تتصاعد وتيرة الأحداث في الساحة الليبية،في ظل تواصل حالة الفوضى التي تفرضها الإنقسامات بين الفرقاء وغياب سلطة الدولة.ورغم الحديث عن الذهاب إلى انتخابات عامة يُؤمل منها أن تكون حلاً لإنقاذ الأوضاع في البلاد وإخراجها من أزمتها المعقدة،فإن إجراء هذا الإستحقاق مازال محل جدل وسط تدخلات خارجية.

فمؤخرا رفض السفير الإيطالي لدى ليبيا، جوزيبي بيروني، في مقابلة له مع قناة ليبية خاصة، إجراء انتخابات "بأي ثمن ومهما كانت التكلفة". مشيرًا إلى وجود "أطراف تسعى للتسريع من موعد الانتخابات للاستيلاء على السلطة عبرها".وأثارت التصريحات استنكارًا رسميًا وشعبيًا واسعًا في ليبيا، كما اعتبرت تدخّلًا في الشأن الليبي.

ودفعت هذه التدخلات برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فائز السراج،للتشديد على أنّ موعد الانتخابات بالبلاد ومسارها، "أمر يحدده الليبيون وحدهم".ونقل تصريحات السراج المتحدث باسمه، محمد السلاك، خلال مؤتمر صحفي عقده الأخير، الثلاثاء، بالعاصمة طرابلس.

ونقل السلاك،عن السراج، تشديده على أن تتحمل كل الأطراف المعنية، لا سيما الشريكة في إعلان باريس الذي عقد في مايو/أيار الماضي، مسؤوليتها وأن تلتزم باستحقاقاتها.كما أوضح السلاك أن السراج طلب من مؤسسات الدولة كل التعاون، وتذليل العقبات أمام تحقيق انفراجة في الملف الاقتصادي، مؤكدا أن حل المشكلات يتطلب جهدا تكامليا من جميع الجهات ذات الاختصاص.

في غضون ذلك، ناقش عبد السلام كاجمان، نائب السراج، مع سفير بريطانيا لدى ليبيا فرانك بيكر، تطورات المشهد السياسي وسبل تذليل العقبات أمام الاستفتاء على الدستور، والإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، والعوائق التي تحول دون تحقيقها في الفترة الزمنية اللازمة.وقال بيان لحكومة الوفاق، إن اللقاء بحث أيضا الملفات الأمنية والاقتصادية، وضرورة توفير الخدمات الأساسية للمواطن، وأهمية البدء في تنفيذ المشروعات المعطلة والخدمية لمساهمتها في رفع مستوى القطاع الخاص، وخلق فرص عمل جديدة تغني عن الوظائف الحكومية.

باريس ودول الجوار

يأتي ذلك في وقت دعت فيه تونس إلى التسريع بإجراء الإنتخابات،حيث شدد وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، على أهمية العمل على توحيد الجهود لتسريع نسق المشاورات بين الفرقاء الليبيين وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب الآجال بما يمكن من إعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد وتجنيب المنطقة مخاطر التطرف والإرهاب.

وجاء ذلك على هامش لقاء جمعه بالمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،مساء الاثنين بتونس،وقالت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، إن رئيسها غسان سلامة أجرى محادثات في تونس مع خميس الجهيناوي، وزير الخارجية التونسي، حول الأوضاع في ليبيا، مشيرة في بيان مقتضب إلى أن سلامة شكر تونس على دعمها المستمر لخطة عمل الأمم المتحدة في ليبيا.

وفي المقابل،أكد بيانا لوزارة الخارجية التونسية، أن الاجتماع ناقش أيضا الاستعدادات الجارية للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في ليبيا، لافتا إلى أن الجهيناوي شدد مجددا على أهمية العمل على توحيد الجهود لتسريع نسق المشاورات بين الفرقاء الليبيين، وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب وقت،في موقف وصف بأنه داعم للمبادرة الفرنسية.

وقبل لقائه بغسان سلامة بحث الجهيناوي الأزمة الليبية هاتفيا مع وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان. وذكر بيان لوزارة الخارجية التونسية أن "الجانبين استعرضا تطورات الأوضاع في ليبيا ومدى التقدم المسجل في المسار السياسي الهادف إلى تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي اتفقت مختلف الأطراف الليبية، خلال اجتماع باريس على إجرائها قبل نهاية السنة الجارية".

وأكد وزير الشؤون الخارجية التونسي مجددا على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين مختلف الدول ذات العلاقة بالملف الليبي، بما يمكّن من تجاوز حالة الجمود التي يعرفها المسار السياسي حاليا، ويساعد على التعجيل بالتوصل إلى حل سياسي ليبي ليبي تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.

وتحرص تونس على إيجاد تسوية تنهي الفوضى التي تشهدها جارتها ما تسبب في تراجع المبادلات التجارية بين الجانبين بسبب تدهور الوضع الأمني ما انعكس سلبا على الاقتصاد التونسي المنهك.وتنطلق في دعمها لإجراء الانتخابات الليبية، رغم الجدل المحلي والدولي بشأنها، من إيمانها بأنها الحل الأخير لاستقرار البلاد، وتأكدها من أن انتظار إصدار الدستور كما تنادي بعض الدول سيستنزف الكثير من الوقت، ما يعني مزيدا من الفوضى.

من جهة أخرى،أجرى جون إيف لودريان،محادثات هاتفية مع وزير الخارجية الجزائري عبد القادر،الثلاثاء،تبادلا فيها وجهات النظر حول المسائل ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الوضع في ليبيا.وقالت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان صادر عنها، الأربعاء، إن الوزيرين تطرقا إلى "آخر التطورات والجهود المبذولة بغية الخروج من الأزمة"، حيث جددا التأكيد على "استعدادهما الكامل لعدم ادخار أي جهد للمساهمة في استكمال المسار الأممي، ومتابعة التزامات الأطراف الليبية التي اتخذتها خلال اجتماع باريس".

وقال مساهل ولودريان إن من شأن "كل هذه الجهود إقامة مؤسسات وطنية قادرة على الحفاظ على الوحدة والسلامة الترابية لليبيا وسيادتها ولحمتها الوطنية".

وتعتبر الجزائر إحدى أبرز الدول الساعية للوصول إلى حل في ليبيا.وفي شهر فبراير/شباط الماضي، زار وزير الخارجية الجزائري عددًا من المدن الليبية، كمصراتة والزنتان وطرابلس، والتقى أعيانها وقيادات سياسية فاعلة فيها، بغية ربط علاقات مع الداخل الليبي، إضافة إلى العلاقات مع الأطراف السياسية الليبية الرسمية، وهو ما يتيح للجزائر لعب دور إيجابي في سياق حل الأزمة الليبية.

وكانت باريس نظمت نهاية مايو الماضي مؤتمرا دوليا حول الأزمة الليبية حضره أكثر من عشرين دولة بالإضافة إلى الأطراف الليبية الفاعلة في المشهد الليبي وهي: المجلس الرئاسي ومجلس الدولة والجيش الوطني ومجلس النواب.وجرى الاتفاق خلال المؤتمر على جملة من البنود في مقدمتها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العاشر من ديسمبر المقبل.

إيطاليا ومصر

وبالتوازي مع التحركات الفرنسية،تتحرك إيطاليا المعارضة لخطة باريس،عن طريق إعلانها تنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا الخريف المقبل،معتمدة على دعم تسى لتحصيله.حيث تحدثت تقارير صحافية إيطالية عن اتفاق بين مصر وإيطاليا لعقد ما وصفته باجتماعات دورية على مستوى كبار المسؤولين، تحضيراً للمؤتمر الدولي الذي ستستضيفه العاصمة الإيطالية روما في نوفمبر /تشرين الثاني المقبل، الذي سيخصص لمناقشة الأزمة الليبية وسبل حلحلته.

واشارت صحيفة "إل سولي 24 أوري"، إلى أن إشراك مصر في التنسيق في الشأن الليبي كان أمرا متوقعاً نظراً للاهتمام المشترك الذي يوليه الجانبان لهذا الملف، لافتة إلى أن المسألة كانت على طاولة لقاءات وزير الداخلية الايطالي، ماتيو سالفيني، ووزير الخارجية إنيزو موافيرو ميلانيزي خلال زيارتهما للقاهرة.

ونقلت عن الاخير تأكيده، خلال المؤتمر الصحفي المشترك نهاية الاسبوع الماضي في القاهرة مع نظيره  سامح شكري، على أن "الفكرة، ومن منطلق هذا المؤتمر، أن تكون هناك اتصالات ومحادثات وثيقة مع مصر، التي  لها مصلحة مباشرة كتلك التي لدينا بشأن ليبيا".وتوقعت الصحيفة الايطالية أن يلتئم المؤتمر في روما، الذي لم يحدد له موعدا رسميا بعد،  خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

وكان المتحدث بإسم الخارجية المصرية قد ذكر أن الوزير شكري استعرض خلال لقائه في القاهرة مع نظيره الايطالي "رؤية مصر تجاه الأزمة الليبية والجهود التي تبذلها لتحقيق الاستقرار، مرحباً بالتعاون مع الجانب الإيطالي للتوصل إلى صيغة شاملة تحقق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا، وتواجه الإرهاب، وتعيد بناء مؤسسات الدولة الليبية، وتعالج الخلل القائم في توزيع الموارد بين المناطق الليبية المختلفة، وتتيح إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في أقرب فرصة".

وتعد إيطاليا من أبرز الدول الرافضة لإجراء الانتخابات حاليا، وتدعو إلى ضرورة التوصل لتوافق وطني يوحد مؤسسات الدولة وإصدار الدستور ومن ثم إجراء الانتخابات، وهو ما يحتاج حسب متابعين للشأن الليبي إلى سنوات لتحقيقه.كما أن تصريحات المسؤولين الإيطاليين تجاه فرنسا تصاعدت، متهمة إياها بالسعي لتولي قيادة الملف الليبي بما يؤشر إلى رفض روما أي جهود أو مبادرة قادمة من غريمتها.

ويرى مراقبون، أن دور فرنسا هوالدفع باتجاه تحقيق التوافق السياسي، لا سيما مع نجاح الديبلوماسية الفرنسية في إجراء لقاءين سياسيين مهمين بين الأطراف الليبية خلال عام واحد ونجاحها في تحقيق توافق بين الأطراف الرئيسية في ليبيا لإجراء انتخابات نهاية العام بدعم دولي، في حين يبقى الدور الايطالي محل نقد كونه يطالب بتأجيل هذه الانتخابات التي يطالب بها الليبيون، بالاضافة الى الاتهامات التي توجه لروما بدعم تيارات سياسية تعتمد في بقائها على التشكيلات المسلحة.