون فإن تسببه في وفاة 5 أشخاص في البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي أدخل الهلع في قلوب الجميع، وأربك نسق الحياة اليومية للماليين وانتقل التأثير إلى عمق الممارسات الاجتماعي.
“زومانا كوياتي”، مصور فوتوغرافي يبلغ من العمر 41 عاما، عايش تجربة مريرة بعد أن اُشتبه في إصابته بفيروس إيبولا قبل أن تُظهر نتائج تحاليله أنه سليم من المرض بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الثاني 2014.
يقول “زومانا” للأناضول: “الأمر أسوأ من الإصابة بالإيدز فيما يتعلق بالتمييز والنبذ الذي تتعرض له. لقد عشت أياما مرت علي كالجحيم وكانت النظرات ترمقني بنظرات هي خليط من الشفقة والحذر. حتى أطفالي، تم طردهم من المدرسة، كما قاموا بطرد زوجاتي من السوق حيث يشتغلن”.
إيبولا أكثر من مرض، هي أضحت مصدرا للمشاكل الاجتماعية، دفعت بسكان باماكو إلى تجنب المصافحة باليد، أكثر أشكال السلام تقربا واستحبابا، بعد أن صارت رديفا للموت أو لخطر عظيم يتهدد.
الأمر تجاوز ذلك ليشمل الجنائز التي لم تعد لا تتجلب إلا النزر القليل من الناس وهي التي من المفترض أن تجمع أكبر عدد من أحبة الفقيد لتوديعه وللرفع من معنويات أسرته.
“موسى كاميتي”، معلم المدرسة القرآنية علق على ذلك في حديث للاناضول بالقول: “الامتناع عن توديع أحد الأقارب إلى مثواه الأخير هو أمر لا يمكن القبول به، لقد أصبح الأمر بمثابة مأساة اجتماعية حقيقية”.
ويعقّب “ساليف ديالو” على التغير الذي أحدثه فيروس إيبولا على مستوى العلاقات الاجتماعية في مالي ويقول في أسف بدا واضحا على ملامحه: “في بلادنا، مثل يقول إن الأصدقاء الحقيقيين لا يظهرون إلا عند الشدائد، إيبولا غيرت حتى من عاداتنا، وحرمتنا حتى من تشييع موتانا ، ليتكفل آخرون بذلك”.
الرياضة لم تكن بمنأى عن الارتباك الذي تسببت به إيبولا على مستوى الاحداث في القارة السمراء بعد أن تم نقل تنظيم بطولة كأس أمم إفريقيا 2015 من المغرب إلى غينيا الاستوائية، على إثر طلب تقدمت به الرباط بإرجاء الموعد إلى يونيو/حزيران القادم، خشية انتشار فيروس إيبولا في البلاد.
وعلى ذات الصعيد، نالت المواعيد الاقتصادية نصيبها من حالة الاضطراب التي تسبب بها الفيروس القاتل بعد أن وقع تأجيل الدورة السابعة لـ “مسابقة اندماج الإتحاد الاقتصادي والمالي لغرب إفريقيا” التي كان من المنتظر أن تنعقد في العاصمة التوغولية “لومي من 22 إلى 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وفي سياقات أساليب مقاومة الوباء الفتاك، من تدابير وقائية وإجراءات أمنية، إلى غير ذلك، برز الفن كأداة مقاومة أبت إلا أن تسهم كما الجميع في دحر هذا المرض واسترجاع العلاقات الإنسانية لشيء من عنفوانها السابق.
ولعل ما قام به الفنان الغيني “موري كانتي” يصب في هذا الاتجاه بعد ان قام بتسجيل أغنية تقول كلماتها: “إذا لم تتمكن من مصافحة شخص، إذا لم تتمكن من تقبيل شخص، لا يعني ذلك أن ذاك الشخص يسبب لك الخجل، ذلك امر واقع، لا غير”.