تخلق النزاعات المسلحة آثاراً سلبيّة مدمّرة بين الأفراد وفي المجتمع من كل النواحي، الاقتصادية والاجتماعية والصحية، إلى جانب أنّها تستنزف مقدّرات الدولة ككل، على خلفية ما تحدثه من دمار يطاول البيئة والبنى التحتية والاقتصاد،ما يجعل المدنيي وخاصة الأطفال يعانون في ظل هذه الأوضاع المتردية وهو ما تشهده ليبيا منذ العام 2011 في ظل الفوضى التي عصفت بها في أعقاب التدخل الخارجي الذي حولها الى ساحة حروب لا تنتهي.
الى ذلك،أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"،تزايد أعداد الأطفال الذين يعانون أشكالا مختلفة من سوء التغذية بسبب النزاعات في عدد من الدول، بينها ليبيا.ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة، اليوم الأحد، فإن " المزيد من الأطفال يعانون حالياً من أشكال مختلفة من سوء التغذية، وذلك بسبب النزاعات التي تحصل في سوريا، واليمن، وليبيا، والسودان".
ويُصدر اليونيسيف كل عام تقريراً عن حالة أطفال العالم هدفه البحث عن القضايا الرئيسية التي تؤثر عليهم.وقال المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "تيد شيبان"، إن "الأطفال الذين يعانون من الجوع لا يستطيعون التركيز في المدرسة أوالتعلّم، كما أن الإمكانيات لكسب لقمة العيش بين أولئك الذين يعانون من التقزم تكون منخفضة بسبب نقص النمو".
وتعاني ليبيا الغنية بالنفط من أزمات اقتصادية خانقة ما جعلها من الدول المحتاجة للمساعدات.حيث خصّصت المفوضية الأوروبية مليوني يورو كمساعدات إنسانية إضافية لليبيا،وأعلنت المفوضية الأوروبية، الاثنين، عن تخصيص مليوني يورو كمساعدات إنسانية إضافية لصالح الفئات المستضعفة مع استمرار الصراع في ليبيا.
وأضافت المفوضية أن المساعدات الجديدة ستمكّن ليبيا "من تغطية العناية الصحية العاجلة والتغذية، ودعم المعيشة وخدمات الحماية".وتابعت "ملتزمون بدعم أشدّ الفئات ضعفًا في ليبيا، التي عانت سنوات من الصراع.. وهذا التمويل الإضافي سيساعد شركاءنا في المجال الإنساني على مواصلة تقديم المساعدات في المناطق التي يصعب الوصول إليها".
وقال مفوض المساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، كريستوس ستيليانيدس، إن "القانون الدولي الإنساني يتيح للعاملين في المجال الإنساني الوصول الكامل لمساعدة المحتاجين وإنقاذ الأرواح".وأوضح الاتحاد الأوروبي أن تمويله "يتم توجيهه من خلال المنظمات غير الحكومية الدولية ولجنة الصليب الأحمر الدولية".
ومنذ عام 2014 خصّص الاتحاد الأوروبي أكثر من 46 مليون يورو من المساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا في ليبيا، وبلغ تمويل المساعدات ثمانية ملايين يورو في 2019، وتسعة ملايين يورو في 2018.وتأتي هذه المساعدات الإضافية في وقت حذّرت فيه مؤسستا البنك الدولي وصندوق النقد من انعكاسات الأوضاع السياسية والأمنية على الاقتصاد الليبي، وذلك في تقريرين على هامش الاجتماعات السنوية للمؤسستين.
وتتصاعد حدة الصراع في ليبيا منذ سنوات بين الفرقاء في وقت تواصل الفئات الضعيفة دفع الثمن وخاصة الأطفال الذين يعتبرون الأكثر تضرراً من ويلات الحرب والنزاعات المسلحة والهجمات الإرهابية والجريمة المنظمة في ليبيا،نتيجة للفراغ الأمني وغياب سيادة القانون واستمرار حالة الإفلات من العقاب وكذلك نتيجة استمرار حالة الفوضي التي تشهدها البلاد.
وألقت الحرب الدائرة في العاصمة الليبية منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بظلالها على الأطفال،فبخلاف خطر الاستهداف جراء أعمال العنف والاشتباكات،مثل الأطفال وقودا لاذكاء الحرب خاصة مع تصاعد الحديث عن تجنيدهم للمشاركة في محاور القتال وهو ما يمثل خرقا لكل المعاهدات والمواثيق وتعديا صارخا على حقوق الطفل التي تضمنها كل الشرائع والقوانين.
  وفي مايو الماضي،قالت صحيفة "الشرق الاوسط"،في تقرير لها أن صور "سيلفي" لمقاتلين صغار،وهم يحاربون في الخطوط الأمامية في معركة العاصمة الليبية طرابلس،أظهرت مدى اعتماد المقاتلين في الحرب الدائرة بمحيط الضواحي الجنوبية هناك على شريحة كبيرة من القُصّر، والدفع بهم في أتون نيران القصف المتبادل.كما أظهرت مقاطع "فيديو" موالية لقوات حكومة الوفاق"، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صبية يقودون آليات عسكرية ضخمة على خطوط المواجهة، ويطلقون النيران من مدافع 14.5 بصدور عارية.
وأشارت الصحيفة الى اعتماد ميلشيات مصراتة، التي تخوض المواجهة الأكثر شراسة أمام قوات الجيش الوطني، على أطفال صغار سبق تدريبهم في معركة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، قبل تحريرها من قبضة تنظيم "داعش" في نهاية عام 2016.ويتفاخر سكان مصراتة بأن أبناءهم يقاتلون ضد الجيش "دفاعاً عن العاصمة.
ونقلت "الشرق الاوسط" عن ناشط مدني من مصراتة،قوله إن "غالبية شبان المدينة من كل الأعمار يتم الدفع بهم منذ بداية العمليات" للحرب، مشيراً إلى أن "هناك من يروج لأن المعركة طائفية وقائمة على أن أهل الشرق يستهدفون تطهير العاصمة من سكان المنطقة الغربية... وهذا أخطر ما في هذه الحرب".
وأضاف الناشط، الذي رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، أن كلا الطرفين يستخدمون صغار السن في المعارك، وهذا الأسلوب متبع أكثر من قبل الميلشيات المسلحة في طرابلس منذ سنوات، لافتاً إلى أن "مصراتة شيعت جثامين ثلاثة أطفال خلال الأسبوع الماضي كانون يقاتلون إلى جانب الميليشيات المسلحة جنوب طرابلس، من بينهم الطفل مصطفى عياد".
وتثير المخاطر المستمرة مخاوف دولية من انعكاساتها على مستقبل الأطفال في ليبيا.وكانت المديرة التنفيذية لليونيسف "هنريتا فور" والممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والصراع المسلح "فرجينيا غامبا"،قد حذرتا في أبريل/نيسان الماضي من أن أعدادا متزايدة من الأطفال يواجهون خطر الموت والإصابة بسبب تصاعد أسوأ قتال تشهده العاصمة الليبية طرابلس منذ سنوات.
ودعت المسؤولتان الأمميتان في بيان مشترك، جميع الأطراف المتحاربة في ليبيا إلى الوفاء بالتزاماتها إزاء حماية الأطفال في جميع الأوقات والامتثال الكامل للقانون الدولي. وأشارتا إلى أن "قتل وجرح وتجنيد الأطفال، ومهاجمة المرافق التعليمية والطبية ومرافق المياه كلها انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال ويجب أن تتوقف فورا." ووجهت المسؤولتان الأمميتان نداء إلى كل الأطراف لوقف القتال في ليبيا "من أجل الأطفال ومن أجل مستقبل البلاد".
 وحث بيان المسؤولتين الأمميتين على فتح سبل وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى جميع الأطفال المحتاجين، كما دعا إلى وقف لإطلاق النار للسماح للمدنيين بالمغادرة بأمان إلى خارج مناطق تحت النزاع. وأورد البيان الصحفي أن هناك ما يقرب من 1800 طفل بين المدنيين الذين يحتاجون بشكل عاجل إلى الإجلاء من الخطوط الأمامية لمناطق القتال، مؤكدا تشرد 7300 طفل بالفعل من منازلهم بسبب أعمال العنف المستعرة.
وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 500 ألف طفل قد تأثروا بالعنف في جميع أنحاء غرب ليبيا. وقال البيان المشترك للمديرة التنفيذية لليونيسف والممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والصراع المسلح أيضا إن "الأطفال المحاصرين في مناطق النزاع معرضون لخطر نفاد الطعام وفقدان الحصول على الرعاية الطبية".كما أعلنت المسؤولتان أن العنف قد ترك حوالي 1000 طفل لاجئ ومهاجر محتجزين في مراكز الاحتجاز في خطر شديد، وطالبتا بإطلاق سراحهم فورا وتوفير المأوى الآمن لهم إلى حين معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم أو مساعدتهم في العودة الآمنة إلى أوطانهم، ولم شملهم مع أسرهم.
 ومنذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،تعيش العاصمة الليبية طرابلس على وقع مواجهات عسكرية عنيفة بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج بعد اطلاق الأول لعملية عسكرية بهدف تحرير المدينة من سطوة المليشيات المسلحة.وأدت هذه الاشتباكات الى سقوط العديد من المدنيين بينهم أطفال ناهيك عن نزوح الآلاف من بيوتهم جراء الاشتباكات العنيفة في عدة محاور.
وفي يونيو الماضي،أشارت اليونيسف إلى أن النزاع في غرب ليبيا منع حوالي 082 122 طفلاً في تسع بلديات في طرابلس وحولها من الذهاب إلى المدرسة منذ 4 أبريل.وبينت اليونيسف أن خطر العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي لازال يتجلى بشكل متزايد نتيجة لاستمرار الصراع والأطفال المتأثرين بالنزاع ويحتاج مقدمو الرعاية لهم إلى الدعم النفسي والاجتماعي والأنشطة الترفيهية كما يتعرض الأطفال وعائلاتهم لخطر متزايد على الذخائر غير المنفجرة والأجهزة المتفجرة لأن النزاع قريب من المناطق السكنية في جنوب طرابلس، مما يعني أنهم بحاجة إلى التوعية بمخاطر الألغام.
 وأوضحت اليونيسف أن المهاجرين واللاجئين، بمن فيهم الأطفال، محاصرين في مراكز الاحتجاز القريبة من خطوط النزاع وهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية وخدمات الحماية مشيرة إلى أن الوضع في مراكز الاحتجاز التي تستوعب المهاجرين الذين تم نقلهم من المراكز المتضررة من النزاع يزداد سوءا، مما يؤدي إلى ظروف معيشية مروعة.
ومنذ سنوات تتصاعد الاصوات المطالبة بضرورة العمل على إيجاد حلول عاجله لما يمر به أطفال ليبيا جراء النزوح وأعمال العنف والأزمة الإنسانية والمعيشية والصحية، باعتبار الأطفال هم أكثر الفئات العمرية تضررًا من ويلات الحرب والأزمة السياسية التى تمر بها ليبيا، بما فى ذلك الدعم النفسى لمساعدتهم على التعامل مع آثار العنف الذى تعرضوا له، لما له من آثار وخيمة على الأطفال فى الحاضر والمستقبل.
وتعد هذه الجرائم والانتهاكات المرتكبه بحق الأطفال في ليبيا،من خلال الحرمان من حق الحياة والسلام وممارسة العنف ضدهم واستهدافهم المتواصل،انتهاكا صارخا لما نصت علية المعاهدة الدولية لحقوق الطفل وهي من ابزر إتفاقيات حقوق الإنسان.ويرى مراقبون،أن أطفال ليبيا يدفعون ثمن الفوضى وتواصل غياب التوافق بين الفرقاء الذي يقف عائقا أمام بناء دولة مستقرة وآمنة تحفظ براءة الاطفال وتحميهم.