فورين بوليسي

قبل خمسة عشر عاماً هذا الشهر، قام عملاء في تنظيم «القاعدة» بتنفيذ هجومين مدمرين ومتزامنين بالسيارات المفخخة استهدفا السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا. وقد أودى التفجيران اللذان وقعا في شرق أفريقيا بحياة 223 شخصاً، وأصابا أكثر من 4000 آخرين وتسببا في تشويه سمعة تنظيم «القاعدة»على المستوى الدولي - فضلاً عن تداعيات أخرى، إلى جانب وضع أسامة بن لادن على قائمة أوائل المطلوبين الخاصة بمكتب التحقيقات الفيدرالي.

واليوم، لا تزال السفارات الأمريكية هدفاً للمتطرفين الذين يستخدمون العنف - وهو ما أثبته الغلق الأخير لـ 19 سفارة أمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط استجابة لاتصالات تم رصدها لزعماء «القاعدة» - لكن طبيعة التهديد الإرهابي قد تطورت بمرور الوقت. فقد تغيرت العلاقة بين تنظيم «القاعدة» المركزي ووكلائه الإقليميين بشكل كبير، كما أن العلاقة بين الإرهابيين السنة والشيعة آخذة في التغير هي الأخرى. فهؤلاء المتطرفون غالباً ما ينحون خلافاتهم جانباً للتركيز على أعداء مشتركين حيثما تتلاقى مصالحهم - والشاهد على ذلك هي العلاقة بين إيران و«حزب الله» من جهة وحركة «حماس» السنية و "الجهاد الإسلامي الفلسطينية"، وهي منظمة إرهابية نشطة في قطاع غزة، من جهة أخرى. لكن تلك الشراكة أصبحت أكثر تعقيداً حيث أن الجماعتين تجدان نفسيهما في معركة مفتوحة من أجل السيطرة على سوريا.

وفي حين لعبت إيران و«حزب الله» أدواراً حاسمة في تدريب [عملاء من] تنظيم «القاعدة» وإعدادهم للهجوم على السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا عام 1988، يبدو أن ذلك التعاون غير محتمل اليوم. فحينها، كان عدو عدوهما صديقاً لهما - لكن القوتين الشيعيتين تقعان اليوم في بؤرة حرب بين السنة والشيعة تهدد بالانتقال من سوريا إلى لبنان والعراق، وخارجهما أيضاً.

وقد أصبحت هذه الحقيقة واضحة في لبنان من جراء تفجير سيارة مفخخة في 15 آب/أغسطس في الضواحي الجنوبية لبيروت الخاضعة لسيطرة «حزب الله»، والذي أودى بحياة 18 شخصاً على الأقل. والمجرمين الأكثر ترجيحاً وراء ذلك الهجوم هم الجهاديين السنة الذين أغضبهم دعم الجماعات شبه العسكرية الشيعية للنظام السوري.

وقد تبين في النهاية أن تفجيرات السفارات في شرق أفريقيا كانت من عمل بن لادن وحده، لكن لا يوجد شك في أن شبكة الجهاديين استفادت من سنوات من التعاون مع إيران. وفي بداية التحقيقات، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يدرس بالفعل الروابط الإيرانية بالهجومين. فقد ذكر تقرير بتاريخ 13 آب/أغسطس 1998 أوردته صحيفة التايمز اللندنية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يركز على تحركات السفير الإيراني في نيروبي، كاظم طبطبائي، والملحق الثقافي الإيراني في نيروبي، أحمد دراغاي، اللذين تركا منصبيهما قبل أسبوعين من الهجومين - وهو نمط شاهدناه في عامي 1992 و1994، في الفترة التي سبقت تفجير السفارة الإسرائيلية ومركز الجالية اليهودية في بوينس آيرس على التوالي.

وقد كانت هناك أسباب وجيهة أقلقت مسؤولي إنفاذ القانون والاستخبارات بشأن صلات محتملة للمتطرفين الشيعة بهذا الهجوم الذي من الواضح أن منفذيه هم من المتطرفين السنة. وبادئ ذي بدئ، كانت الشاحنات المفخخة الانتحارية التي أصابت السفارتين في شرق أفريقيا مشابهة لهجمات سابقة نفذها «حزب الله». ومثلما أوضحت «لجنة 11 أيلول/سبتمبر»، "أفادت التقارير أن بن لادن أظهر بالفعل في مطلع التسعينيات اهتماماً خاصاً بتعلم كيفية استخدام الشاحنات المفخخة"، على غرار تلك التي استخدمت في تفجير ثكنات قوات المارينز الأمريكية في عام 1983 في لبنان. ووفقاً لمعلومات استخباراتية أزيلت عنها صفة السرية وردت في «تقرير لجنة 11 أيلول/سبتمبر»، فإن عملاء تنظيم «القاعدة»، ومن بينهم كبار العملاء المتورطين في تخطيط الخلية الكينية لتفجير السفارتين، طوروا الخبرة التكتيكية لتنفيذ هذا النوع من الهجمات أثناء مشاركتهم في معسكرات تدريب الإرهابيين التابعة لـ «حزب الله» في لبنان في وقت ما خلال عام 1993.

إن تواصل «حزب الله» مع المتطرفين السنة في أفريقيا وخارجها يعود في الواقع إلى ما هو أبعد من ذلك. ففي أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، بدأ عملاء «حزب الله» الظهور في مناطق كانت جماعات إسلامية سنية تزاول فيها أنشطتها. على سبيل المثال، وثّق تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عام 1987 وجود روابط دعائية لـ «حزب الله» مع متطرفين مصريين. ويقول تقرير وكالة الاستخبارات المركزية بأنه "على الرغم من أن الروابط اللوجستية يحتمل أن تكون محدودة للغاية ويرجح أن تظل كذلك، فإن الروابط العامة الوثيقة بين «حزب الله» وراعيه الإيراني والتعاون الواضح مع الجماعات السنية المتطرفة تشكل نجاحاً دعائياً قيِّماً يؤكد على التزامهم بالوحدة الإسلامية".

وقد توسع نطاق هذه الروابط خلال سنوات قليلة، في الوقت الذي عمل فيه تنظيم «القاعدة» وإيران على توحيد عملياتهما لقتال عدوهم الأمريكي المشترك. ووفقاً لاتهام فيدرالي في عام 1998 في دعوى قامت بها الولايات المتحدة ضد أسامة بن لادن وآخرين، وهي القضية المرفوعة ضد بن لادن رداً على تفجير السفارتين في شرق أفريقيا، فإن تنظيم «القاعدة» أقام تحالفاً مع الحكومة الإيرانية منذ مطلع عام 1992، وتم التفاوض والاتفاق على شروط ذلك التحالف في الخرطوم بالسودان. وقد أفضت العلاقة التي تشكلت بين الكيانين في منتصف التسعينيات إلى سفر مبعوثي تنظيم «القاعدة» إلى إيران للتدرب على استخدام المتفجرات، وذلك وفقاً لـ «تقرير لجنة 11 أيلول/سبتمبر». وفي كتابه "البرج المتداعي" أو "Looming Tower" ذكر المؤلف لورانس رايت أن عماد مغنية، رئيس فرع الإرهاب الدولي التابع لـ «حزب الله» والذي يسود اعتقاد أيضاً بأنه ضابط صف في "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني، وافق كذلك على تدريب أعضاء من تنظيم «القاعدة» مقابل الحصول على أسلحة. ووفقاً للائحة الاتهام الفيدرالية، أرسلت «القاعدة» و"حركة الجهاد الإسلامي المصرية" ذات الصلة بها أعضاء إلى لبنان في أوقات متباينة بين عامي 1992 و1996 لتلقي التدريب على يد «حزب الله».

وفي النهاية، لم تكن إيران ولا «حزب الله» وراء تفجير السفارتين في شرق أفريقيا - فالخزي والعار لحق بـ تنظيم «القاعدة» وحده. لكن كليهما لعب أدواراً حيوية في السنوات التي سبقت التفجيرين من خلال توفير التدريب الدقيق الذي احتاجه عملاء «القاعدة» لتنفيذ الهجومين بنجاح. ومع انقطاع هذه الروابط اليوم، يرجح أن يعمل الإرهابيون التابعون لـ «القاعدة» وإيران كل على حده في تخطيطهم لشن هجمات مستقبلية ضد الولايات المتحدة.

ويشكل هذا نهاية تحالف طويل بين الجماعتين المتطرفتين، والذي امتد إلى بداية الألفية. فبعد أشهر قليلة من انتهاء حرب تموز/يوليو 2006 بين إسرائيل و«حزب الله»، كشفت الأمم المتحدة عن أن «اتحاد المحاكم الإسلامية» الراديكالي في الصومال أرسل نحو 720 مقاتلاً متمرساً إلى لبنان للقتال إلى جانب «حزب الله» ضد الجيش الإسرائيلي. وقد أفادت بعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في الصومال أن "الخبرة القتالية للأفراد، والتي قد تشمل الخبرة في أفغانستان، كانت من بين معايير عملية الاختيار". ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة عاد حوالي 80 من أفراد القوة المسلحة الصومالية إلى مقاديشيو بعد انتهاء القتال.

وفي مطلع أيلول/سبتمبر 2006، أفادت الأمم المتحدة أن نحو 25 مقاتلاً صومالياً إضافياً عادوا إلى وطنهم - برفقة خمسة من أعضاء «حزب الله». ولم يذكر تقرير الأمم المتحدة نشاط أعضاء «حزب الله» الخمسة في صوماليا، رغم أنه ذكر في مكان آخر أن «حزب الله» "وفّر التدريب العسكري لـ «تحالف المحاكم الإسلامية»، وأقام ترتيبات مع دول أخرى نيابة عن «اتحاد المحاكم الإسلامية» لكي يتلقى الأخير أسلحة". وأضاف التقرير أن من بين المقاتلين الصوماليين الذين لم يعودوا إلى وطنهم، كان هناك "عدداً" مدّد إقامته في لبنان لحضور دورات تدريبية عسكرية متقدمة وفّرها «حزب الله».

وقد أدت الحرب السورية الطاحنة اليوم إلى إفساد تلك العلاقات التي استمرت لعقود. فالمقاتلون السنة يتوافدون مرة أخرى إلى ميدان معركة أجنبي - لكنهم يذهبون الآن للقتال ضد مقاتلي «حزب الله»، وليس لتلقي التدريب على أيديهم. وقد أفادت التقارير أن جنود «حزب الله» اشتبكوا مع المسلحين الذين يقاتلون لحساب "جبهة النصرة" المنتسبة لـ تنظيم «القاعدة» في جميع أنحاء البلاد - لا سيما في مدن مثل القصير وحمص وحلب.

إن تداعيات الحرب السورية على شبكة تنظيم «القاعدة» في إيران - التي تزاول نشاطها لسنوات والخاضعة بجلاء لطهران - لا تزال غير واضحة. ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، وافقت شبكة «القاعدة» على الإمتناع عن إجراء أي عمليات في الأراضي الإيرانية وإطلاع الحكومة الإيرانية على أنشطتها - وفي المقابل، تسمح طهران بحرية عمل الجهاديين وحرية الحركة عبر أنحاء البلاد. إلا أن سوريا قد تفسد ذلك الترتيب: فقد ذكرت وزارة الخزانة أيضاً أن زعيم الشبكة، محسن الفضلي، "يستغل شبكته الواسعة من المانحين الجهاديين الكويتيين لإرسال الأموال إلى سوريا"، وأن الجماعة ترسل كذلك مقاتلين لدعم الشبكات المنتسبة لـ تنظيم «القاعدة» في سوريا. ويُفترض أن مثل ذلك النشاط يخرج الفضلي من دائرة رضا إيران - لكن لا يزال من الصعب الحصول على حقائق قاطعة حول تطور أنشطة تنظيم «القاعدة» في إيران.

وقد رافق انهيار هذه الشراكات الاستراتيجية حدوث ارتفاع في الانتقادات الطائفية اللاذعة التي تستهدف الأطراف الشيعية. ففي أواخر أيار/مايو، دعا يوسف القرضاوي، وهو أحد علماء السنة الأكثر تأثيراً، إلى الجهاد في سوريا ضد حكومة الرئيس بشار الأسد وأنصارها - إيران و«حزب الله» - "الذين هم أشد كفراً من اليهود والمسيحيين". وقد تبع ذلك بفترة وجيزة إثارة موجة من التصريحات الداعمة للعنف الطائفي من أجل تبرير دعم الجهاد في سوريا: فقد أدان المفتي الأكبر في المملكة العربية السعودية، «حزب الله» وقال إنه "حزب الشيطان"، كما أعلن عالم الدين السعودي سعود الشريم من منبره في المسجد الحرام في مكة أن على المؤمنين واجب دعم الثوار السوريين "بكافة الوسائل"، وقد أصدرت مجموعة من علماء السنة اليمنيين فتوى تدعو فيها إلى "الدفاع عن المضطهدين" في سوريا، وبعد ذلك أدان الرئيس المصري [السابق] محمد مرسي كلاً من نظام الأسد و«حزب الله» في تجمع بالقاهرة، ملوحاً بعلم المعارضة السورية.

وكلما طال أمد الحرب السورية، فإن الانقسامات الطائفية ستنمو أكثر عمقاً - ليس فقط بين أتباع السنة والشيعة العاديين، وإنما بين المتطرفين الذين يستخدمون العنف في كل طائفة. وبطبيعة الحال، إن ذلك يمكن أن يتغير. فيمكن لتلك الجماعات أن تقيم مرة أخرى تحالفاً مؤقتاً من أجل مكافحة تهديد أشد خطورة. إلا أن الحرب السورية قد ضمنت حتى الآن أن الإرهابيين الذين استغلوا مجموعة الموارد المتاحة لهم للهجوم على الولايات المتحدة سوف يضطرون الآن إلى تنفيذ أعمالهم المميتة كل بمفرده.

 

ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "«حزب الله»: البصمة العالمية الواضحة لـ «حزب الله» اللبناني".