أزمة سياسية سرعان ما اصطبغت بطابع طائفي وضع مسلمي أفريقيا الوسطى ومسيحييها في المواجهة، تركة ثقيلة لعامين من الزمن انسابت في خضمّهما الأحداث دامية حينا وهادئة أحيانا في مختلف مناطق البلاد، ورغم المحنة، فإنّ مختلف أطراف الصراع يتطلّعون، بدعم من المجتمع الدولي، إلى إحلال السلام من جديد، واستقبال عام 2015 بملامح سياسية وأمنية مغايرة.

حالة من الفوضى والاضطرابات أطبقت على افريقيا الوسطى، منذ أوائل العام 2014، وذلك بعد أن أطاح مسلحو "سيليكا" (إئتلاف سياسي وعسكري مسلم) بالرئيس "فرانسوا بوزيزيه"، وهو مسيحي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عام 2003، ونَصَّبوا بدلاً منه المسلم "ميشيل دجوتويا" كرئيس مؤقت للبلاد.

غير أنّ الأمر تطوّر إلى اشتباكات طائفية بين سكان مسلمين ومسيحيين، شارك فيها مسلحو "سيليكا" وميليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية، وأسفرت عن مقتل المئات، بحسب الأمم المتحدة، ما أجبر دجوتوديا على الاستقالة من منصبه، تحت وطأة ضغوط دولية وإقليمية، وتنصيب "كاثرين سامبا بانزا" رئيسة مؤقتة للبلاد.

واستدعت الأزمة تدخّل فرنسا عسكريا، كما نشر الاتحاد الأفريقي بعثة لدعم أفريقيا الوسطى باسم "ميسكا"، ثم قرر مجلس الأمن الدولي، في العاشر من شهر أبريل/ نيسان الماضي، نشر قوة حفظ سلام، تحت اسم "مينوسكا"، تسلّمت المشعل عن البعثة الدولية لمساندة افريقيا الوسطى، والتي ضمّت وحدات عسكرية من جنسيات متعدّدة.

ومع أنّ "المينوسكا" جسّدت "توجّه المجموعة الدولية لمساعدة افريقيا الوسطى على الخروج من الأزمة"، كما جاء على لسان "هيرفي لادسوس" الأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام في إفريقيا الوسطى، خلال حفل تسلّم المشعل عن بعثة "ميسكا"، إلاّ أنّها لم تفلح في اجتثاث العنف من البلاد، بل إنّ الانتهاكات التي تستهدف المسلمين على وجه الخصوص من قبل "أنتي بالاكا" تواترت بشكل لافت، ما أجبر معظمهم على الفرار بحثا عن ملجأ آمن في دول الجوار.

الانتهاكات ذاتها طالت أيضا المسيحيين، حيث قتل مسلّحون، في يونيو/ حزيران الماضي، الأب "بول إيميل" وأكثر من 10 أشخاص آخرين، في كنيسة "نوتر دام دي فاطمة" بالعاصمة بانغي.

وأمام تأزّم الأوضاع في البلاد، كان لا بدّ من اللجوء إلى المفاوضات، وفي 23 يوليو/ تموز، عقد منتدى "برازافيل" للمصالحة الوطنية بافريقيا الوسطى، بالعاصمة الكونغولية، تحت إشراف الرئيسة الانتقالية "بانزا" وبرعاية بعض الوسطاء الدوليين، أبرزهم الرئيس الكونغولي "دنيس ساسو نغيسو".

وضمّ المنتدى ممثّلين عن جميع أطراف الأزمة في افريقيا الوسطى، وانتهى بتوقيع اتّفاقية سلام حملت اسم العاصمة الكونغولية التي احتضنت المنتدى.

وبما أنّ الاتفاقات غالبا ما لا تجد طريقها نحو التفعيل بنفس المرونة التي تبرم بها، فإنّ اتفاقية "برازافيل" لازمت حيّزها النظري، حيث لم تتهيأ لها الأرضية الملائمة لتجسيد أبرز بنودها، وهذا ما جعل الوضع في افريقيا الوسطى يحافظ على ذات النسق المهتز، ملغّما بأحداث العنف في العاصمة وفي مختلف المناطق.

مشهد ضبابي وصراع طائفي بدا أن لا شيء بقادر على وضع حدّ له، فكان أن أعلنت "بانزا"، في الخامس من أغسطس/ آب الماضي، تعيين "محمد كمون" رئيسا لوزرائها، ليكون أوّل وزير مسلم يقود الحكومة في البلاد، خطوة اعتبرت "مناورة" أرادت من خلالها الرئيسة الانتقالية خلق نوع من التوازن في المناصب العليا للبلاد، وكبح غضب عناصر "سيليكا" التي لطالما اتهمتها بإقصائهم من الحكومة.

حرب أهلية ميّزت بداية العام 2014 ونهايته.. مؤشّرات لا تحمل الكثير من التفاؤل بالنسبة للعام الجديد، خصوصا وأنّ انفجار الوضع في أفريقيا الوسطى لن يمرّ دون ارتدادات على نفس القدر من السوء على دول الجوار أو على بلدان وسط أفريقيا عموما، وهذا ما قد يجبر المجتمع الدولي على الانتباه إلى الحمم البركانية المتدفّقة من هذه النقطة من العالم، ومن دولة يبدو أنّ خيارات استعادة السلام فيها أضحت محدودة.

فآفاق عام 2015 تلوح على أفريقيا الوسطى، وفي جرابها الكثير.. أحداث متوقّعة قد تكون أكثر حلكة من 2014، بيد أنّ التوقّعات تبقى رهينة القرارات سواء الداخلية أو الدولية، لأنّ الخارطة السياسية والأمنية للبلاد مرتبطة بتلك القرارات، والتي بدورها ستحدّد درجة "تطرّف" أنتي بالاكا، وستمدّ في صبر عناصر "سيليكا" الذي يكاد ينفذ، وستحسّن من أوضاع مخيمات النازحين من المسيحيين والمسلمين، واحتواء الاستقرار الهش بالشمال الشرقي للبلاد، والتصدّي لمخاطر التقسيم وغيرها من التحدّيات التي تطرح نفسها بقوة، والتي من المنتظر أن تحدّد نمط التعامل معها مستقبل البلاد.

جميع الاحتمالات واردة، ووحدها الحيثيات من سيمكنها فكّ شفرة وضع على غاية من التعقيد سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب، وفقا للمراقبين.