في إطار لعبة الأمم تحاول روسيا البحث عن موطئ قدم لها في ليبيا واستغلال الأزمة والصراع بين الفرقاء لتكون ليبيا بوابة لنفوذها في شمال أفريقيا ولتوجيه رسالة إلى خصومها من الدول الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بأنها تستعيد دورها العالمي الذي خسرته منذ سقوط جدار برلين. لذلك،فإن الحضور الروسي خاصة من أحداث 2011 يعتبر نشيطا في الساحة الليبية خاصة بعد أن عبرت موسكو عن ندمها لعدم إستعمال حق الفيتو لنقض قرار مجلس الأمن لسنة 2011 الذي تم إستعمالها كمطية لإزاحة نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

من ذلك،كشف مقال على موقع مجلة "فورين بوليسي" أن روسيا تسعى إلى منع انزلاق ليبيا في الفوضى، وهو ما فشلت فيه واشنطن. وأشار المقال إلى أن ليبيا باتت بؤرة صراع ساخنة منذ أن مزقتها الانتفاضة التي اشتعلت في عام 2011 وأنهت حكم العقيد معمر القذافي. تتصارع الآن عدة قوى للسيطرة على الدولة المفككة على رأسها حكومة الوفاق الوطني المدعومة أمميًا والجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر وقد انحازت القوى الدولية لمختلف أطراف الصراع. ويؤكد المقال أن المراقبين الغربيين يشعرون بالقلق من دعم روسيا لحفتر.

في بداية الصراع في طرابلس،دعا الكرملين أمس "كل الأطراف" الليبية مجددا، لتجنب "إراقة الدماء" في طرابلس. وقد منعت روسيا   صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي يدعو قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لوقف عملياتها في طرابلس وكانت بريطانيا التي دعت إلى عقد تلك الجلسة اقترحت صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن، لكن روسيا اعترضت على ذلك فغاب الإجماع وسقط المقترح البريطاني.

في وقت سابق،أعربت روسيا، الخميس، عن أملها بتسوية الأوضاع في ليبيا بالطرق السياسية، دون تطبيق السيناريو العسكري. ىجاء ذلك على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في أول تعليق رسمي على تصعيد الأوضاع بالمنطقة الغربية في ليبيا، حسبما أفادت قناة روسيا اليوم.

وقالت زاخاروفا، ردا على سؤال حول آفاق حل النزاع في ليبيا عسكريا: "نأمل في عدم تطبيق هذا السيناريو". وأضافت زاخاروفا: "ننطلق من ضرورة تسوية الأزمة عبر الطرق السياسية الدبلوماسية، ونبذل جهودا من أجل ذلك على مدار عدة سنوات". محللون عسكريون يرون أن ليبيا تشكل "لغزا" دبلوماسيا بالنسبة لموسكو، وبهذا السياق يقول المحلل العسكري الروسي  بافل فيلغِنهاوَر إن "روسيا لن تعلن انحيازها لأي طرف على الملأ".

جدير بالذكر أن حفتر والسراج زارا روسيا، حيث  زار حفتر موسكو ثلاث مرات منذ عام 2016، وأبحر على متن حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنتسوف عام 2017، وذلك لحضور مؤتمر جمعه بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. في نفس الإطار،كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، عن سعي روسيا إلى الدخول بثقلها على خط الأحداث السياسية في القارة السمراء. وأتت ليبيا من ضمن أبرز الدول التي تسعى روسيا للتأثير فيها، بعد السودان وأفريقيا الوسطى ومدغشقر، لمنافسة الوجود الفرنسي والبريطاني والأميركي في القارة.

وكشف مقال الصحيفة البريطانية عن سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لخلق تعاون وثيق بين بلاده وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، حيث يشير المقال إلى زيارة المشير الأخيرة إلى روسيا في نوفمبر الماضي ولقائه وزير الدفاع سيرغي شويغو. ولا يقتصر الدور الروسي على التعاون العسكري فقط، بل كذلك المساهمة في استقرار البلاد، والتحضير لانتخابات خلال العام الحالي ألفين وتسعة عشر.

ولفت المقال إلى رجل الأعمال الروسي يفيغني بريغوزين وأنه رأس حربة التوجه الروسي، كونه أحد أقوى رجال بوتين، ويشار إليه على أنه كبير طباخيه.

وبنى المقال معلوماته على وثائق مسربة تكشف خطة السياسات الروسية في أفريقيا، بداية من التعاون السياسي والعسكري، وصولا إلى التأثير عبر وسائل إعلامية موزعة على طول القارة، باللغات الفرنسية والإنجليزية، ليكشف بذلك جزءا من صراع النفوذ والتأثير، وانضمام روسيا إلى فرنسا وبريطانيا والمملكة المتحدة في الوجود في أفريقيا.

ويرى مراقبون أن الحضور الروسي في ليبيا مرده الحرب الباردة الغير معلنة إذ بات واضحا أن الدب الروسي تجاوز إنتكاسة إنهيار المعسكر الشرقي و عاد إلى الساحة الدولية بكل قوة و قد كسب الرهان في الساحة السورية إلا أنه واع تمام الوعي أن الواقع على الأرض الليبية مختلف تماما.