في سابقة تاريخية، فقدت فرنسا "هيمنتها" وحضورها كشريك رئيسي يتربع على عرش الشراكات الدبلوماسية والإستراتيجية والإقتصادية وغيرها، مع دول المغرب العربي. بدءا بتونس وليبيا مرورا بالجزائر والمغرب وصولا إلى موريتانيا. ورغم أن فرنسا تحتل المركز الأول من حيث عدد المستثمرين  في المغرب إلا أن ذلك لم يمنع تراجعها أمام الهيمنة الإسبانية على الشراكات المغربية.

يرى الخبراء والمحللون أن المغرب يعدّ الحل الأخير أمام فرنسا على الخارطة المغاربية، وحضورها في منطقة شمال إفريقيا كمركز رئيسي لتموقعها في إفريقيا خاصة بعد فقدان تمركزها مع حليفتها المغاربية الرئيسة تونس ثم التصدع المدوي في علاقاتها مع الجزائر أكبر الدول المغاربية وأهم منتجي الغار في العالم، طبعا مع سوء تموقعها في الأزمة الليبية خاصة وأن ليبيا قبل 2011، لم تكن قط الشريك الأول لفرنسا.

بدأت العلاقات الدبلوماسية الفرنسية المغربية تسجّل برودا لافتا منذ أواخر العام 2020، لتتعمق الأزمة الباردة بين الطرفين صائفة العام الماضي،يوليو 2021، على خلفية قضية "بيغاسوس" واتهام باريس الرباط باختراق هواتف الكثير من الشخصيات البارزة، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانوال ماكرون، عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس".لكن الحكومة المغربية نفت هذع الاتهامات رافضة ما وصفته بـ"الادعاءات الزائفة" التي لا ترتكز "على أساس من الواقع".


لتعلن فرنسا في بعد الحادثة بشهر واحد، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بدعوى "رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها". قرار استنكره وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الرباط، ووصفه بـ"غير المبرر لمجموعة من الأسباب".توترات دبلوماسية ليست بالجديدة إطلاقا خاصة مع الأزمة المشابهة في عهد قرنسوا هولاند في 2014.

أما على الصعيد الاقتصادي، وبالرغم من أن المغرب أول وجهة للاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية، وذلك بأكثر من 950 فرعاً لشركات البلد الأوروبي التي توفر نحو 100 ألف فرصة عم، إلا أن فرنسا تراجعت إلى المركز الثاني كزبون للمملكة المغربية فاسحة المجال لإسبانيا، فخلال عام 2020، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والمال المغربية، شهدت المبادلات التجارية بين البلدين نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، رغم التوتر الدبلوماسي الذي يسود علاقاتهما.

 وحسب المعطيات التي نشرها المكتب الاقتصادي والتجاري بسفارة إسبانيا في الرباط، فإن المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا، بلغت حوالي 16,8 مليارات أورو خلال السنة الماضية،  كما شهدت المبادلات التجارية بين البلدين طفرة في العقدين الماضيين، حيث انتقلت قيمتها من 22,3 مليارات درهم سنة 2000 إلى 56.9 مليارات درهم سنة 2010، لتقفز إلى 132,7 مليارات درهم سنة 2017، ثم 144 مليار درهم سنة 2020.

وأصبحت الصادرات الإسبانية إلى المغرب تشكّل النصف من إجمالي صادراتها نحو القارة الإفريقية حيث حققت  ارتفاعا بنسبة 29,2 في المائة، بعدما انتقلت من 7,3 مليارات أورو سنة 2020 إلى 9,5 مليارات أورو سنة 2021. وكان معدل صادرات إسبانيا إلى المغرب خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2019 يتراوح ما بين 7 مليارات يورو و8,4 مليارات أورو، ليشهد ارتفاعا لافتا بعد ذلك. أما الصادرات المغربية نحو إسبانيا، فقد شهدت بدورها نكوا ملحوظا خلال السنة الماضية بحوالي 14,6 في المائة، حيث ارتفعت من 6,3 مليارات أورو سنة 2020 إلى 7,3 مليارات أورو سنة 2021.

في شهر أفريل/ أبريل من العام الحالي، شهدت العلاقات الدبلوماسية المغربية- الإسبانية انتعاشة غير مسبوقة بعد سنوات التوتر الطويلة. لتجمع وليمة إفطار مغربية العاهل المغربي محمد السادس برئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز في "مصالحة تاريخية" أكد على إثرها الطرفان فتح مرحلة جديدة من الشراكة بينهما على "أسس أكثر صلابة" واستئناف التعاون في مجالات . 


كما أكد بيان صادر عن الطرفين على ضوء المصالحة، التزام مدريد والرباط معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك "بروح من الثقة والتشاور، بعيدا عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع". وأعلن البيان المشترك عن خارطة طريق "دائمة وطموحة" تغطي جميع قطاعات الشراكة لتجسيد المرحلة الجديدة في علاقات البلدين. ومن أول "أهدافها استئناف حركة نقل البضائع بشكل طبيعي في المعابر الحدودية لسبتة ومليلية". 

نقطة تحول مفاجئة في العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية ستعزز الأرقام الاقتصادية المسجّلة وتوسّع نطاق الشراكات بين البلدين مزحزحة بذلك الحضور الفرنسي المتصّدع خاصة مع الحضور الصيني الملموس والهام كشريك قوي في المنطقة بأكملها.