فاطمة زيدان*

قارة يراها كثيرون مجرد صور مألوفة للحر الخانق، ومعسكرات اللاجئين التى يتفشى فيها الذباب والموت جوعاً والأطفال المشردين، ولكن بعض الدول تراها «كنزاً نفطياً»، فقد فرضت قارة أفريقيا نفسها فى السنوات الأخيرة بقوة على أجندة العالم، بسبب نفطها، لاسيما فى ظل تعطش القوى الصناعية الكبرى لتنويع مصادر إمداداتها النفطية، فبين من يرونه فرصة لإعادة الاعتبار للقارة السمراء، كفاعل مؤثر فى النظام العالمى، ومن يرونه مدخلاً جديداً للرأسمالية لتواصل استغلالها لثروات الأفارقة، يدور الجدل حول نفط أفريقيا.

وتُعد القارة السمراء أكبر القارات التى تضم دولاً منتجة للنفط، حيث توجد بها 21 دولة منتجة، مقابل 19 دولة فى آسيا، و19 فى أوروبا، و10 فى أمريكا الشمالية والجنوبية، كما أن ثلث الاكتشافات النفطية الجديدة فى العالم منذ عام 2000 جرت فى أفريقيا التى يتميز نفطها بجودته، وسهولة ورخص تكريره، فتنتج القارة نحو 11% من إجمالى إنتاج النفط العالمى، وتملك نحو 10% من الاحتياطى العالمى، بحسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

ويرى الكاتب الأمريكى، جون جازفنيان، أن أفريقيا تمثل «لعبة نفطية» للقوى المتنافسة، أبرزها الولايات المتحدة، والصين، والتى تسعى إلى تنويع مصادر وارداتها من النفط، فالولايات المتحدة تخطط بمنتهى الدأب لكى ترفع وارداتها النفطية من أفريقيا من 16% حالياً إلى 25% بحلول 2015، بهدف التحكم فى إنتاج النفط العالمى، لأنه يمثل لها «هدفاً بل هوساً» منذ حظره عام 1973، فهى تستورد 1.5 مليون برميل يومياً من غرب أفريقيا، وتحاول إقرار السلام فى الدول المنتجة للنفط التى خربتها الحروب، مثل السودان وأنجولا، وتنشئ قواعد استراتيجية لحماية الإنتاج.

أما التنين الصينى، فقد تسلل لأفريقيا مستغلاً انشغال الولايات المتحدة بمشاكلها الداخلية والخارجية، وهو ما يسلط الأضواء على السباق المحموم بين واشنطن وبكين على موارد القارة السمراء، التى يرى مراقبون أنها مرشحة لتكون جبهة «حرب باردة»، سلاحها الدولار، بين القطبين، الرأسمالى والشيوعى، لأسباب عدة، أبرزها أنها المنطقة الأخيرة فى العالم التى توجد بها احتياطيات هائلة من النفط والغاز، ولأنها لا تخضع لسيطرة مؤسسات الدولة، كما هو الحال فى الشرق الأوسط.

ويشكل تغلغل النفوذ الصينى فى القارة الأفريقية هاجساً مقلقاً لإدارة واشنطن، التى تسعى للسيطرة على منابع النفط فى العالم، ودأبت على اتباع ما عُرف باسم «مبدأ كارتر»، الذى يسمح بامتداد الذراع العسكرية وراء منابع النفط ومسارات تجارته أيّاً كانت، ولذا فهى تكاد تنفرد بـ «مفهوم خاص لتأمين النفط»، لا تشاركها فيه غيرها من القوى الدولية المنافسة، حيث لا يقتصر ذلك المفهوم على مجرد البحث عن مصادر النفط، وتأمين طرق الوصول إليها، وإنما يشمل حماية تلك المصادر من الأخطار أو التهديدات القائمة والمحتملة، والحفاظ على استقرار أسعار البترول، ومنع القوى المنافسة من النفاذ إلى تلك المصادر والاستحواذ عليها من أجل السيطرة على هذا المورد الاستراتيجى الحيوى، الذى يعد «إكسير الحياة» للصناعة والنقل بالنسبة لها.

ويستبعد عدد من المراقبين للشأن الأفريقى أن تحل القارة السمراء محل الشرق الأوسط فى مجال النفط، وإن كان أكثر أماناً كما توجد كميات كبيرة منه فى البحر بعيداً عن شبح التمرد والحروب الأهلية. ويطالب المراقبون بضرورة التحالف بين الشركات الأفريقية العاملة فى إنتاج النفط، وتدعيم رابطة منتجى النفط الأفريقى، التى تضم 18 دولة أفريقية من بينها مصر، من خلال زيادة عدد أعضائها، وعقد اجتماعاتها بشكل دورى منتظم، والحرص على استقلالها، بما يسهم فى تحسين المركز التفاوضى للأفارقة فى سوق النفط العالمية، وبما يحول دون التدخل الأجنبى فى شؤونها، بهدف التأثير فى قراراتها، تلك القرارات التى يجب أن تصدر بالشكل الذى يضمن مصالح الشعوب الأفريقية، التى يقع معظمها تحت خط الفقر، بالرغم من أنهم يقطنون قارة تمتلك وحدها نحو 30 % من احتياطى الثروات المعدنية فى العالم.

*نقلا عن صحيفة « المصري اليوم »

الصورة: مجلة Jeune Afrique المتخصصة في الشؤون الافريقية