يبدو أن الصراع” ربما يستمر طويلا طالما أن الجميع على رضا تام بوضعه الحالي، لكن المؤكد أن المواطن المصري هو الخاسر الأول والأخير. أنه من المفيد لما بعد الإسلاموية في مصر أن تتأخر مأسستها، وذلك كي لا تتأثر بالنموذج التركي الذي اختار سياسة اقتصادية ليبرالية اجتماعية للخروج من المآزق المعضلة للاقتصاد التركي. وفي خضم هذه الإشكاليات والتحديات يكمن أمل كبير في أن يُنتج النموذج المصري من ما بعد الإسلاموية السائلة أطروحات معرفية أعمق أصالةً تنسف ثنائية الحداثي – ما بعد الحداثي التي لم يعشها يومًا واقع المجتمعات العربية.
كست سياسات قطر تقييماً دقيقاً لمصالحها في مختلف البلدان التي تشهد اضطرابات، فسَعَت إلى التدخّل بشكل مباشر وغير مباشر في ليبيا وسورية بذريعة البحث عن حلول عربية للمشاكل العربية، ووفّرت مساعدات اقتصادية في تونس ومصر. إلا أن الدوحة اقتصرت على التنسيق الحذر مع خطوات مجلس التعاون الخليجي لإعادة إرساء النظام السياسي في البحرين واليمن، معترفةً بالنفوذ الأكبر للمملكة العربية السعودية في هذه البلدان، والتهديد المحتمل الذي قد تشكّله الثورات الناجحة في الخليج للاستقرار قرب حدودها.
وهنا تتعاظم قيمة تحرر ما بعد الإسلاموية من الليبرالية الاقتصادية، حتى لو كانت ليبرالية جديدة أو اجتماعية، وسيكون من مصادر ثرائها أن تتضمن بعض الجوانب الاشتراكية الأهلية (بعيدًا عن ارتباطها بالدولة). في لحظات تاريخية محددة تنتشر أفكار معينة ومفاهيم حاكمة، ويجري تداولها على نطاق واسع لتصبح من بديهيات أو مسلمات الخطاب العام السائد في المجتمع. وبالتالي تستخدم هذه الأفكار والمفاهيم وتوظف إعلامياً وسياسياً، من دون مراجعة أو تفكير نقدي، على رغم أن التحليل النقدي قد يثبت أن هذه الأفكار والمفاهيم تتسم بالغموض وتفتقر للمنطق، وتخاصم الواقع، وغير قادرة على استيعاب وتفسير تحولات المجتمع. ولعل الخطاب العام السائد في مصر يقدم نموذجاً لمثل هذه الأفكار والمفاهيم الفاسدة والمغلوطة والتي تزيد الارتباك والعجز عن فهم وتحليل الواقع.
مثل هذه الممارسة الخطابية لا تنفرد بها مصر، فهي حالة عربية عامة ترجع في بعض أسبابها إلى سلفية العقل العربي وخوفه الشديد من التفكير النقدي والتجديد في الفكر والممارسة، وغلبة السياسي على الثقافي.
تجاوزاً في مصر الحراك السياسي هو التعبئة السياسية، والذي يقصد به تصاعد اهتمام قطاع كبير من المواطنين بالسياسة واندراجهم في أشكال تنظيمية تمكنهم من المشاركة السياسية على نطاق واسع، مع قدرتهم على تعبئة الموارد الضرورية للفعل السياسي الجماعي. وقد يقع هذا الفعل السياسي ضمن الأطر الرسمية للنظام – كالأحزاب والنقابات - أو غير الرسمية كحركات الرفض الاجتماعي والسياسي التي تعمل خارج النظام السياسي وتسعى لتقويضه وإنشاء نظام سياسي جديد. و
لا شك أن المفهوم السابق لا ينطبق من بعيد أو قريب على ما يجري في مصر، فمشاركة المواطنين في الأحزاب الرسمية أو غير الرسمية محدود للغاية، كما أن مشاركتهم في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى بلغت 30 في المائة بحسب التقديرات الرسمية وما بين 4 إلى 6 في المائة بحسب تقديرات جمعيات حقوقية مستقلة قامت بمراقبة الانتخابات. وإذا نظرنا إلى أحزاب وحركات المعارضة بما فيها جماعة الإخوان فسنجد أنها تفتقر إلى المشاركة الجماهيرية الواسعة كما لا تتوافر لأغلبيتها الموارد الكافية للحشد والتحرك الفعال. فضلاً عن وجود قيود قانونية وأمنية تحول دون إمكانية تغيير هذا الوضع في المدى المنظور. لكن مكونات فكرة التغيير أو الإصلاح من داخل الدولة تنطوي على تناقضات منطقية وتاريخية، فثورة 1919 والتي جاءت بدستور 1923 الأكثر ليبرالية في تاريخ مصر الحديث لم تقم بها جماعة من داخل الدولة إلا إذا اعتبرنا سعد زغلول ورفاقه أشخاصاً من داخل الدولة على أساس أن بعضهم كانوا يعملون في القضاء وأجهزة الدولة.
لكنها كانت دولة احتلال وهو متغير يفقد فكرة التغيير جاذبيتها ومنطقيتها، فالدولة المصرية تحت الاحتلال البريطاني ليست هي الدولة الوطنية في عصر عبد الناصر والسادات. بل إن الدولة المصرية كانت شبه مستقلة في عصر محمد علي والخديوي إسماعيل بينما لم تكن كذلك في ظل ثورة 1919.
هكذا تتداعى الأسانيد التاريخية لفكرة التغيير من داخل الدولة، بخاصة إذا ما نظرنا إلى الفكرة من زاوية أنها تضفي قدراً من القداسة على الدولة، وتحديداً السلطة التنفيذية والجيش والأمن، وتهمش من قدرات المجتمع المدني. كما تصادر على قدرة أي جماعة أو شخص يسعى للإصلاح أو التغيير ولا ينتمي وظيفياً أو إدارياً لإحدى مؤسسات الدولة المصرية، ما يعني على مستوى الخطاب المضمر
. حزم عام 2014 أمتعته ورحل تاركا خلفه أحداث هامة تسيدت الساحة السياسية المصرية ورغم تباينها وتنوعها إلا أن الجميع يجزم علي إنها ستغير وجه مصر لسنوات طويلة .
الاستفتاء على الدستور: بدأ الاستفتاء بتصويت المصريين المقيمين في الخارج من 8 إلى 12 يناير 2014، ثم يومي 14 و15 من يناير داخل مصر، وشارك في الاستفتاء 38.6% من المسموح لهم بالتصويت، وأيد الدستور منهم 98.1% بينما رفضه 1.9% .
فوز عبد الفتاح السيسي بالرئاسة: أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية الفترة من 15 إلى 18 مايو (تم مدها حتى 19 مايو)لاقتراع المصريين في الخارج، ويومي 26 و27 مايو (تم مدها حتى 28 مايو) لإجراء الانتخابات في الداخل، وقد تمكن من الترشح كلٌ من المشير عبد الفتاح السيسى و حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي .
براءة مبارك من قتل المتظاهرين: 29 نوفمبر 2014 قضت محكمة جنايات شمال القاهرة المنعقدة برئاسة المستشار محمود الرشيدي، بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في قضية قتل متظاهري ثورة25 يناير . وحضر الرئيس الأسبق على كرسي متحرك وبعد النطق بالحكم قام نجله علاء بتقبيل رأسه، وقد سادت حالة من الفرح بين أبناء ومؤيدي الرئيس مبارك المتواجدين عقب سماع النطق بالحكم ببراءته ووزير داخلتيه، وتجمع عشرات من المتظاهرين أمام المتحف المصري بميدان عبد المنعم رياض، للتنديد بالحكم .
عودة مصر إلى حضن إفريقيا: في 17 يونيو 2014، قرر مجلس السلم والأمن الأفريقي في اجتماعه الاستثنائي برئاسة أوغندا، إلغاء تجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي، بعد دراسة التقرير الذي قدمته لجنة حكماء أفريقيا برئاسة ألفا عمر كوّنارى حول الأوضاع في مصر في أعقاب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، والذي أوصى بعودة مصر للاتحاد الأفريقي. تم اتخاذ هذا القرار بالإجماع، وذلك خلال الاجتماع الذي عقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على مستوى المندوبين الدائمين، حيث قررت الدول الـ15 الأعضاء في المجلس عودة مصر إلى مكانها الطبيعي داخل الاتحاد الأفريقي.
أن الانتخابات في مصر من بين أهم الأحداث المتوقعة في العام الجديد، وقالت إنه بعد أشهر من الاضطراب، من المقرر أن تجرى مصر انتخابات برلمانية في العام الجديد لتكمل خطة الانتقال السياسي
مصر هي العمق الاستراتيجي للدول العربية؛ واستقرارها يعني استقرارا للمنطقة بشكل عام. استهداف الدول العربية؛ وفي مقدمها دول الخليج؛ يستوجب أولا إضعاف مصر؛ ونزع القيادة عنها؛ وهذا ما اجتهد الغرب لتحقيقه من خلال الثورة الأولى؛ وتقديم حكم مصر لـ«الإخوان»؛ وفق إستراتيجية استخباراتية محكمة. أزعم أن الدعم الغربي لجماعة الإخوان المسلمين بُني على هدف اختراق الدول العربية وفي مقدمها السعودية؛ فالعلاقات الأميركية؛ الإيرانية الإخوانية كانت ظاهرة بجلاء؛ ونوايا التقسيم؛ ونشر الفوضى كانت حاضرة؛ وفتح أبواب مصر على مصراعيها للإيرانيين بدأت منذ اليوم الأول للحكم الإخواني. مخطط استراتيجي مدمر بدأ من مصر على أمل التوسع فيه نحو دول الخليج؛ وهو ما دفع السعودية لاتخاذ موقف حاسم ومضاد له؛ وللدول الداعمة؛ وعلى رأسها أميركا؛ التي يُعتقد أنها كانت خلف أحداث المنطقة؛ وما لحق بها من ويلات ودمار باسم «الربيع العربي» والديمقراطية!
العلاقات الإستراتيجية دفعت بالحكومة السعودية إلى اتخاذ مواقف جريئة؛ ومضادة لرغبات القوى العالمية الداعمة لحكم الإخوان في مصر. انحازت السعودية إلى رغبة الشعب المصري؛ ودعمت الجهود الموجهة لتصحيح أخطاء الثورة؛ وإعادة الأمن والاستقرار؛ واللحمة العربية المفقودة. لم تكن العلاقات السعودية المصرية وليدة اللحظة؛ فالعام الحالي يصادف الذكرى 88 لتوقيع الملك عبد العزيز؛ رحمه الله؛ معاهدة الصداقة بين البلدين. مرت العلاقات السعودية المصرية بتجاذبات متفرقة، إلا أن الرؤية الإستراتيجية؛ والأهداف المشتركة؛ ووحدة المصير كانت تنتصر دائما؛ فتعيد العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه من قبل. قامت العلاقات الأخوية على الاحترام المتبادل؛ والمصالح المشتركة؛ والعلاقات الاقتصادية الوثيقة؛ فثروات النفط المتدفقة على السعودية كانت في حاجة دائمة إلى الأيدي العاملة المحترفة للمساهمة في مشروعاتها التنموية؛ والتي كانت مصر من مصادرها الرئيسة.