لئن عرفت مالي، مؤخرا، تعديلا على رأس حكومتها وبعض وزاراتها، يعود جزء من أسبابه إلى ما سمي بـ "فضيحة الطائرة الرئاسية"، التي تخللتها عمليات فساد مالي لا زالت تحت أنظار القضاء في مالي، فإنّ هذا البلد ليس الوحيد الذي تتخلل أجواءه السياسية "مطبّات هوائية" جرّاء اشكاليات متعلقة باقتناء الطائرات الرئاسية.

في مالي، زلزلت قضية فواتيرذات قيمة مالية باهظة خاصة باقتناء طائرة رئاسية، الأرض تحت أقدام الحكومة، وعصفت في طريقها بوزراء ذكرت أسماؤهم في هذه القضية، حيث سجلت الحكومة المالية الجديدة برئاسة "موديبو كايتا" انسحاب ثلاثة وزراء ارتبطت وزاراتهم بقضية الفوترة المتعلقة باقتناء الطائرة الرئاسية الجديدة الخاصة برئيس الدولة "ابراهيم بابكر كايتا".

القضية ذاتها، مع فوارق بسيطة تتعلّق بالتفاصيل، تسبّبت في كل من بوروندي والنيجر، في اندلاع تجاذبات متصلة بشروط تمويل عملية اقتناء طائرات رئاسية، والتي صفت بالبذخ وبالإنفاق في وقت غير مناسب من وجهة نظر المعارضة التي نعتتها "بالجريمة الاقتصادية".

وفقد ثلاثة وزراء ماليين مناصبهم في الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها، في 10 يناير/ كانون الثاني الجاري، وهم وزيرة الاقتصاد والمالية "بوواريفيلي سيسوكو"، وزير الاستثمار والقطاع الخاص "مصطفى بن بركة" ووزير الاقتصاد الرقمي والاعلام والاتصال "محمدو كامارا".

وعلى الرغم من فتح تحقيق عدلي في هذه القضية، فانه لم يتم إلى حد الآن إثبات أيّ دليل ضد هؤلاء الوزراء المنسحبين.

وخلال الصائفة الماضية تسببت التجاذبات التي شهدتها مالي بخصوص اقتناء طائرة رئاسية جديدة بطريقة غير قانونية في فتح تحقيق عدلي في هذا الموضوع. وقد تم القيام بعمليات تدقيق من قبل كل من المحكمة العليا ومكتب المراقب العام، ونشرت نتائجها بطلب من صندوق النقد الدولي. وأثبتت تقارير التحقيق الرسمية عمليات فوترة بلغت قيمتها 40 مليار فرنك افريقي (72 مليون دولار)، إلا أنّه لم يتم بعد توجيه التهمة إلى أيّ وزير او مسؤول، بالرغم من ثبوت حدوث نوع من التلاعب في سداد قيمة الطائرة.

أمّا في بوروندي، فإنّ التجاذبات لم تصل بعد الى المنعرج العدلي، وذلك رغم أنّ مرصد مكافحة الفساد والاختلاسات الاقتصادية (أولوكوم) قد شهّر بعد بالفضيحة في حديثة عن "فساد" يتعلق بهذه العملية الجديدة الخاصة باقتناء طائرة رئاسية خلال سنة 2014، أي بعد سبع سنوات من بيع الطائرة الرئاسية القديمة من نوع "فالكون 50".

ومن جانبه، سعى المتحدّث باسم رئيس الجمهورية "ليونيداس هاتونجيمانا" نفي ما أسماه بـ "الإدّعاءات، واعدا بتوفير المزيد من التفاصيل بعد وصول هذه الطائرة الى مطار بوجمبورا الدولي، دون تحديد تاريخ تسلّمها. المتحدّث الرسمي كشف، في المقابل، في مؤتمر صحفي عقد منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن ثمن هذه الطائرة الذي قال أنه يناهز الـ 8.5 مليون دولار.

غير أن الامين العام المتحدث باسم الحكومة البوروندية "فيليب نزوبوناريبا" كان صرح للصحافة أن هذه الطائرة هي هبة "من قبل أصدقاء بوروندي"، دون أن يوضح البلدان أو الهياكل التي كان يلمح اليها، مؤكدا أنّ الذين كانوا يساهمون في تمويل تنقلات الرئيس هم أنفسهم أولئك الذين قبلوا بالمساهمة في تمويل شراء الطائرة.

وعارض مرصد "أولوكوم" الحقوقي هذه الأقوال واصفا إياها بـ "المتناقضة"، حيث أكّد رئيسه "غابريال روفييري، في تصريح للأناضول، أنّ "عملية الشراء المذكورة تمت بالاعتماد على مصدرين اثنين للتمويل، فمن ناحية تم توفير المال من قبل أولئك الذين حصلوا على امتياز لاستغلال مناجم موزونقاني بمقاطعة روتانا شرقي بوروندي، والتي يضمّ الجزء الأعظم منها على مادة النيكل. وهذا يتعلّق بشركة من جنوب افريقيا حصلت على صفقة الاستغلال بطريقة "تجاهلت اجراءات اعلان العروض في مقابل اقتناء الطائرة الرئاسية"، وهي اتهامات رفضتها الشركة المذكورة جملة وتفصيلا.

كما يتعلق الأمر حسب رئيس المرصد نفسه، بالمقادير المالية المقتطعة والمختلسة من منح العسكريين البورونديين العاملين في الصومال، في إطار مهمة حفظ السلام الموكلة الى بعثة الاتحاد الافريقي في الصومال "اميسوم".

هذه المزاعم فنّدها "هاتونجيمانا" الذي كان أوضح، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنّه لا يوجد "أي سر خلف هذا الملف"، لافتا إلى أنّ "تنقلات الرئيس الى الخارج منذ 2007 وبعد بيع طائرة فلكون 50، تتم بواسطة طائرات تابعة لشركات تجارية".

وفي نيامي حيث تم خلال سنة 2014 شراء طائرة رئاسية جديدة بمبلغ قدره 35 مليون دولار، فإن التجاذبات قد ارتكزت في هذا البلد أيضا على اخلالات على مستوى الاجراءات المتعلقة بعملية "فوترة باهظة التكاليف" حسب ادّعاء المعارضة. وعلاوة على ذلك، فقد تسببت عملية الاقتناء المكلفة المذكورة في ارتفاع أصوات المعارضة التي تنتقد مثل هذه المصاريف المفرطة في بلد فقير جدا (تم تصنيفه في المرتبة الاخيرة من قبل مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة سنة 2014).

ورغم تسلّم الطائرة، منذ 31 أغسطس/ آب الماضي، إلاّ أنّ التجاذبات حولها لا تزال قائمة الى حد الساعة. "نعتقد بوجود تلاعب ومغالطة واختلاس وتحويل لوجهة أموال عمومية، وباختصار ثمة جريمة اقتصادية حقيقية" بحسب ما صرح به للأناضول "سايني عمرو" رئيس الحركة الوطنية من اجل مجتمع التنمية.

ومن جانبه، قال رئيس النيجر محمدو يوسوفو، في حديث أدلى به، مؤخرا، إلى مجلة "جون أفريك" الفرنسية، إنّ "الطائرة السابقة التي يرجع تاريخ اقتنائها الى سبعينيات القرن الماضي لم تعد في حالة تسمح لها بالطيران"، مضيف إنّه "وقع تسجيل تكاليف الشراء ضمن مصاريف الميزانية، كما تمت مناقشتها في البرلمان، ثم إن صندوق النقد الدولي لم يعترض عليها لأنه لم يكن ثمة ما يدعو الى ذلك. وباختصار فإن كل شيء قد تم في نطاق الشفافية".

"مطبات" سياسية في أجواء بلدان افريقية تحدّت حكوماتها ميزانية الدولة الضعيفة، واقتنت طائرات رئاسية باهضة الثمن.. نفقات "مجحفة" وفي "غير مكانها" تستثمرها المعارضة للضغط على النظام الحاكم وإبراز مواطن الوهن فيه.. سيناريو متواتر منذ عقود في بعض بلدان القارة السمراء، فمنذ ما يزيد عن العقد من الزمن، أدين عدد من كبار الموظفين الكاميرونيين من قبل عدالة بلدهم، وأودعوا السجن ضمن قضية متصلة بطائرة الرئيس الكاميروني الحالي "بول بيا".