مع استمرار الجهود الاقليمية والدولية لانهاء الأزمة المستعصية في ليبيا، تبرز مسألة المرتزقة الموالين لتركيا كأحد أكثر المعظلات في المشهد الليبي حيث مازال النظام التركي مصرا على نكث تعهداته ومواصلة محاولات تأجيج الصراع في هذا البلد الممزق عبر اغراقه بالمرتزقة والارهابيين الذين يشكلون خطرا يتهدد الأراضي الليبية ويتجاوزها ليشكل خطرا اقليميا ودوليا.

إلى ذلك،قالت ستيفاني ويليامز مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه خلال محادثات جنيف الأسبوع الماضي إنجاز جوهري في الصراع.وأضافت المبعوثة الأممية إلى ليبيا في تصريحات لقناة "العربية"، أن الخطوة المقبلة ستكون العمل على إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد، في إشارة إلى المرتزقة السوريين الذين تنقلهم تركيا إلى طرابلس لدعم قوات حكومة الوفاق.

وأوضحت ويليامز أن الليبيين سئموا من القتال ويريدون العودة للاستقرار، وتابعت: "سيتم إنشاء قوات شرطة مشتركة ستنتشر في مناطق التماس في ليبيا".وأكدت أنه جار العمل على دمج المجموعات المسلحة بالجيش الليبي، مشددة على أن الليبيين وحدهم يقررون شكل السلطة للمرحلة الانتقالية.

واتقفت الأطراف الليبية في 23 أكتوبر الماضي على وقف دائم لإطلاق النار بعد محادثات في جنيف استمرت 5 أيام.ومهد هذا الاتفاق للاعلان عن انطلاق المحادثات السياسية  في 26 من الشهر الجاري عبر الإنترنت،والتي أعلنت البعثة الأممية إلى ليبيا في وقت سابق أنها ستنتقل إلى العاصمة التونسية في التاسع من نوفمبر.

ويأتي موقف البعثة الأممية بالتزامن مع دعوات متواصلة لوقف التدخلاتت الخارجية واخراج المرتزقة من ليبيا.وطالب البرلمان العربي، مساء الخميس،في ختام الجلسة الأولى من دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الثالث التي انطلقت أعمالها بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، بإخراج المرتزقة من الأراضي الليبية، والتوصل إلى حل دائم وجذري للتهديد الذي تمثله المليشيات المسلحة.

وأكد البرلمان العربي،ضرورة توقف كافة أشكال التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية، في إشارة للدور التركي، مجددا رفض وإدانة الخروقات المتكررة لحظر السلاح المفروض من قبل مجلس الأمن، والاستقدام المنهجي للمقاتلين والمرتزقة الأجانب والعناصر الإرهابية إلى البلاد، مطالبًا بضرورة أن ينخرط الليبيون في عملية سياسية جادة ووطنية خالصة لمعالجة كافة جوانب الأزمة الليبية بأبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية المتداخلة.

ومن جهتها،جددت الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس، رفضها للتدخلات الأجنبية في ليبيا، مشيرة إلى أنها تلعب دور الوساطة بين الأطراف الليبية.وأكدت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية جيرالدين غريفيث وفي تصريحات صحفية،أن "تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا يفاقم الأزمة بها، والاتفاق الأخير بين الليبيين دليل على أن هناك رغبة من قبل جميع الأطراف الليبية لإنهاء هذه الأزمة".

وأثار التوافق الليبي ارتباك النظام التركي الساعي الى استمرار الصراع والفوضى في البلاد بما يخدم مصالحه ومخططاته في نهب الثروات الليبية ومد نفوذه في المنطقة.وسارع أردوغان الى التعبير عن انتقاده لاتفاق وقف اطلاق النار الدائم زاعما أنه "غير ذي مصداقية"، في موقف كشف بحسب الكثيرين اصرار النظام التركي على المضي قدما في محاولات اجهاض السلام في ليبيا.

وفي هذا السياق،حذر تقرير إخباري لموقع "المونيتور" الأمريكي، من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيسعى بكل تأكيد إلى تخريب اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، مشيرًا إلى أن الاتفاق لم يحظ بترحيب أنقرة؛ لأنه يدعو إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا، وهو ما يعني خسارة تركيا لمنطقة نفوذ إستراتيجية.

ولفت التقرير إلى أن أردوغان، هو الوحيد الذي انتقد اتفاق وقف إطلاق النار برعاية أمريكية في ليبيا، رغم ترحيب الأمم المتحدة ومعظم الدول بهذا الاتفاق، معتبرًا أن سبب الموقف التركي، هو أن الاتفاق ينص على انسحاب جميع القوات الأجنبية بما فيها القوات التركية وخاصة من قاعدة "الوطية" العسكرية الإستراتيجة غرب ليبيا وقاعدة "مصراتة" البحرية.

وأعرب التقرير عن اعتقاده أن أردوغان ليس له "مصلحة في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار" في ليبيا؛ لأنه لا يريد الخروج من ذلك البلد العربي، معتبرًا أن الرئيس التركي بإمكانه تخريب الاتفاق، نظرًا لنفوذه القوي على بعض الأطراف، وخاصة الجماعات الإسلامية.وأكد التقرير أنه ما لم تقرر الدول الغربية اتخاذ موقف حازم تجاه أردوغان، فانه سيواصل مغامراته واستفزازاته، وسيسعى بكل تأكيد إلى تخريب اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا.

وسرعت أنقرة مؤخرا من تحركاتها في ليبيا لضمان استمرار وجودها حيث أعلنت عن اشرافها على تدريب العشرات من عناصر من قوات حكومة الوفاق،وهو ما اعتبره مراقبون "استباقا لأي عملية تفكيك وإعادة دمج القوى المتقاتلة في الساحة الليبية، في خطوة تهدف من خلالها إلى ضمان وجود وحدات موالية لها ضمن أي جسم عسكري يشكل برعاية دولية في هذا البلد.

كما استأنفت تركيا مؤخرا عمليات ارسال الاسلحة والمرتزقة الى الاراضي الليبية بهدف تأجيج الصراع في البلاد ،حيث كشف موقع "ايتاميل رادار"،الإيطالي الذي يرصد تحركات الطيران العسكري في المنطقة،عن تعزيز تركيا لجسرها الجوي إلى مدينتي طرابلس ومصراتة، وإرسالها رحلات شحن لطائرات عسكرية عملاقة.

كما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان،استئناف تركيا ف لعمليات نقل المرتزقة الى الأراضي الليبية.وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن إن تلك الدفعة الجديدة من المرتزقة تأتي بعد إعادة نحو 9300 مرتزق آخرين من ليبيا إلى الأراضي السورية، إثر رفضهم المشاركة في ساحات القتال بأذربيجان.

وتتصاعد الاصوات والدعوات المطالبة باخراج المرتزقة من الأراضي الليبية نظرا لخطورتهم على جهود السلام في البلاد.ورغم ذلك تواصل أنقرة إرسال المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي، على ردع أنقرة وإلزامها بانهاء تدخلاتها المتواصلة التي تسعى من خلالها الى تأجيج الصراع في البلاد استمرارا لمخططاتها لنهب الثروات الليبية ومد أذرعها في المنطقة عموما.