يعاني قطاع الصحة في ليبيا من مشاكل عدة جعلته قريبًا من الانهيار، حيث تعاني المستشفيات في المدن الليبية من نقص حاد في الأدوية الأساسية المتعلقة بإنقاذ الحياة والسوائل الوريدية (خاصة أدوية الأمراض المزمنة) والأكسجين والطاقم الطبي وسيارات الإسعاف، مما يعرض المرضى للخطر خاصة كبار السن والأطفال. 

قطاع "يئن"

يصف وزير الصحة بحكومة الوفاق الليبية عمر بشير الطاهر، وضع القطاع في بلاده بالخطير، فهو "يئن" حاليا بسبب الظروف التي تمر بها البلاد مجتمعة، خاصة منها الانقسام الحكومي و ما انجر عنه من عدم وضوح في الترتيبات المالية منذ منتصف العام 2016 حيث يشكل العامل الإقتصادي والميزانيات محركاً أولا لمعالجة المشاكل التي يمر بها القطاع.

وكشف الوزير في حديث صحفي له مؤخرا عن الأثر السلبي الذي تركه خروج العمالة الأجنبية من المستشفيات والمراكز الصحية حيث كان لهذه العمالة دور كبير في تسيير العمل إذ إنتقل بعضها للقطاع الخاص بسبب نقص التحويلات المالية والخلل في المصارف و نقص السيولة التي تعاني منها ليبيا .

كما يؤدي نقص الوقود أو عدم توفره إلى توقف سيارات الإسعاف وتعذر وصول العاملين بالقطاع الصحي إلى أعمالهم للقيام بواجباتهم تجاه المواطن،  إلى جانب صعوبة تنقل المرضى لأي مرافق صحية لتلقي العلاج، وعدم توفر الوقود لمولدات الكهرباء في المستشفيات لتشغيل الأجهزة الطبية، مما يجعل القطاع الصحي عاجزًا عن تقديم الخدمات العلاجية لليبيين.

و قبيل العام 2018، توقعت منظمة آكَبس في تقريرها العالمي للطوارئ، أنّ يواجه الليبيون حالة إنسانية متدهورة،  فليبيا من ضمن الدول التي من المتوقع أن تتفاقم فيها الأزمة الإنسانية، و بحسب التقرير سيكون الحصول على الرعاية الصحية اللازمة للأشخاص مصدر القلق الاكبر في ليبيا لعام 2018. وسيزداد الأمر سؤً في المناطق المتضررة من النزاع. أهم التحديات التي ستواجه القطاع الصحي تشمل النقص الحاد في الموارد البشرية والإمدادات الطبية. 

و لاحظت المنظمة أن درنة وجنوب ليبيا ستكون اكثر المناطق تضرراَ بسبب عدم توفر الموارد و الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات، مشيرة الى انه بالنسبة للمهاجرين في مراكز الاحتجاز القانونية وغير القانونية سيكون الحصول على المساعدة الصحية مشكله كبيره وهذا قد يؤدي الى إنتشار الأمراض المتصلة بالمياه والصرف الصحي والنظافة الشخصيه وهي بلا شك تهديد للصحة العامة ومصدر خطر حقيقي.

وفيات الأطفال:

 في آخر تقرير لها أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها البالغ إزاء وفيات الأطفال حديثي الولادة في ليبيا نتيجة تدهور النظام الصحي، مسجلة وفاة 73 طفلا حديث الولادة، من ضمنهم 22 نتيجة مضاعفات داخل الرحم، و18 بسبب الاختناق أثناء الولادة، و16 بسبب الولادة المبكرة، و4 بسبب تسمم الدم. أما بقية المواليد فقد توفوا نتيجة تشوهات خلقية.    

وقال د. سيد جعفر حسين، ممثل منظمة الصحة العالمة في ليبيا وتونس "إن هذه الوفيات كان بالإمكان تلافيها بكل سهولة لو أن النظام الصحي في ليبيا كان قادراً على توفير خدمات مناسبة لما قبل الولادة وأثناء الوضع وبعد الولادة. وقد قامت منظمة الصحة العالمية بتقديم ثماني حضانات وخمس أجهزة للتنفس إلى وحدة العناية المكثفة لحديثي الولادة في مركز سبها الصحي، وهو المستشفى الجامعي الوحيد في الجنوب. ومع ذلك، لا يزال يوجد الكثير مما يجب عمله لضمان قدرة النظام الصحي على العمل بفعالية ومنع الوفيات التي يمكن تلافيها".

ولا يزال الناس في ليبيا، لا سيما أولئك الذين يعيشون في الجنوب، يعانون من محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية. ولقد أصبح توفير الخدمات الصحية الأساسية تحد رئيسي للحكومة والشركاء الصحيين على حد السواء وذلك بسبب الصراع الذي طال أمده وانعدام الأمن. ومن المطلوب بذل جهود مكثفة من أجل تعزيز النظام الصحي في الجنوب وذلك للتصدي للمسائل المتعلقة بإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية، وتوفير الخدمات العلاجية والوقائية، والتدخلات الصحية على صعيد المجتمعات المحلية.

وقال د. سيد جعفر حسين، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس البعثة في ليبيا "أدعو وزارة الصحة الليبية والمجتمع الدولي إلى المضي باتجاه ضمان توفير التمويل العاجل لدعم جهود منظمة الصحة العالمية لمنع وقوع مزيد من الوفيات المأسوية بين الأطفال حديثي الولادة، وتوفير الخدمات الصحية المنقذة للحياة لجميع الناس في ليبيا".

قلوب ليبية:

في مركز تاجوراء للقلب وبالتعاون مع مؤسسة نوفيك كاردياك الايانس وللسنة السادسة على التوالي يقوم الدكتور وليام نوفيك بإجراء عمليات جراحة قلبية للأطفال في ليبيا، شملت 700 طفل في مناطق مختلفة من ليبيا، منها بنغازي وطبرق، والآن في طرابلس، ويستهدف آلاف الأطفال ممن يحتاجون إلى عمليات جراحية في القلب، ومنهم المئات من حديثي الولادة.

و بينت مديرة قسم الجراحة القلبية في مستشفى طرابلس للأطفال، أن العملية لها المخاطر المحتملة قائلة بأن "نجاح العملية وارد بنسبة 65-70%، ولكن احتمال عدم نجاحها قد يصل إلى 30-35%".، من جانبه يقول الدكتور نوفيك: "في ليبيا، آلاف الأطفال يحتاجون إلى عمليات جراحية في القلب، من بينهم المئات من حديثي الولادة."

ولهذا السبب أطلق دنوفيك برنامجاً يشمل جميع المناطق الليبية لمدة عام واحد، بدعم من المجلس الرئاسي ومنظمة الصحة العالميةويأمل دنوفيك أن يتمكن من علاج ما يزيد عن 400 طفل ممن يعانون من مشاكل في القلب.

عد أن غادر معظم الكوادر الطبية الدولية مستشفيات ليبيا بعد عام 2011، تشكل هذه العمليات فرصة لليبيين من جراحي القلب والممرضين والممرضات والأخصائيين في التروية القلبية وغيرهم من الكوادر الطبية ليعملوا جنباً إلى جنب مع طاقم دولي واكتساب المهارات اللازمة لإجراء عمليات جراحية دون مساعدة في المستقبل.

وتقول طبيبة الجراحة القلبية للأطفال دوجدان داود أبو عامر التي تعمل في المستشفيات الليبية منذ أكثر من عشر سنين: "أنا سعيدة لعملي في صفوف الفريق الوطني الذي يعمل على معالجة الأطفال المصابين بعيوب خلقية في القلب، وإن شاء الله، سنتمكن من علاج أكبر عدد ممكن منهمنحن نحاول أن ننقذ أرواح الأطفال الذين لا يمكنهم الانتظار لفترة طويلة قبل إجراء العملية، وهذا شعور رائع."

أطفال محتاجون للمساعدة:

كان للعنف والنزاع المسلح أثراً مدمراً على الأطفال في ليبيا، حيث يقدر أن 54 في المائة من أصل 000 170 شخص نازح هم من الأطفال، وباعتبارها بلد عبور ووجهة للمهاجرين الاقتصاديين وغيرهم من المهاجرين المؤقتين، فإن ليبيا هي أيضا موطن لمئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين الذين تشكل نسبة كبيرة منهم أطفالا. 

ويتعرض الأطفال الذين هم في حاجة ماسة إلى الحماية والرعاية في جميع أنحاء ليبيا، لخطر الإيذاء والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان وكذلك هم عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة ويفتقرون إلى أبسط الخدمات.

في عام 2018، تهدف اليونيسف في ليبيا إلى العمل في شراكة مع الوزارات التنفيذية والبلديات والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الليبية لتحقيق الآتي:

  • تطعيم 1.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين صفر و 6 سنوات ضد شلل الأطفال
  • توفير الدعم النفسي الاجتماعي لنحو 93،450 طفل
  • تمکین 33،450 طفل في سن المدرسة من الالتحاق بالتعلیم الرسمي أو غیر النظامي
  • توفير مواد تعليمية أساسية ل 000 80 طفل
  • ضمان تحسین وصول 35،000 شخص إلی المیاه الصالحة للشرب و 20،000 إلی مرافق الصرف الصحي
  • الوصول وتقديم خدمات متخصصة لحماية الطفل إلى 1،500 طفل من المرتبطين بالنزاع المسلح

هذا و تسعى اليونيسيف للحصول على مبلغ 20 مليون دولار أمريكي لمساعدتها على توسيع نطاق استجابتها لتقديم مساعدة عاجلة للأطفال، فضلا عن تقديم الدعم على المدى الطويل للأطفال بغض النظر عن خلفيتهم أو جنسيتهم أو جنسهم أو عرقهم في جميع أنحاء البلاد لإن جميع الأطفال في ليبيا يستحقون فرصة لمستقبل أفضل “.

وفي عام 2017، تمكنت اليونيسيف من الوصول إلى الأطفال في جميع أنحاء البلد، وتوفير خدمات حماية الطفل والتعليم والصحة والمياه والصرف الصحيوفي عام 2018، تهدف اليونيسف إلى مواصلة هذا العمل الداعم لخطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بالإضافة إلى استعادة تواجدها الكامل للموظفين والشركاء في ليبيا.