يحتفل في الثامن من آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وعلى الرغم من أن هذه المناسبة فقدت في بعض الدول أصلها السياسي الذي نشأت منه، وتحولت في بعض الحالات إلى أشبه بمناسبة اجتماعية لا أكثر ولا أقل، لكن يبقى لهذا التاريخ مكانته فهو لم يأت من فراغ بل هو قصة المرأة العادية صانعة التاريخ والتي يعود أصلها على مر القرون لنساء يبحثن عن تواجد ودور وعن مشاركة وحقوق وإنصاف في كل زمان ومكان ...ولا أكون مجانباً للصواب إن قلتُ إنه لم يُجعل يوم محدد في العام للمرأة بل جُعلت سائر أيام العام لها، وربما الأغلبية تعتقد أن الغرب قد خصص هذا اليوم للاحتفال بالمرأة، وذلك بعد أن وصلت المرأة إلى مكانة لائقة وهو يريد أن ينشر هذا المفهوم بحيث تحذو الدول، والشعوب الأخرى حذوه، ولكنّ المفارقة هي أن هذا العيد قد استُحدث كي يتذكر العالم الظلم الذي لحق بالمرأة...

وإذا كنا أو كانت الدول والحكومات والمنظمات الأممية المعنية باليوم العالمي للمرأة من ناحية الاحتفال وإقامة العديد من النشاطات وورش العمل، فيفترض في هذا اليوم أن تفتضح فيه كل أنواع العذابات التي تتعرض لها المرأة اليوم في شرقنا وغربنا وشمالنا وجنوبنا على امتداد القارات الخمس. صحيح أنه وبالمعنى النسبي استطاعت المرأة إنجاز الكثير من الحقوق في أكثر من ساحة عربية، غير أنه من الصحيح القول أيضاً: إن عدد هؤلاء الرائدات لا يتناسب وحجم المرأة العددي في مجتمعاتها، وكذلك من الصحيح القول أيضاً إن الأمية لا تزال متفشية بين صفوف المرأة في الكثير من المجتمعات العربية، بسبب النظرة الدونية لها، كذلك الفوارق بين وضع المرأة في المدن ووضعها في القرى والأرياف. وللمتسائلين عن قدرات المرأة على حلّ الملفات العالقة والشائكة، أقول ببساطة أفلا يحكم العالم اليوم في أغلبيته الرجال؟ حيث لا تحتلّ المرأة إلا نسبة صغيرة من مواقع صنع القرار في العالم، وما هو حال العالم اليوم؟ هل تمكّن هؤلاء من حلّ الملفات الشائكة سواء في بلدانهم أو على مستوى المنظمات الدولية والمنتديات العالمية، أم إنّ الافتراض السائد هو أنّ العالم بخير لأنّه من الطبيعي أن تكون مقاليده بيد الرجال، وأنّ الخطورة تكمن في تولّي المرأة مناصب قيادية نتيجة عدم الثقة بمقدراتها، وإلى أين يمكن أن تؤول الأمورهذا الافتراض بحدّ ذاته يشكّل انتقاصاً من مكانة المرأة، وقدرتها على الأداء المتميّز العالمي، فكما أنّ نسبة الرجال الذين قدّموا خدمات مميّزة للبشرية قليلة، كذلك قد تكون نسبة النساء، ولكن هذا ليس بسبب النوع البشري، وإنما بسبب طبيعة البشر وإمكاناتهم.

وفي هذا السياق كشف تقرير للأمم المتحدة للمرأة، أن عدم المساواة والتمييز والعيوب التي يمكن أن تواجهها النساء والفتيات في حياتهن العائلية وعلاقتهن ليست طبيعية ولا حتمية، لذلك فإن التحدي الملح الذي يواجه واضعي السياسات والناشطين والناشطات والأشخاص في جميع مناحي الحياة، وهو تحويل العائلات إلى أماكن للمساواة والعدالة لتصبح نقطة انطلاق يمكن للنساء والفتيات من خلالها إعمال حقوقهن. وكشف التقرير زيادة سن الزواج في جميع المناطق، بينما انخفضت معدلات المواليد، وزادت النساء من الاستقلال الاقتصادي. فعلى الصعيد العالمي، ما يزيد قليلاً على ثلث الأسر (38 في المائة) من الأزواج الذين يعيشون مع أطفال، والأسر الممتدة (بما في ذلك الأقارب الآخرون) شائعة تقريباً (27 في المائة)، وتتولى النساء قيادة الغالبية العظمى من الأسر الوحيدة الوالد، والتي تمثل 8 في المائة من الأسر، وغالباً ما تتناغم بين العمل المدفوع الأجر، وتربية الأطفال والعمل المنزلي غير المأجور. كما يوضح التقرير أنه يمكن للعائلات أن تكون أماكن للرعاية، ولكن يمكنها أيضاً أن تجلب النزاعات وعدم المساواة، وفي كثير من الأحيان العنف. واليوم، يعيش 3 بلايين امرأة وفتاة في بلدان لا يتم فيها تجريم الاغتصاب في إطار الزواج. لكن الظلم والانتهاكات تتخذ أشكالاً أخرى أيضاً. ففي واحدة من كل خمسة بلدان، لا تتمتع الفتيات بحقوق الميراث ذاتها التي يتمتع بها الأولاد، بينما في بلدان أخرى (أي ما مجموعه 19 دولة)، يطلب من النساء بموجب القانون إطاعة أزواجهن. ونحو ثلث النساء المتزوجات في البلدان النامية يفدن بأن لهن رأياً بسيطاً في الرعاية الصحية الخاصة به. وتستمر المرأة في دخول سوق العمل بأعداد كبيرة، لكن الزواج والأمومة يقللان من معدلات المشاركة في القوة العاملة، والدخل والمزايا التي تأتي معها. فعلى الصعيد العالمي، هناك ما يزيد قليلاً على نصف النساء المتزوجات اللائي تتراوح أعمارهن بين 25 و54 عاماً في القوة العاملة، مقارنة بثلثي النساء غير المتزوجات، و96 في المائة من الرجال المتزوجين، كما تظهر بيانات جديدة في التقرير. ومن العوامل الرئيسية وراء عدم المساواة هذه هي استمرار النساء في تقديم الرعاية غير المدفوعة الأجر والعمل المنزلي بأكثر من ثلاثة أضعاف أداء الرجال في غياب خدمات الرعاية الميسورة التكلفة.

اليوم، للأسف، فإن الكثير من الرجال، ممن يحملون شعارات المناداة بحرية المرأة، هم من أكبر من يظلمها على صعيد البيت، فالتنظير يكون للأخريات وليس لنساء بيت الرجل، هذه الصورة تنطبق أيضاً على الكثير من الأحزاب العربية، التي تطلق إلى جانب أسمائها الوطنية التقدمية، لا تزال تضطهد حقوق المرأة في بنيتها التنظيمية، بدليل قلة عدد النساء بين صفوف هذه الحركات والأحزاب، وندرة وصول المرأة إلى مراتب قيادية فيها، هذا لا يعني على الإطلاق اعتبار النموذج الغربي هو الأصح بالنسبة لحرية المرأة، ففي الغرب الكثير من المظاهر التي يجري تسويقها باعتبارها عوامل إيجابية بالنسبة لممارسة المرأة لحريتها، لكنها في حقيقة الأمر تحمل في مضامينها طابع اضطهاد المرأة، كاعتبارها سلعة... ورغم كلّ ما يدّعيه الغرب من تقدم في الموقف من المرأة، فما زالت النظرة الدونية للمرأة سيدة الموقف إلا من قبل نخبة ضئيلة لا تستطيع أن تحدث فرقاً حقيقياً على مستوى المجتمعات بأسرها، قد لا يعلم البعض أنّ الدول الغربية التي يحلو لنا نحن العرب أن نطلق عليها اسم "الدول المتقدّمة" لم تكلف نفسها عناء توفير بيئة مناسبة للمرأة العاملة تمكّنها من منافسة حقيقية مع زميلها الرجل، ومع ذلك لا أحد يذكر اختلاف الظروف جذرياً لدى إجراء المقارنات. لقد سبّبت هذه الإشكالية عزوف نسبة من النساء في الدول الغربية عن الإنجاب لأنّهنّ أدركن أنه عليهنّ أن يخترن بين الأمومة والمهنة، هذا الخيار الذي يؤكّد عدم ارتقاء النظرة للمرأة إلى شريك كامل الشراكة، ولهذا فإنّ كثيراً من هذه الدول تعاني اليوم من ضآلة نسبة الشباب وارتفاع نسبة الفئة العمرية في مرحلة الشيخوخة، والتي يحاولون تعويضها من خلال استقدام المهاجرين الأطفال والشباب بدلاً من تعديل القوانين وأساليب العمل والنظرة الاجتماعية التي أوصلت المجتمعات إلى ما وصلت إليه.

في هذا المفصل الخطير، قد يكون استدعاء طاقات المرأة والفئات التي درج العالم على تهميشها بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو الجذور عملاً ضرورياً لتفجير طاقات كامنة قد تساهم في وضع رؤى وحلول ومفاهيم تساهم في تصويب بوصلة العالم واستعادة القيم الإنسانية والأخلاقية الرائدة إلى مراكز القرار والعمل والإنتاج، فالمرحلة الاستثنائية التي يمرّ بها عالم اليوم في كل أركانه من غربة الزمن تستدعي ابتكار حلول غير تقليدية وتفكير خلّاق ومبدع تنخرط به النساء والرجال والإثنيات والقوميات وجميع الأعراق والأديان في عملية إنقاذية يشعر الجميع على هذه البسيطة بضرورتها من دون أن تتوافر خريطة طريق لها بعد. لقد وصل عالم اليوم إلى مكان لا يحسد عليه، حيث تكاد قوى المال تتحكّم بمفاتيح العمل والأسلوب والتصرّف، وتهمّش كل من لا يتفق معها في هذا المسار، حيث بدأنا نشهد أنماط تفكير وأساليب عمل كانت منبوذة حتى قبل فترة قصيرة، ويتمّ الترويج لها وتعويد الأذواق على استساغتها رغم أنها مدمّرة للأسرة والروابط التي شهدتها الإنسانية منذ بدء الخليقة حتى اليوم، ولذلك فإنّ ما يحتاجه العالم بين النساء والرجال، وبين مختلف الأعراق وأتباع الديانات هو تكافؤ الفرص وليس المساواة، أي تكافؤ الفرص كلّ حسب طبيعته وإمكاناته والمهام الطبيعية التي أسندت إليه في هذه الحياة. 

خلاصة الكلام: في يوم المرأة العالمي: تحية للمرأة الأم والأخت والزوجة والبنت و... في يومها الذي هو يوم الرجل بمن هو الأب والأخ والزوج والإبن. وسبحان الله القائل في محكم كتابه الكريم: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" سورة الروم 21.


*كاتب صحفي من المغرب.