عبدالباسط غبارة                                       

تتسارع الأحداث في ليبيا وتتجه نحو مزيد من التعقيد والتأزم،في ظل تواصل تردي الأوضاع الأمنية والإقتصادية في البلاد،مع تصاعد وتيرة التدخلات السياسية الخارجية وصراع الانتهازيين على ثروات هذا البلد الغني،والتي تغذي الانقسام، وتعمق الأزمة، وتجعلها أكثر تعقيدًا،مهددة بإستمرار سنوات الأزمة.

إلى ذلك،ومع تصاعد حدة التوتر بين الاطراف المتنازعة التي عمقتها مشكلة إدارة الموارد النفطية في البلاد،بعد القتال الأخير في الهلال النفطي وقرار الجيش الوطني ألا تستمر شركة النفط الوطنية في طرابلس،بإدارة هذه المرافق وأن تقوم شركة النفط الليبية في بنغازي بتولي هذه المهمة،إزدادت حدة التدخلات الخارجية التي بدأت تتحرك في محاولة لحماية مصالحها.

وشهدت مناطق الهلال النفطي في منتصف يونيو الماضي، معارك مسلحة بين قوات الجيش الوطني الليبي من جهة،ميليشيات إبراهيم الحضران والعناصر الإرهابية المتحالفة معه في الجهة المقابلة،وقد انتهت المعارك عقب كرٍ وفرٍ، بإعادة سيطرة الجيش الليبي على المنشآت النفطية، ووقوع خسائر كبيرة قدرت بالمليارات.

وفي تطور جديد،طالب خالد المشري، رئيس مجلس الدولة الأعلى في ليبيا،الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتواصل مع كل الأطراف الليبية لوقف ما وصفه بـ"الخروقات"، التي تقوم بها بعض الأطراف لاتفاق باريس.وانتقد المشري في خطاب وجهه إلى الرئيس الفرنسي قرار المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، بنقل إدارة مؤسسات النفط في منطقة الهلال النفطي إلى الحكومة المؤقتة في الشرق بدل حكومة الوفاق في الغرب.

ورعت باريس نهاية مايو /أيار الماضي اتفاقاً غير مكتوب بين الفرقاء الليبيين، ينص على إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية في شهر ديسمبر /كانون الأول المقبل، وتعهدت كل الأطراف بقبول نتائج الانتخابات، والمساعدة في عملية دعمها، مع توفير المتطلبات الأمنية لحماية العملية الانتخابية.وجمع مؤتمر باريس أطراف الأزمة الرئيسية الأربعة، وذلك لأول مرة على طاولة المفاوضات، وهم القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح،ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج،و خالد المشري رئيس مجلس الدولة الأعلى.

ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة الدور الفرنسي في المنطقة وتسجيل نقاط على حساب باقي الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، وذلك لضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، كما أن باريس تسعى من خلال هذا الملف إلى العودة لشمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك بعد أن غابت سنوات عنها واستعادة دور فقدته في المنطقة.

وفي غضون ذلك، جددت إيطاليا دعمها حكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج، إثر زيارة مفاجئة قام بها وزير خارجيتها انزو ميلانسيزي إلى العاصمة الليبية طرابلس،في أول زيارة للوزير خارج إيطاليا بعد توليه منصبه،حيث قال الوزير الإيطالي، إن "اختياره لليبيا كأول زيارة له خارج إيطاليا بعد استلامه لمنصبه هو دلالة على أن الملف الليبي يتصدر قائمة ملفات السياسة الخارجية لإيطاليا".

وأضاف الوزير الإيطالي،خلال لقائه رئيس المجلس الاستشاري للدولة خالد المشري،أن "بلاده ترفض التعامل مع المؤسسات الموازية وتدعم الحكومة الشرعية المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني، وأنها حريصة على وحدة المؤسسات الليبية، على وجه الخصوص المؤسسة الوطنية للنفط، مضيفا أن إيطاليا تتطلع إلى زيادة التعاون الاقتصادي مع ليبيا والتعجيل بإعادة تدوير عجلة الاقتصاد".

وقال بيان لحكومة الوفاق إن الوزير الإيطالي نقل تحيات رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، ودعم بلاده مجدداً لحكومة السراج، قبل أن يعلن رفضها قرار المشير حفتر الخاص بتسليم موانئ النفط إلى ما وصفه بـ"كيانات موازية غير معترف بها، ووجوب تصحيح ذلك". كما أكد الجانبان أهمية العمل لتحقيق الاستقرار تحت مظلة الأمم المتحدة

ولدى لقائه مع أحمد معيتيق نائب السراج، أكد الطرفان "زيادة التعاون في مجال النفط والغاز من خلال المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة لحكومة السراج، باعتبارها الجهة الشرعية المخولة للتعامل مع العالم فيما يخص النفط".وأشار معيتيق إلى قدرة بلاده على شراء كل احتياجاتها من المعدات لحماية حدودها البحرية والجنوبية من خلال دعم الحكومة الإيطالية لليبيا في المحافل الدولية بشأن رفع الحظر المفروض عليها لتوفير المعدات.

وكان أحمد معيتيق قد إجتمع قبل ذلك،مع وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني،الذي أكد إن إيطاليا تريد إنهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا لمساعدتها على مكافحة مهربي البشر ووقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.ونقلت وسائل إعلامية عن سالفيني قوله إن "إيطاليا وفي حال امتناع الاتحاد الأوروبي عن تقديم الدعم الضروري لليبيا لمساعدتها على مواجهة التسيّب الأمني وأنشطة المهربين ستضطر إلى مساعدة ليبيا بنفسها".

ويرى مراقبون أن هذه التحركات تندرج في سياق حرب النفوذ بين إيطاليا وفرنسا في ليبيا التي تحولت إلى حرب علنية منذ اجتماع باريس.ونقلت صحيفة "الجورنال" الإيطالية،تحذيرات  وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها في الشأن الليبي مؤكدة أن بلادها هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية وأن القيادة بيد "إيطاليا" فيما يتعلق بالحالة الليبية.وقالت الصحيفة إن الوزيرة الإيطالية قالت لنظيرتها الفرنسية، فلورنس بارلي، على هامش الاجتماع الوزاري بمقر الناتو في بروكسل: "لنكن واضحين.. القيادة في ليبيا لنا".

تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية بشأن تدخل الحكومة الإيطالية في الشأن الليبي،استنكرها رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح،وقال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي فتحي عبد الكريم المريمي، في تصريح لوكالة "سبوتنيك" أن "رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح عيسى أبدى امتعاضه واستنكاره بشدة لتصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية، التي نشرت بوسائل إعلام عديدة.

وأضاف المريمي أن "سفير إيطاليا لدى ليبيا،بعث برسالة رسمية إلى رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح،أكد فيها بأن ما تم نشره مؤخرا في وسائل الإعلام لا يمت للحقيقة بأي صلة كانت وإنما الترجمة الحرفية لتصريحات وزيرة الدفاع هي التي كانت خاطئة".فيما أوضحت السفارة الإيطالية لدى ليبيا، في تغريدة لها على موقع التواصل الإجتماعى "تويتر"،أن ليبيا تعد أولوية لإيطاليا و ليست ملكا لها،واصفة تلك التصريحات الكاذبة تعد تشويه للعلاقة بين البلدين.

وتأتي تصريحات الوزيرة الإيطالية،بعد أيام من تسريب وسائل إعلام إيطالية أنباء عن نية روما بالتواجد العسكري في جنوب ليبيا.وقالت صحيفة "الميساجيرو" الإيطالية،إن التحرك الإيطالي يأتي يوم انعقاد القمة الأوروبية نفسه على مستوى رؤساء الدول والحكومات في العاصمة البلجيكية الذي تخيم عليها إشكالية إدارة الهجرة على الصعيد الاتحادي بشكل شبه تام.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم كشف فيها وجود نية إيطالية لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، فقد سبق أن أعلنت الحكومة الإيطالية اتفاقها مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مشروع إيطالي يموله الاتحاد الأوروبي، يتمثل في إرسال "بعثة إلى الحدود الجنوبية لليبيا تكمن أهدافها الرئيسية في بناء قاعدة لوجيستية للأنشطة التنفيذية لحرس الحدود الليبي والسماح بوجود مناسب لمنظمات الأمم المتحدة في المنطقة".

ويخشى مراقبون،من تنامي التدخل الخارجي في ليبيا والذي يهدد بتواصل الصراع بين الفرقاء،وفي هذا السياق،حذر عضو مجلس النواب أبو بكر بعيرة من الدور المشبوه لبعض الدول التي تغذي الصراع في ليبيا مشيراً إلى أن وقائع كثيرة تشير إلى دعم تلك الدول للجماعات المتطرفة في البلاد.وأشار بعيرة في تصريحات صحفية أن تلك الجماعات تطمح إلى حكم ليبيا، والسيطرة على مقدرات الدولة، لافتاً إلى سعيها لتخريب الموانئ النفطية كنوع من لفت النظر إلى وجودها، وهي عاجزة عن القيام بأية مواجهات حقيقية مع الجيش الوطني.

وبدوره قال عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عادل كرموس، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن "التدخل الخارجي في المشهد الليبي يظهر جليا على الأوضاع في الداخل وأنه لم يعد خفيا هذا التدخل الذي يقف أمام عملية التسوية أو الحل في ليبيا".وأشار إلى أن التدخل الإيطالي والفرنسي خاصة في موضوع النفط بات واضحا، حيث تسعى كل دولة لزيادة التدخل من أجل أن تحافظ على مصالحها.

وتتصاعد المخاوف من تدخل أجنبي في ليبيا تحت ذرائع مختلفة،وهو ما دعمته تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، عقب لقاء بوزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، في مقر الوزارة بالعاصمة تونس منذ أيام،حيث قال إن "السيادة الليبية منتهكة لعدم توفر حدود مؤمنة وسلطة مركزية موحدة من جيش وشرطة وغيرها ما جعلها مهددة بالتدخل العسكري الخارجي"، دون الكشف عن طبيعة هذا التدخل أو من سيقوم به.

عاشت ليبيا منذ العام 2011،وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا،ورغم محاولات الوصول إلي إرساء الإستقرار في هذا البلد الممزق،فإن هذا الأمر يزداد صعوبة في ظل التدخلات الخارجية التي تقودها دول سبق أن ألقت البلاد في أحضان الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية،ومازالت تسعى لتأمين نصيبها من الثروات الليبية.