تتصاعد الأحداث على الأرض في ليبيا،مع إندلاع سلسلة من أعمال العنف بداية من الهجوم الإرهابي لتنظيم "داعش"،مرورا بخطر العصابات التشادية ووصولا إلى الإشتباكات التي إندلعت في العاصمة طرابلس بين الميليشيات المسلحة في إطار صراع النفوذ المتجدد وسط عجز حكومي عن فرض سلطة القانون.

رغم الجهود المبذولة والتحركات الحثيثة بإتجاه العمل على تنفيذ اتفاق باريس،الذي حدد تاريخ العاشر من ديسمبر موعدا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا أملا في إنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ العام 2011، غير أن ذلك يتم في ظل ضبابية المشهد السياسي الليبي، وعدم وجود جدول زمني لتنظيم الانتخابات.

ويعتبر التوصل إلى حل سياسي في ليبيا مهمة صعبة خاصة في ظل تواصل الخلافات بين الفرقاء السياسيين في البلاد وعجزهم عن التوصل إلى توافق حول القضايا الرئيسية،وهو ما يؤكده تعثر تصويت أعضاء البرلمان على مشروع قانون الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد.

فشل التصويت

إلى ذلك،أجّل مجلس النواب الليبي للمرة الخامسة عملية التصويت على إصدار قانون الاستفتاء على الدستور وذلك بسبب تغيّب النواب.واستأنف مجلس النواب،الإثنين 27 أغسطس/آب، جلسته المعلقة برئاسة المستشار عقيلة صالح، وحضور 25 نائبا، وذلك وفق ما صرح به الناطق باسم البرلمان عبدالله بليحق.

ويحاول البرلمان منذ أكثر من شهر التصويت على قانون الاستفتاء على الدستور لكنه لم ينجح لأربع مرات متتالية بسبب خلافات محتدمة بين النواب على مواد داخل القانون من بينها المادتان السادسة والثامنة.وتنص المادة السادسة من مشروع قانون الاستفتاء على تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم (طرابلس، برقة وفزان) وهو ما لا يتوافق مع الإعلان الدستوري الذي ينص على أن ليبيا موحدة. وسيؤدي هذا التقسيم إلى احتساب نتائج الاستفتاء في كل إقليم على حدة.

أما المادة الثامنة فتنص على أن "تنتهي أعمال هيئة صياغة الدستور، إذا ما رفض الشعب خلال الاستفتاء الشعبي مسودة الدستور المطروحة".كما تنص "على أنه في حال تم ذلك يقوم مجلس النواب خلال 30 يوما، باختيار لجنة تتكون من 30 عضوا تتولى صياغة مسودة الدستور، على أن تتم أعمالها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ المصادقة على تشكيلها من قبل المجلس، ليقوم خلال 30 يوما من تاريخ انتهاء أعمال اللجنة، بإحالة مشروع قانون الاستفتاء إلى المفوضية العليا للانتخابات لغرض الاستفتاء.

وتمكن البرلمان قبل حوالي 3 أسابيع من حشد 104 نواب، لكن دون أن يتمكن من الوصول إلى الأغلبية الموصوفة (120 نائبًا)، في ظل مقاطعة النواب الأمازيغ والتبو، وكذلك النواب الفيدراليين (يمثلون كتلة وازنة) للجلسة.وشهدت الجلسة حينها خلافات حادة بين النواب، خاصة حول المادة الثامنة من مشروع قانون الاستفتاء.

انتخابات رئاسية

وفي ظل تواصل فشل تمرير قانون الاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد،لوّح رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح،بتجاوز الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مباشرة في البلاد؛ في حال لم يتوفر النصاب القانوني في الجلسة المرتقبة الأسبوع المقبل للتصويت على الإعلان الدستوري وإقرار قانون الاستفتاء عليه.

ونقل الناطق باسم البرلمان الليبي عبدالله بليحق،عن عقيلة صالح،قوله:أن "ليبيا تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية تهدف إلى عدم وصولها إلى استقرار، وتهدف أيضا لاستمرار الفوضى"، مشيرا إلى أن السبب الذي جعلنا لا نتوصل إلى توافقات تنهي هذه الأزمة هو التدخلات الخارجية والمصالح الشخصية.وأوضح بليحق أن صالح، دعا النواب إلى انجاز تعديل الإعلان الدستوري، وإلا فإنه يتوجب على المجلس تفعيل قرار رقم (05) لسنة 2014 لانتخاب رئيس مباشر من الشعب.

وذكر المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب أن المجلس قرر، تحديد جلسة الاثنين المقبل الموافق 3 سبتمبر / أيلول، لإجراء التعديل الدستوري وفي حال عدم توفر النصاب القانوني لذلك وعدم تمكن المجلس من تعديله الإعلان الدستوري سيقوم المجلس بتفعيل القرار رقم  (05) لسنة 2014، القاضي بانتخاب رئيس مؤقت البلاد بشكل مباشر من الشعب.

يشار إلى أن القرار رقم "5" لسنة 2014 الصادر عن مجلس النواب الليبي، ينص في مادته الأولى على انتخاب رئيس الدولة المؤقت بطريق الاقتراع العام السري الحرّ المباشر وبالغالبية المطلقة لأصوات المقترعين.

بين إيطاليا وفرنسا

وباتت الإنتخابات الليبية ساحة للصراع بين فرنسا وإيطاليا،حيث يحرص الطرفان على محاولة فرض رؤيتهما والتدخل في الشأن الليبي.وقالت الحكومة الإيطالية،الاثنين 27 أغسطس/آب، إن الاشتباكات التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس خلال الساعات الأخيرة تشكل "مبرّرا" لتأجيل الانتخابات الليبية المرتقبة خلال العام الجاري، واصفة إجراءها في كانون الأول/  ديسمبر المقبل بأنه مسألة "غير واقعية".

وقال وكيل وزارة الشؤون الخارجية الايطالي، غوليلمو بيكي (رابطة الشمال) أن إجراء الانتخابات العامة في ليبيا  في ديسمبر المقبل مسألة غير واقعية وليس كما يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خاصة في وقت شهدت فيه العاصمة طرابلس اشتباكات.وقال المسؤول الايطالي إن "فرضية التصويت المعلنة من ماكرون، (مع التهديد الذي تشهده طرابلس) تشبه سياسته الأوروبية هي ببساطة غير واقعية".

وجاء حديث المسؤول الإيطالي، تعليقًا على تصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق يوم الاثنين خلال مؤتمر لسفراء بلاده، شدد فيه على المضي قدمًا في اتفاق  باريس الأخير بين الفرقاء الليبيين والقاضي بإجراء الانتخابات في العاشر من الشهر الأخير للعام الحالي.

وقال ماكرون في خطاب،أمام 250 سفيرًا "أؤمن بعمق في إعادة السيادة الليبية"، حسب ما نقلت وكالة "فرانس برس".وأضاف: "في هذا البلد الذي أصبح مسرحًا لكل المصالح الخارجية، دورنا هو النجاح في تطبيق اتفاق باريس الذي وقع في مايو الماضي".

وتشكل تلك التصريحات مواصلة لاتهامات هاجم فيها رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونتي، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن استحالة إجراء انتخابات في ليبيا نهاية العام الجاري، بحسب المبادرة الفرنسية.واتهمت الحكومة الإيطالية، في وقت سابق، فرنسا بالتسرّع في ليبيا، محذّرة من فرض موعد معين لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالبلاد التي تعيش أزمة سياسية، وسط شكوك تحيط بالاستحقاق الانتخابي المرتقب.

وكانت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا قالت إن "عملية المصالحة في ليبيا يجب أن تكون شاملة".وأضافت لذلك "أعتقد أن الحديث عن انتخابات جديدة قبل استكمال هذه العملية هو خطأ"، وإلا، فـ"سنجد أنفسنا أمام المشاكل نفسها، سواء أكان من جانبنا كإيطاليا أم من ناحيتكم في ليبيا"، كما "يجب على البلدان أخرى أن تفهم ذلك أيضا".

وقال نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن تحديد تاريخ الاقتراع من باريس أو روما أو نيويورك،"لا يساعد في عملية تهدئة تحتاج إلى مزيد من الوقت".وشدّد المسؤول الإيطالي على ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا، لكنه حذّر من محاولة فرض موعد لهذا الاستحقاق، ودعا بالمقابل، إلى مراعاة ظروف الليبيين للتصويت بسلام.

واتهم ماتيو سالفيني فرنسا بتنظيم مؤتمر حول الأزمة الليبية في وقت غير مناسب، مشدّدًا على ضرورة أن يكون المؤتمر المرتقب حول ليبيا "بروما خلال الخريف المقبل أكثر انفتاحًا وأكثر احترامًا".وشكّلت ملفات الهجرة والإرهاب والاقتصاد أبرز نقاط الصراع الفرنسي الإيطالي على ليبيا، خاصة بعد صعود اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الإيطالية في مارس/آذار الماضي.

وتعتبر إيطاليا احدى أبرز الدول حضورا في ليبيا التي ترى فيها مجالا حيويا خاصا وأرضا خصبة لها لإصلاح اقتصادها المتردي،فيما تسعى فرنسا لنيل نصيب من الثروات الليبية وتدعيم مصالحها في هذا البلد الذي تعتبره بوابة للبحث عن نفوذ لها في المنطقة.ويتصاعد التنافس بين الطرفين للهيمنة على المشهد الليبي وهو ما يمثل بحسب مراقبين خطرا على نجاح العملية السياسية في ليبيا.

وبعد سبع سنوات من إندلاع الأزمة، لا تزال ليبيا تعيش إنقساما سياسيا حادا وتتخبط بين سلطتين سياسيتين متصارعتين هما حكومة الوفاق في طرابلس، وأخرى في الشرق، كما يعاني اقتصاد البلاد رغم الثروات النفطية الكبيرة التي تتعرض للإستنزاف على يد الميليشيات المسلحة،فيما يعيش المواطن الليبي أوضاع معيشية متردية. 

وفي غياب سلطة مركزية ومؤسسات قوية، باتت ليبيا نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، في ظل إنتشار عصابات التهريب، كما أدى غياب سلطة قادرة على بسط سيطرتها على كامل أنحاء البلاد، إلى ظهور مجموعات إسلامية متطرفة لازالت تنشط في مختلف المناطق في ليبيا،وتهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين.

ويشير المراقبون،إلى أن إجراء الانتخابات الليبية في ظل موافقة الأطراف الليبية عليها،فضلا على الدولي على دعمها تنظيميا ولوجستيا، من شأنها أن تساعد على انهاء الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات وإعادة بناء مؤسسات الدولة ما سيمكنها من الخروج من حالة الفوضى واللااستقرار.لكن واقع الأحداث علي الأرض ينذر بحسب الكثيرين بوجود عراقيل كبيرة أمام هذا الاستحقاق المنتظر.