مثّلت الدعوات الدولية المتتالية لوقف اطلاق النار في ليبيا والعودة الى طاولة الحوار بين الفرقاء الليبيين مبعث أمل حول إمكانية الذهاب نحو الحل السلمي والوصول الى تسوية سياسية في البلاد.لكن التدخلات التركية السافرة التي تزداد وتيرها بالرغم من الانتقادات الدولية تمثل حجر عثرة أمام امكانية ارساء توافق سياسي شامل بين المتحاربين وانهاء سنوات من الفوضى الأمنية.

توجه وفد وزاري تركي أمس إلى طرابلس، وأجرى محادثات مع حكومة فايز السراج، وذلك في إطار المساعي التركية للسيطرة والاستيلاء على موارد ليبيا.وجاءت الزيارة رغم الانتقادات الدولية المتصاعدة إزاء تدخل أنقرة السافر في الشأن الليبي، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ميليشيات المرتزقة المدعومة من تركيا في الأراضي الليبية.

والتقى السراج وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، ووزير الخزينة والمالية برات البيرق، إضافة إلى رئيس المخابرات حقان فيدان، وعدداً من كبار المسؤولين الأتراك،وتناول الاجتماع مستجدات الأوضاع في ليبيا. وتناول عودة الشركات التركية لاستكمال أعمالها في ليبيا، و"آليات التعاون والتكامل في مجالات الاستثمار والبنية التحتية والنفط".

ويسعى أردوغان لقطف ثمار دعمه لحكومة السراج التي باتت بوابته لنهب ثروات ليبيا وذلك منذ أن وقعت تركيا مع حكومة الوفاق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، مذكرتي تفاهم للتعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط بين أنقرة وطرابلس،والتي لقيت رفضا محليا ودوليا واسعا كونه تكشف عن مخططات أردوغان للسيطرة على ثروات ليبيا والتي بدأت منذ سنوات.

ولم تنفك تركيا منذ اندلاع الأزمة الليبية في العام 2011 في حشر أنفها في شؤون البلاد بطريقة مشبوهة ومنذ سنوات تكشفت عمليات ارسال شحنات السلاح التي اعتمدها النظام التركي لاشعال المزيد من الصراعات في البلد العربي،لكن منذ الرابع من أبريل/نيسان 2019،تاريخ تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس لانهاء سطوة المليشيات المسلحة،تسارعت وتيرة التدخلات التركية وأخذت منحى أكثر خطورة.

وباتت شحنات السلاح المرسلة من تركيا الى المليشيات في ليبيا أكثر علانية ثم تطور الامر الى حدود ارسال آلاف المرتزقة والارهابيين ناهيك عن الضباط والجنود الأتراك الذين باتوا يشرفون على العمليات العسكرية في غرب ليبيا كما استهدفت البارجات العسكرية التركية الأراضي الليبي في اكثر من مناسبة وسهلت عمليات اقتحام المليشيات والمرتزقة لعدد من المدن حيث مارست شتى أنواع الانتهاكات والجرائم.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1273560888235175936

وبالرغم من رضوخ الجيش الليبي للدعوات الدولية لوقف اطلاق النار وانسحابه من محاور العاصمة وانخراطه في الجهود الدولية لانهاء الصراع في البلاد والتي كان آخرها المبادرة المصرية التي حضيت بترحيب ودعم دولي واسع،تواصل أنقرة تحركاتها المشبوهة لتأجيج الصراع واجهاض محاولات الحل السياسي.

وأكد خبراء أمميون أن انخراط تركيا في عمليات تجنيد واسعة النطاق ونقل المرتزقة السوريين للمشاركة في الأعمال العدائية لدعم حكومة الوفاق في ليبيا، يقوض الحل السلمي للأزمة.وأوضح فريق الأمم المتحدة العامل المعني بمسألة استخدام المرتزقة، في بيان له، أنه "تم تجنيد هؤلاء المقاتلين من الفصائل المسلحة السورية المتهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سوريا، كما تم إرسال آلاف السوريين منهم أطفال أقل من 18 عاما إلى ليبيا عبر تركيا خلال الشهور الأخيرة".

وحذر الفريق الأممي من أن "الاعتماد على الجهات الفاعلة الأجنبية يساهم في تصعيد النزاع في ليبيا وتقويض احتمالات التوصل إلى حل سلمي، ويلقي بتداعيات مأساوية على السكان المحليين".وأعرب الفريق عن قلق إزاء استخدام المرتزقة في القتال في ليبيا، ما يمثل خرقا لحظر الأسلحة والمرتزقة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي، وانتهاكا للاتفاقية الدولية لاستخدام المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم التي وقعت عليها ليبيا، مطالبين أطراف النزاع الليبي بالتوقف عن الانتهاكات.

ومنذ دخول مجموعات المرتزقة السوريين والمليشيات المدعومة من تركيا إلى مدينة ترهونة تتعرض المدينة لحملة واسعة من النشاط الإجرامي الانتقامي.ونقلت فيديوهات وصور عمليات حرق استهدفت الممتلكات العامة والخاصة في المدينة ناهيك عن تقارير حول عمليات اعدام وقتل وتعذيب طالت أيضا العمالة الأجنبية حيث أظهر فيديو تعذيب المليشيات والمرتزقة لعمال مصريين وهو ما اثار غضبا كبيرا في الاوساط المصرية.

وأكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أنها سجلت نزوح عدد 16 ألف ليبي من مدينة ترهونة ومنطقة قصر بن غشير جنوب غرب مدينة طرابلس، خشية الأعمال الانتقامية والانتهاكات بحقهم، عقب دخول المليشيات إلى هذه المناطق وخروج الجيش الوطني منها.كما سجلت نزوح نحو ألفي ليبي من مدينة سرت وضواحيها خشية القصف العشوائي والهجمات العشوائية الممنهجة التي تطال المدنيين، حيث قامت المليشيات أكثر من مرة بمهاجمة تلك المناطق معززة بمرتزقة سوريين ومدعومة بطيران وبوارج تركية.

وفي السياق ذاته أكد الناطق باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية،في بيان صحفي الأربعاء 17 يونيو 2020، أن العقبة الرئيسيّة أمام إحلال السلام والاستقرار في ليبيا تكمن في الانتهاكات المنهجيّة لحظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، لا سيّما من جانب تركيا، على الرغم من الالتزامات المقطوعة في برلين في مطلع العام.

وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية،ان "فرنسا لا تنحاز إلى أيٍ من المعسكرين في ليبيا إذ أعربت دائماً عن أنه ما من حلٍ عسكري للنزاع الليبيّ، كما أن فرنسا عملت في الأسابيع الماضية على إعادة إحياء المفاوضات من أجل التوصّل بسرعة إلى وقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة وفي الإطار الذي حدّده مؤتمر برلين".

وأضاف، "التأييد التركيّ لاستمرار الهجوم الذي تشنّه حكومة الوفاق، يتعارض تعارضاً مباشراً مع الجهود التي نشارك فيها والرامية إلى التوصّل فوراً إلى هدنة، ويقترن هذا التأييد بتصرّفات عدائيّة وغير مقبولة من جانب القوات البحريّة التركيّة إزاء حلف شمال الأطلسي بُغية عرقلة الجهود المبذولة لتنفيذ حظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة"، مؤكدا على ضرورة وقف مثل هذه التصرّفات شأنها شأن جميع التدخلات الأجنبيّة في النزاع الليبيّ.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1273391461573279744

واتهمت فرنسا البحرية التركية،الأربعاء، بالتصرف بطريقة "عدائية" تجاه شركائها في حلف شمال الأطلسي، لمنعهم من تطبيق حظر الأمم المتحدة على السلاح في ليبيا.وأعلن أمين عام حلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فتح تحقيق بشأن الحادثة،وقال ستولتنبرغ بعد اجتماع لوزراء دفاع دول الأطلسي: إن "السلطات العسكرية لحلف الأطلسي ستحقق بهدف توضيح الوضع في ما يخصّ هذه الحادثة".

وأعلن الاتحاد الأوروبي،في وقت سابق، أن فرقاطات تركية منعت تفتيش سفينة شحن أسلحة متجهة لليبيا.وأشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو قد أشار في تصريحات له إلى أن أنباء وردت عن رفض سفن عسكرية تركية الخضوع لتفتيش طواقم العملية إيريني.وأطلق الاتحاد الأوروبي عملية بحرية باسم (إيريني) في أبريل/ نيسان للمساهمة في وقف تدفق السلاح وتهريب النفط من وإلى ليبيا، وفق قرار الأمم المتحدة 2526 

وتحدثت تقارير صحفية مؤخرا عن وصول طائرة تركية إلى مطار مصراتة، تقل على متنها عددا من المرتزقة السوريين لدعم المليشيات المسلحة.وأفاد مصدر مطلع في مطار مصراتة، لقناتي "العربية" و"الحدث"، الثلاثاء 16 يوليو 2020، بوصول طائرة من تركيا تحمل على متنها 134 مقاتلاً سوريا.ًوالأسبوع الماضي، رصد موقع "فلايت رادار" الإيطالي،اقتراب ثلاث طائرات شحن عسكرية تركية وسفينة على متنها أسلحة من غرب ليبيا.

وتسعى تركيا لمزيد اشعال الصراعات والحروب في ليبيا،وقال اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي، الأربعاء، إن العدوان التركي على ليبيا يسعى لتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد لتسهيل عملية تمدده.وأضاف المسماري، أن سياسات أردوغان في لييا تهدف إلى خلق عداوات بين القبائل لشن صراعات داخلية.

وأوضح المسماري، في مؤتمر صحفي، الأربعاء، من بنغازي أن "ادعاءات تركيا بدعم الشرعية من خلال دعم حكومة السراج غير صحيحة".وتساءل المسماري: "إذا كان أردوغان يدعم الشرعية فلماذا يحارب ضد النظام السوري؟ وهو نظام معترف به في الأمم المتحدة وينفذ عمليات في العراق وهي دولة ذات سيادة وعضوة في الأمم المتحدة.

https://twitter.com/afrigatenewsly/status/1273670082259009538

وأشار إلى أن "ما تفعله أنقرة يدفع الجيش الليبي لإعلان الجهاد ضد الاحتلال التركي، الذي يدعي أنه يمثل ويدافع عن الشعب الليبي".ونوه إلى أن "فايز السراج الذي استجلبهم إلى ليبيا لا يمثل أكثر من 10% من الشعب الليبي والتيارات الوطنية تصطف خلف الجيش الوطني".وطالب المسماري الشعوب العربية أن تستمع إلى صوت الليبين القوي الرافض للاحتلال التركي،مشددا على أن "أردوغان يحاول خرق النسيج الاجتماعي الليبي وخلق عداوات بين القبائل".

ولا تزال تركيا تخالف الاتفاقات والقرارات الدولية بحظر التسليح المفروض على ليبيا ووقف إطلاق النار وسحب المرتزقة الأجانب.وفي حين أعلن الجيش الليبي على موافقته على مبادرة القاهرة 6 يونيو/حزيران الجاري للحل في ليبيا التي لاقت تأييدا دوليا وعربيا واسعا، إلا أن تركيا لا تزال تحشد لاستمرار العمليات غربي سرت حيث يسعى أردوغان لاحتلال الموانئ النفطية بما يضمن له نهب الثروات الليبية.

وتشير هذه التطورات الى صعوبة التوافق بين الأطراف المتنازعة خاصة مع تحول طرابلس الى ايالة تركية بحتة حيث بات أردوغان الحاكم الفعلي بعد أن فتحت حكومة السراج الباب أمامه لغزو العاصمة.ويشير مراقبون الى أن المساعي السياسية محليا ودوليا التي ما زالت تسعى لإقناع الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة الحوار باعتباره المخرج الوحيد للأزمة،عليها أن تلتفت أولا الوجود التركي في طرابلس الذي بات جزءا من المشهد والذي في وجوده لا يمكن التوصل الى توافق في ليبيا.