اعتبر أكاديميون ولغويون الأحد بالدار البيضاء، أن المغرب في حاجة اليوم إلى فتح نقاش أكاديمي ومجتمعي يؤسس لتدبير عقلاني ومتوازن للتعدد اللغوي والثقافي بالمملكة.  

وأكدوا في ندوة، نظمت ضمن فعاليات الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب حول "التنوع اللغوي بالمغرب"، أن المملكة باتت تعيش واقعا ثقافيا جديدا بعد المقتضيات التي جاء بها دستور 2011، والمتعلقة بالتعدد الثقافي واللغوي، وينبغي التعاطي معه وفق رؤية متوازنة وموضوعية تكفل العدالة اللغوية داخل المجتمع.  

وبعد عرض مجموعة من المقدمات المحددة لمفهوم التنوع كاصطلاح، وكدلالة مجالية وبيئية وثقافية، أبرز المتدخلون أنه من الضروري اعتبار التنوع والتعدد الذي تتميز به المملكة منبعا لإغناء وإثراء الثقافة الجمعية، لا مصدرا للتصادم بين مختلف المكونات اللغوية، مشيرين إلى أهمية تكثيف الجهود الأكاديمية والبحثية لإنتاج الخبرات اللغوية المطلوبة، والتي بمقدورها تدبير هذا التنوع، والتأسيس لخطاب متجدد قادر على مواكبة التحولات والتطورات الوظيفية للغة، والانتقال بالنقاش العام من مرحلة التشخيص والتوصيف إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ.  

وشددوا على أهمية الاعتناء باللغة كحامل للهوية الوطنية، وكمرآة قيمية تعكس ثوابت الأمة ومقوماتها الروحية والحضارية، وعلى ضرورة إعادة الاعتبار للغتين العربية والأمازيغية، بما في ذلك الأنساق اللغوية المتفرعة عنهما، مجمعين على أنه لا يمكن فرض تنميط لغوي على مجتمع حيوي ومتحرك كالمجتمع المغربي، لما يمثله ذلك من عائق حقيقي أمام تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة.  

واعتبروا أن المقاربة الدستورية المتقدمة لمسألة التنوع اللغوي تشكل أرضية مثالية لنقاش أكاديمي رصين يقوم على ثلاث مقاربات محورية، تشمل المقاربة المؤسساتية من خلال إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والمقاربة القانونية عبر إيجاد إطار قانوني لتدبير التنوع اللغوي، ثم مقاربة علمية تستند إلى نقاش أكاديمي مفتوح بين الخبراء والمتخصصين والفاعلين الاجتماعيين لبلورة صيغ متوافق عليها للتعدد اللغوي بالمغرب.    

وخلصوا إلى أن النقاش اللغوي اليوم لم يعد نقاشا عرضيا أو مجالا لتجاذبات سياسية وفكرية، بل هو في قلب نقاش مسألة التنمية بالبلاد وتحقيق الانتقال الديمقراطي الكامل، مشددين على أنه صار من اللازم استخراج النموذج الملائم لبناء التعددية اللغوية الوطنية وفق الخصوصيات المحلية انطلاقا من الإقرار بالتنوع الثقافي واللغوي، واحترام السيادة الوطنية، والإجابة الصريحة والواضحة عن سؤال التنمية، والاعتراف بحق الآخر في الوجود مع استحضار العمق الثقافي والإقليمي للمملكة.   

وبشأن أهم الخلاصات التي خرج بها هذا اللقاء العلمي، أوضح منشط الندوة الأكاديمي مصطفى القباج أن النقاش أفرز عدة قناعات بخصوص وجود حاجة ملحة لصياغة سياسة واسترتيجية لغوية تهتم بكل الجوانب الإجرائية والتدبيرية المتعلقة بمسألة التنوع اللغوي في البلاد، وذلك بغرض إيجاد إطار يمكن له أن يوفق بين كل العناصر المشكلة للثقافة المغربية، علاوة على تحديد طرق معقولة لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة بكل تمظهراتها المرتبطة بالأمن اللغوي وأمن الأفراد وترسيخ الثقافة الحقوقية والتدبير الحكيم للشأن العام. 

وأضاف أن من أبرز التوصيات التي تمخضت عن الندوة الدعوة إلى تنظيم حوار وطني على جميع المستويات، وفق مقاربة تشاركية، للوصول إلى توافق وطني بعيد عن كل الحساسيات، يقود المغرب إلى ما يصبو إليه في هذا المجال. وشارك في هذه الندوة، التي توزعت أشغالها على جلستين، كل من العالم اللساني والخبير الدولي في مجال التخطيط اللغوي عبد القادر الفاسي الفهري، والباحث الأكاديمي في مجال اللغة والثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس، والباحث الجامعي محمد المدلاوي، والباحثة جميلة المصلي، إلى جانب كل من الأستاذة الجامعية العالية ماء العينين، والباحث محمد يتيم، واللساني ورئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي.