تعيش ليبيا منذ سنة 2011 حالة من الفوضى المستدامة حيث لم تعرف البلاد بعد طريقا للتسوية السياسية مما جعل البلاد تعيش في حالة من الفوضى العارمة، هذا الوضع الصعب كان له الوقع الأعمق على الأطفال تلك الفئة الأضعف والأكثر حساسية في المجتمع.

حيث بات الأطفال في مرمى تهديدات الجماعات المسلحة التي انتشرت في البلاد فضلا عن التوظيف في حروبهم من أجل المال والسلطة.

وتتعدد أشكال العنف التي تستهدف الأطفال في مثل ظروف النزاعات المسلحة. إلى جانب الرصاص والقذائف والتهجير والإعاقة والموت وما إلى ذلك، في الإمكان الحديث عن الخطف وغيره من التجاوزات والتمادي في إلحاق الأذى. وهذا أمر لمسناه بالفعل في خلال السنوات الأخيرة في ليبيا، في ظل انفلات أمني غير مسبوق يؤكد المعنيون أنّه جعل حياة الأطفال اليومية أشبه بجحيم لا يطاق.

جدير بالذكر، ترك أطفال كثيرون في سنّ المراهقة مقاعد الدراسة والتحقوا بالميليشيات المختلفة، نتيجة الإغراءات المالية التي تقدّم إليهم. والظروف المعيشية الصعبة التي تعرفها الأسر جعلتها تغضّ الطرف عن ذلك، خصوصاً عند رؤية الأموال التي تغدق على الملتحقين بالمليشيات والمقاتلين تحت لوائها. يُذكر أنّ وسائل إعلام محلية ودولية تناقلت صوراً مرعبة لأطفال يقودون دبابات ويتعاملون مع مدافع وأسلحة ثقيلة، في حين من المفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة. 

وقد ظهر هذا الاستغلال جليا في الحرب الأخيرة بطرابلس حيث أظهرت صور "سيلفي" لمقاتلين صغار، وهم يحاربون في الخطوط الأمامية في معركة العاصمة الليبية طرابلس، مدى اعتماد المقاتلين في الحرب الدائرة بمحيط الضواحي الجنوبية هناك على شريحة كبيرة من القُصّر، والدفع بهم في أتون نيران القصف المتبادل.

كما أظهرت مقاطع "فيديو" موالية لقوات حكومة "الوفاق"، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صبية يقودون آليات عسكرية ضخمة على خطوط المواجهة، ويطلقون النيران من مدافع 14.5 بصدور عارية.

ومنذ بدء المعركة العسكرية لـ"تحرير" طرابلس، بين "الجيش الوطني"، بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، والقوتان تتبادلان الاتهامات حول استخدام الأطفال في المعركة، بشكل يخالف المواثيق والأعراف الدولية في الحروب.

وأعلن العقيد محمد قنونو، الناطق باسم القوات التابعة لحكومة «الوفاق»، عن ضبط أسرى ينتمون إلى قوات "الجيش الوطني" دون 16 عاماً، موضحاً أنه تم الإفراج عن بعضهم تباعاً. إلا أن الجيش نفى أن يكون قد لجأ إلى الدفع بالأطفال، وقال إن "التجنيد في المؤسسة العسكرية له قواعد وسن قانونية".

وتعتمد ميليشيات مصراتة، التي تخوض المواجهة الأكثر شراسة أمام قوات «الجيش الوطني»، على أطفال صغار سبق تدريبهم في معركة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، قبل تحريرها من قبضة تنظيم "داعش" في نهاية عام 2016. ويتفاخر سكان مصراتة بأن أبناءهم يقاتلون ضد الجيش "دفاعاً عن العاصمة". 

وأمام هذا الوضع، الذي يهدد مستقبل أطفال ليبيا، دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى حماية أبناء ليبيا، وقالت، في بيان، في شهر مايو الماضي، إنها تعمل من خلال شركائها في البلاد على حماية ما يقرب من 400 ألف طفل وأسرهم في طرابلس، وعدة مدن أخرى.

وخلال السنوات الماضية، كان أطفال العاصمة في مرمى التهديدات بسبب كثرة الاقتتال بين الميلشيات المسلحة، وهو ما دفع "يونيسيف" إلى التحذير من أن نصف مليون طفل في العاصمة معرضون لخطر مباشر، بينما بات أكثر من 2.6 مليون طفل بحاجة للمساعدة في ليبيا.

وقال خِيرْت كابالاري، المدير الإقليمي لـ"يونيسيف" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حينها، "إن عدداً أكبر بكثير من الأطفال يواجهون انتهاكات متعددة لحقوق الطفل"، مشيراً إلى تقارير حول "مزيد من الأطفال يجري تجنيدهم للقتال، ما يعرضهم لخطر محدق".

ولا تزال أغلب المدن الليبية بعيداً عن يد المتخصصين والمنظمات الإنسانية والحقوقية بسبب فقدان الأمن وانتشار الجريمة وفوضى السلاح مما يجعل أطفالها أطفال حرب بامتياز.

في هذا الصدد، حذر خبراء ليبيون من كارثة محدقة بالأطفال جراء الفوضى التي تعيشها البلاد وما نتج عنها من آثار نفسية واجتماعية

وقال حازم البوعيشي، طبيب نفسي، لقد حاولنا بالتعاون مع اليونيسيف أن ننجز دراسات لتحديد معاناة الطفل الليبي لكن توالي الاشتباكات المسلحة وهجرة بعض الأطباء ونقص الإمكانيات حالت دون إنجاز شيء.

ومضى البوعيشي في حديثه لــ"العربية.نت" قائلاً: "يمكننا أن نصنف جزءا كبيرا من مواليد الخمسة سنين الماضية بأنهم أطفال حروب يعانون من اضطرابات سلوكية تتمثل في العنف والتخريب والميل إلى الانفراد وغيرها".

وحذر البوعيشي من ظاهرة تفشي تعاطي المخدرات بين الأطفال قائلاً: "لقد ضبطت المخدرات في حقائب أطفال في المرحلة الابتدائية بأكثر من مدرسة في العاصمة".

ويضيف البوعيشي أن يعالج حالات مستعصية لأطفال في عيادته الخاصة منها الانعزال التام والاكتئاب إضافة لحالات عابرة كالفزع الليلي لأطفال هجرت أسرهم نتيجة الصراعات.

ومنذ اندلاع الأزمة في البلاد، تعرض الأطفال لشتى أنواع العنف والانتهاكات، ولم تمنع المعاهدة الدولية لحقوق الطفل، وهي من ابزر اتفاقيات حقوق الإنسان، إستهداف هذه الفئة الضعيفة. 

ويجمع المراقبون، على أن أطفال ليبيا يدفعون ثمن الفوضى وتواصل غياب التوافق بين الفرقاء الذي يقف عائقا أمام بناء دولة مستقرة وآمنة تحفظ براءتهم وتحميهم.