يستمر إغلاق حقل الشرارة النفطي الأكبر في ليبيا لليوم السابع على التوالي، وسط توقعات بأن تمتد عملية الغلق لأيام أخرى، ما ينذر بخسائر جديدة، في وقت تحاول فيه البلاد استعادة إنتاجها من النفط وإحياء الاقتصاد الذي يعاني من تدهور كبير نتيجة الصراعات المتجددة منذ إندلاع الأزمة في العام 2011.

وبعد أيام من تفجر أزمة حقل الشرارة بالقرب من أوباري جنوب البلاد، الذي أقدم محتجون على إغلاقه في الثامن من الشهر الجاري،تتصاعد حدة الإحتجاجات والإتهامات المتبادلة وتعنت الأطراف،وهو ما ينذر بتواصل الأزمة الي تمثل عثرة جديدة في المشهد الليبي.

تصاعد الإحتجاجات

في غضون ذلك، قالت تقارير إعلامية محلية إن معظم قرى ومدن الجنوب الليبي، شهدت مساء أول من أمس، مظاهرات شعبية لتأييد حراك غضب فزان، الذي يقف وراء إغلاق حقل الشرارة النفطي، الذي يعتبر أكبر الحقول النفطية في البلاد.

ورفض المتظاهرون تصريحات مسؤولي حكومة الوفاق الليبية والمؤسسة الوطنية للنفط، التي اتهمت منظمي الحراك بالخيانة، كما طالبوا بتنفيذ ما وصفوه بالمطالب المشروعة لأبناء منطقة الجنوب.

وقدّم حراك "غضب فزان" 10 مطالب بعد إغلاق حقل الشرارة النفطي جنوب غرب البلاد، في خطوة تصعيدية تستهدف الضغط على الجهات المسؤولة من أجل الاستجابة لتلك المطالب،ومن بينها دعم المؤسسة العسكرية وحماية الحدود الجنوبية، إلى جانب توفير السيولة والوقود وتوفير فرص عمل للشباب الجنوب، وإعادة الإعمار إلى المناطق المتضررة بالجنوب.

وفي تصريح لـ"العربية.نت"،إستنكر الناشط بحراك "غضب فزان"، عادل عنديدي، اتهام أهالي فزان الذين "خرجوا للدفاع عن حقوقهم المشروعة والمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية بالإرهاب ووصفهم بالميليشيات"، موضحا أن مدينة أوباري والمناطق المجاورة لها، "تعيش حالة من الفقر والخصاصة والحرمان وانعدام كل مقومات الحياة على بعد أمتار قليلة من أكبر الحقول النفطية في البلاد.

ويتهم الكثيرون،الحكومات الليبية بعدم الاهتمام بالمنطقة الجنوبية، وتجاهل توفير متطلباتهم الأساسية، إلى جانب تدهور الحالة الأمنية التي نتج عنها كثرة حوادث الخطف وتفشي الجريمة.ويرى هؤلاء أن بُعد الجنوب الذي يسمّى تاريخيا بإقليم فزان عن الساحل والعاصمة طرابلس، جعل منه غير مؤثر على اتخاذ القرارات السياسية ما حوله إلى إقليم هامشي، غير فاعل في القرار السياسي رغم ثرائه بالموارد الطبيعية.

ويصر المحتجون الذين يقول عنديدي عنهم "إنهم لم يجدوا أي طريقة أو حلا آخر للضغط على السلطات إلا عبر وقف ضخ النفط" هذه المرة، على التمسك بمطالبهم إلى حين تحقيق التنمية وتحسين الخدمات في جهتهم، وهو الأمر الذي سيستغرق وقتا طويلا، يجعل من عملية إغلاق الحقول النفطية ممتدة إلى وقت غير معلوم.

رفض وتصعيد

وفي غضون ذلك،تتواصل الإتهامات للمحتجين،حيث حذر رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط مصطفى صنع الله،رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج "من أن أي محاولة لدفع فدية للميليشيا المسلحة التي تغلق حقل الشرارة النفطي، سيشكل سابقة خطيرة تهدد انتعاش الاقتصاد الليبي".

وأضاف صنع الله في خطاب وجهه إلى السراج وكشف النقاب عنه ليل السبت أن المؤسسة الوطنية للنفط لن تستأنف عمليات الإنتاج ولن ترفع حالة القوة القاهرة على صادرات النفط الخام في الزاوية إذا ما تم دفع فدية من قبل وزارة المالية للمليشيا المسيطرة على الحقل".

وشدد صنع الله، في خطاب آخر وجهه إلى رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام على "منع تسليم أي فدية مع إرسال نسخ إلى كلّ من ديوان المحاسبة ووزارة الدفاع وهيئة الرقابة الإدارية".

وصرّح صنع الله، قائلاً "إنّ تقديم أية دفعات مالية لمرتكبي هذه الممارسات غير القانونية سيتسبب في مزيد من المشاكل وسيشجّع على عمليات إغلاق أخرى مما سيشكل خطرًا على حياة عمّال القطاع ويزيد من العنف ويخلق حالة من الشك في أوساط الشعب، لقد خرقت المليشيا المسيطرة على الحقل القانون وهدّدت موظفي المؤسسة بالعنف وقامت بمنعنا من إنتاج وتصدير النفط الذي تعتمد عليه البلاد بشكل كامل". 

وحث صنع الله الدولة أن تتجنّب الوقوع في نفس الخطأ الذي حدث مع المجرم الجضران الذي كان قد تلقّى مبالغ كبيرة كفدية، إلا أنّه قد تسبب في تكبّد الدولة خسائر كبيرة في الإيرادات تقدّر بعشرات المليارات".

وأضاف صنع الله:"أنّ دفع أي مبالغ مالية لهذه المليشيا لن يساهم بأي شكل من الأشكال بحلّ المشاكل التي يعاني منها الجنوب، حيث يتطلب ذلك وضع خطة عمل سريعة تعالج المشاكل الحقيقة وأوجه الحرمان الاقتصادي في الجنوب وفق تقييم دقيق لاحتياجات هذه المجتمعات وليس كردّة فعل على التهديد أو الابتزاز".

وتقلّص تدخّل الدولة لمساعدة السكان في مواجهة صعوبة الحياة ودعم المستشفيات بالأدوية التي تلزمها، نتيجة لحالة الانقسام السياسي، وهو ما جعل المدنيين يعيشون حياة معزولة يواجهون فيها مشاكلهم بأنفسهم. ويشكو سكان الجنوب خاصة من تردي الخدمات الصحية، إذ أن أغلب المستشفيات لا تعمل أو بصدد الصيانة، باستثناء البعض على غرار مركز سبها الطبي الذي يقدّم خدمات سيئة جدا.

علاوة على ذلك تعيش مدن الجنوب الليبي أوضاعا أمنية متردية في ظل إستمرار الصراعات القبلية،ناهيك عن إنتشار العصابات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية التي حولت المنطقة إلى بؤرة مخاطر كبيرة وسط غياب تام للمؤسسات الأمنية.

ويخشى الكثيرون من إستمرار أزمة إغلاق الحقول النفطية خاصة مع تعنت الأطراف وتمسك كل طرف بمطالبه وشروطه.ويمثل إستمرار الإغلاق نزيفا جديدا للثروات الليبية،حيث يتكبد الاقتصاد الليبي خسائر يومية بقيمة 32.5 مليون دولار أميركي، حسب أرقام المؤسسة الوطنية للنفط، إذ ينتج حقل الشرارة النفطي 315 ألف برميل يوميا، بينما يبلغ إنتاج حقل الفيل الذي يعتمد بشكل أساسي على إمدادات الكهرباء من حقل الشرارة 73 ألف برميل يوميا.