يعمل إخوان ليبيا جاهدين لفرض سيطرتهم على مؤسسات الدولة وتمرير مشاريعهم السياسية لتحويل وجهة المسار الانتقالي نحو دولة القانون والديمقراطية. ولعل التواطؤ المعلن مع الميليشيات المسلحة والمجموعات المتشددة يقيم الحجة على سعي تيار الإسلام السياسي الذي لفضه صندوق الاقتراع لإضعاف الدولة عبر نشر الفوضى.

ووصفت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية الأوضاع الأمنية المتدهورة في ليبيا بـ”الخريف الإسلامي” بسبب سطوة تيار الإسلام السياسي المدعوم من قطر ومحاولته التغول للسيطرة على مؤسسات الدولة.

وقال كيم سنغولتا، مراسل الشؤون الدفاعية في صحيفة “الإندبندنت”، إن “الإسلاميين الذين فشلوا في الحصول على مقاعد في البرلمان الليبي من خلال الانتخابات قاموا باختطاف البلاد”.

وذكر في تقرير بعنوان “ليبيا من الربيع العربي إلى الخريف الإسلامي”، أن السبب ليس فشل الديمقراطية بل على العكس، نجاحها هو أحد الأسباب التي عطّلت المسار الانتقالي في إشارة إلى سيطرة إخوان ليبيا على المؤتمر الوطني العام، ومحاولتهم فرض نمط مجتمعي وقوانين إسلامية متشددة خدمة للتنظيمات الجهادية المتواطئين معهم.

وأشار التقرير إلى أن التدخل الأجنبي ليس سببا في الانفلات الأمني والفوضى التي تعيش على وقعها ليبيا منذ سنوات، معتبرا أن الوضع الحالي يتطلب مزيدا من التدخل الدولي لوضع حدّ نهائي للتسيب ولمكافحة الإرهاب.

وقال إن ليبيا هي البلد الذي كان يعتقد أن الربيع العربي فيه لن يتبعه خريف إسلامي، كما حصل في تونس ومصر، حيث وصل حزب النهضة الإسلامي إلى السلطة في تونس، بينما وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في مصر. وأكد سنغولتا في التقرير أن الانتخابات التي جرت في البلد سارت بشكل عادل، وأن الناخبين قرروا بحرية لمن يعطوا أصواتهم.

ومعلوم أن ليبيا شهدت في الآونة الأخيرة أحداثا سياسية غير مسبوقة بلغت ذروتها بتصاعد وتيرة الخلاف الدائر بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني من جهة وبين حكومتي عبدالله الثني وعمر الحاسي من جهة أخرى، ويعمل إخوان ليبيا على عرقلة المسار الانتقالي وذلك بالتنكر لشرعية البرلمان المنتخب، وقد دفع الوضع بعض الدول مثل فرنسا إلى اقتراح التدخل العسكري في ليبيا لحل الأزمة الخانقة خاصة مع تصاعد نشاط التنظيمات الجهادية المتشددة.

وجدير بالذكر أن مسألة التدخل الأجنبي في ليبيا أثارت منذ تنامي نشاط الجماعات الجهادية وتصاعد أعمال العنف جدلا حادّا بين الفرقاء، وقد كانت الحكومة الليبية بمعيّة الإخوان أوّل المنادين بالتدخل الأجنبي لوضع حدّ للفوضى وإعادة السيطرة على مؤسسات الدولة، لكنّها سرعان ما تراجعت عن موقفها باعتبار أن أغلب الدول المعنية بالشأن الليبي تساند القوى الليبيرالية في وجه التطرف والإرهاب.

وتتجه الأوضاع في ليبيا إلى مزيد من التعقيد، في ظل تصاعد أعمال العنف وتزايد الاشتباكات الحادة بين الميليشيات المسلحة وقوات حفتر المصرة على المضي قدما في معركتها ضدّ الإرهاب، ويعمل إخوان ليبيا جاهدين على الحيلولة دون وضع حدّ نهائي للانفلات الأمني واجتثاث الإرهاب وذلك بالتواطؤ مع المتشددين.

وساهم ضعف الدولة والحرب الطاحنة بين الميليشيات المسلحة في ليبيا بشكل خاص في ظهور مجموعات إرهابية صنعت من الساحل الأفريقي معقلا منيعا للإرهاب الدولي في ظل إمكانية تمدّد “داعش” إلى القارة الأفريقية، وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي للمنطقة.

هذا وأعلن تنظيم “أنصار الشريعة” مدينة درنة “إمارة إسلامية” ودعا في وقت سابق إلى تجمّع جماهيري في “ساحة الصحابة” وسط المدينة، لإبلاغ السكان بقرار مبايعته “داعش”، الذي ترافق مع عرض عسكري لـ”شرطة الإسلام”، هدفه إظهار الانضباط والسيطرة.

وأظهر التسجيل عناصر تابعة لداعش في مدينة درنة الليبية شوهدت لأول مرة بشكل علني، وهي تحمل رايات التنظيم وتردد شعاراته، حيث تجول المسلحون في شوارع المدينة، وهم يستقلون سيارات رباعية الدفع، ويرددون شعار “دولة الإسلام.. باقية” وهو شعار التنظيم المعروف.

ورغم الدعوات المتكررة لإعلان “أنصار الشريعة” تنظيما إرهابيا إلاّ أن إخوان ليبيا المتواطئين مع المتشددين رفضوا المصادقة في البرلمان على أي قانون يمكن أن يحُول دون تنفيذ مخططاتهم المتمثلة أساسا في منع القوى الليبرالية والتقدمية والمناهضة للتطرف من الوصول إلى الحكم ومن التمكّن من دواليب الدولة.

*نقلا عن العرب اللندنية