منذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان 2019، أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وإمدادها بمعدات عسكرية،وذلك بهدف منع سقوط جماعة "الاخوان" ذراع أنقرة في ليبيا والراعي الرسمي لمصالحها ونفوذها هناك.وألقى هذا الدعم الكبير الضوء على نوايا تركيا المشبوهة،والتي تتوضح من خلال استعدادها لفعل أي شيء؛ من أجل عدم خسارة الساحة الليبية.

لكن الدعم التركي المتواصل لم ينجح في تحقيق أحلام أردوغان التي اصطدمت بواقع صعب على الأرض حيث تتواصل هزائم حلفائه ومرتزقته ومثلت صفعة قاعدة الوطية العسكرية آخر الأدلة على العجز المتواصل للحلف التركي-الاخواني في طرابلس.ناهيك عن ذلك تستمر الخسائر في صفوف مرتزقة أردوغان التي وصلت الى 268 قتيل وفق آخر احصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان.

هزائم تأتي بعد تصريحات عنترية لأردوغان زعم فيها أن "أخبارا سارة ستأتي قريبا من ليبيا"،في اشارة الى السيطرة على قاعدة الوطية الاستراتيجية،لكن الرد كان أسرع من قبل الجيش الليبي الذي وأد أحلام أردوغان على أسوار القاعدة.خسائر الرئيس التركي وحلفائه المستمرة وعجزهم عن تحقيق انتصارات دفعهم لانتهاج أساليب قذرة في الحرب الدائرة ضواحي العاصمة الليبية. 

استهداف المدنيين

في تطور جديد،لقي مدني ليبي وعنصران من الشرطة الليبية حتفهم وجرح 4 مدنيين في الساعات الأخيرة من ليل الخميس، بعد سقوط قذائف على منتزه طريق الشط بالقرب من مقر إقامة السفيرين الإيطالي والتركي بالعاصمة الليبية طرابلس.وكعادتها سارعت حكومة الوفاق ومن ورائها الآلة الاعلامية للاخوان لاتهام الجيش الليبي بالوقوف وراء القصف.

ووصف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج،هذا القصف ،"بالعمل الاجرامي الهمجي، وأكد في تصريح له بأن الاعتداء المتكرر على الاحياء السكنية هو فعل جبان يأتي بعد الهزائم المتتالية للمليشيات المعتدية على أرض المعركة".وتوعد برد قاس وموجعا في ميدان القتال".وفق ما افاد به المكتب الإعلامي.

وفي المقابل نفى الجيش الليبي بشكل قاطع استهداف مقار السفارات في العاصمة الليبية طرابلس أومقار الشركات الأجنبية أومؤسسات الدولة مؤكدا التزامه التام بحماية البعثات الدبلوماسية والشركات الأجنبية.وقال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي في بيان نشره على صفحته في موقع فيسبوك:" تنفي القيادة العامة نفياً قاطعا قيامها بهذه الأفعال التي تنافي المواثيق والقوانين والأعراف الدولية" في إشارة إلى استهداف المقار الدبلوماسية.

وجاء في بيان المسماري ردا على اتهامات حكومة الوفاق " في تقدمها نحو طرابلس تعهدت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، وبشكل مباشر، بحماية المقار الدبلوماسية كالسفارات الاجنبية ومقرات الهيئات والبعثات الدولية في العاصمة وكذلك مقرات الشركات الاجنبية ومؤسسات الدولة".وبين المسماري أن هذا التعهد لسببين  الاول " أن عمليات القوات المسلحة تستهدف حماية الوطن وضيوفه من الإرهاب والعصابات الإجرامية لتبرهن لليبيين والمجتمع الدولي أنها تقاتل من أجل السلام والأمن والاستقرار.

أما الثاني "تعلم القيادة العامة تماما أن العصابات الإرهابية لا تتوانى عن ارتكاب جرائم وأفعال قذرة ضد السفارات الأجنبية والهيئات الدولية من أجل تأليب الرأي العام الدولي على القوات المسلحة وأهداف الحرب التي تخوضها ضد التكفيريين والعصابات الاجرامية".وأشار البيان إلى أنه طوال السنوات الماضية، وقبل أن تبدأ عملية "طوفان الكرامة" كانت السفارات والبعثات الأجنبية "عرضة للاستهداف والاعتداء والسرقة والنهب من المليشيات المسيطرة على العاصمة".

ويذكر اتصال السراج بالسفيرين التركي والايطالي للاطمئنان عليهما بظهوره في أبريل 2019، بعد وقت قصير من استهداف حيي ابو سليم والانتصار السكنيين في جنوب العاصمة،منددا بقصف المدنيين ومتهمين قوات الجيش بالمسؤولية عن قتل وإصابة مدنيين في هذا القصف،في مشهد وصفته العديد من المتابعين للشأن الليبي بأنه مسرحي سيء الإخراج.

لكن فصول المسرحية الجديدة تزداد وضوحا مع تراجع وزارة الصحة بحكومة الوفاق،على لسان المتحدث بإسمها مذيع قناة التناصح،أمين الهاشمي عن رواية أعلنها مساء الجمعة حول مقتل 4 مدنيين من عائلة واحدة في عين زارة وقال أن الخبر بلاغ كاذب.وذلك بعد مطالبة المدونين والمعلقين لها بكشف صور وشهادات وفاة الضحايا.

من جهته، قال مدير المكتب الإعلامي للواء 73 مشاة التابع للجيش، المنذر الخرطوش، السبت، إن المرتزقة القادمين من سوريا، والأتراك هم الذين ينفذون القصف المدفعي العشوائي المتكرر على أحياء العاصمة طرابلس.وأوضح الخرطوش في تدوينة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إن المرتزقة السوريين وراء طريقة التعامل بالمدفعية بشكل عشوائي، دون الاكتراث بحجم الأضرار وتدمير بيوت المدنيين.وأدان الخرطوش صمت البعثة الأممية على هذه الجرائم،مؤكدًا أن البعثة لا تنظر إلا من عين واحدة، وهي تحركات الجيش.

وهذه ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها عن قتلى مدنيين هنا وهناك يتم تمريرهم من بين الضحايا الحقيقيين ليتضح بأنهم أسماء وهمية أو غير موجودين أو حددت وفاتهم أو إصابتهم بطريقة خاطئة كالذين أصيبوا في إنفجار ذخائر أبوسليم وأُعلن عنهم وكأنهم أصيبوا في قصف مباشر وغيره من الحالات.يشير مراقبون الى أن اتهام الجيش الليبي بقصف المدنيين لا يعدو أن يكون محاولة من المليشيات المسلحة لتشويه الجيش الليبي في وقت عجزت فيه عن مجاراته ميدانيا.

التحريض ضد المدن

على وقع الخسائر الميدانية الكبيرة التي منيت بها المليشيات المسلحة في طرابلس والمدعومة بمرتقة تركيا،بدأ تيار الاسلام السياسي وعلى راسه جماعة "الإخوان"محاولاتهم المعهودة للتحريض ضد الجيش الوطني الليبي والمدن الداعمة له في عزف متجدد على أوتار الفتنة التي تمثل سلاح الاخوان المحبذ لاستمرار الفوضى والعبث بمقدرات الشعب الليبي دون رقيب أو حسيب.

آخر فصول التحريض والتهديد جاء عبر ميليشيا ما تسمى بالصمود التابعة لقوات الوفاق،الجمعة،والتي طالبت بشن غارات على مدينة الزنتان وتوجيه ضربات عسكرية لها وتعطيل المطار فيها.وأوضحت الميليشيا التي يقودها المدعو صلاح بادي المدرج ضمن قوائم العقوبات الأمريكية ومجلس الأمن،والمسؤول عن حرق مطار طرابلس في بيان لها أن مدينة الزنتان، ما تزال من أكبر وأخطر بؤر السلاح المستخدم في منع الاستقرار بالمنطقة الغربية، بحسب تعبير البيان.

وسرعان ما شن الطيران التركي عدوانه على البوابة الشمالية لمدينة الرجبان في أول عمل جوي عسكري بالمنطقة منذ عملية "فجر ليبيا" في 2014.ونقلت تقارير اعلامية عن شهود عيان أن بوابة الرجبان الشمالية كان يتواجد بها رجال من الشرطة، وفريق طبي للكشف وأخذ بيانات الزوار فضلا عن سيارة إسعاف، وقت قصف الطيران المسير.وأسفر القصف عن سقوط عدد من الضحايا.

وتزايدت وتيرة التحريض ضد المدن الداعمة للجيش الليبي وخاصة مدينة ترهونة التي شهدت خلال الفترة الماضية هجمات متكررة من المليشيات ومرتزقة وارهابيي أردوغان.وبالإضافة إلى هذه الهجمات فرضت حكومة فايز السراج في العاصمة الليبية طرابلس حصارا اقتصاديا وخدميا على مدينة ترهونةً، ضمن حرب التجويع التي تشنها لإجبار سكان المدينة على التراجع عن دعم الجيش الليبي. وشمل الحصار الذي تفرضه المليشيات على المدينة قطع الخدمات الأساسية بشكل ممنهج تشمل المياه والكهرباء والاتصالات الهاتفية والإنترنت مع استهداف عشوائي بالطيران التركي المسير لإجبار ترهونة على التخلي عن الجيش.

كما فرضت المليشيات حصارا على الطرق المؤدية للمدينة، فيما استهدفت الطائرات التركية المسيرة الداعمة لحكومة السراج عدة شحنات وقود ومواد غذائية قبل الوصول إليها. وهو ما دفع عدة جهات حقوقية لاصدار بيانات إدانة عن محاصرة ترهونة واستخدام التجويع كسلاح في المعارك ضد المدنيين والمدن بصفة عامة.

وسبق أن أكد المفتي المعزول الصادق الغرياني، المعروف بتصريحاته المحرّضة ضد الجيش الليبي والداعمة للإرهابيين، إن حسم المعركة يتطلب اجتياح ترهونة للقضاء على المفسدين، أعداء القرآن". على حد زعمه. وقال الغرياني في استضافة عبر برنامج "الإسلام والحياة" المذاع عبر قناته التناصح، إن "المدافعين عن طرابلس لن يتمكنوا من حسم المعركة ما لم يحسموا أمر ترهونة بالقضاء على من وصفهم بالعصابات المتواجدة فيها على غرار عملية غريان".

وتوعدت قوات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق، بالانتقام من أهالي مدينة ترهونة بعد السيطرة عليها. وأظهر تسجيل مصور تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، أحد أفراد المليشيات وهو يهدد أهالي ترهونة، متوعدًا بعدم ترك امرأة على قيد الحياة في ترهونة حال دخول هذه الجماعات المسلحة للمدينة. ويعكس هذا التصرف روح هذه المجموعات المسلحة العدائية والانتقامية لأهالي المدن الليبية، والتي تغذيها تركيا وجماعة "الاخوان" خدمة لخططهم بنشر الفوضى في ليبيا.

وتسعى تركيا لضرب الروابط الاجتماعية للمجتمع الليبي من خلال تغذيتها للنعرات القبلية والجهوية والمناطقية فهي تريد تركيز ثارات وعداوات بين مدينة ترهونة وجيرانها من الغرب الليبي عبر عمليات تورّط فيها مليشيات منفلتة ومرتزقة أجانب تحاول من خلالها شرخ النسيج الاجتماعي الليبي ونشر الفتنة والكراهية بين ترهونة وبقية مدن الغرب الليبي.

سلاح باسم المساعدات

في الوقت الذي أطلق فيه الاتحاد الأوروبي العملية "ايريني" قبالة ليبيا للعمل على تنفيذ قرارات حظر تصدير السلاح إلى ليبيا،وجدت تركيا وسيلة جديدة من خلال شحنات المساعدات الانسانية بدعوى مواجهة جائحة "كورونا" لاغراق ليبيا بالمزيد من الاسلحة التي يراد منها سفك المزيد والمزيد من دماء ليبيا وهذه المرة تحت غطاء "الانسانية" التي يبدو أن النظام التركي بعيد كل البعد عنها.

وتكشف الأمر مع الجدل الكبير الذي أحدثه نزول طائرة قيل إنها محملة بمساعدات طبية تركية ستوجه إلى ليبيا، في الجنوب التونسي،والتي أثارت تساؤلات كبيرة في علاقة وثيقة بمخاطر الانزلاق نحو تورط تونس في الصراع الليبي، تحت غطاء "البعد الانساني" المروج له من وراء رحلة الطائرة التركية، ونزولها في هذا الظرف بالذات في مطار تونسي، على بعد أميال قليلة من بؤرة الصراعغرب ليبيا.

وأصدرت أحزاب تونسية بيانات، عبرت من خلالها عن رفضها المطلق لأيّ نشاط تركي على الأراضي التونسية لدعم "المليشيات والإرهابيين" وتصدير المرتزقة لليبيا، حسب وصفها.والأحزاب هي حزب "الدستوري الحر"، و التيار الشعبي وحزب العمال والحزب الاشتراكي وحركة البعث وحركة تونس إلى الأمام وحزب القطب الديمقراطي الحداثي، وهي كلها أحزاب ذات توجه يساري.

وتزايدت الشبهات مع الاتصالات الأخيرة بين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس المجلس الرئاسي الاخواني خالد المشري والتي تزامنت مع محاولات الغنوشي تمرير اتفاقيتين مشبوهتين مع أنقرة والدوحة، مستغلا انشغال تونس بجائحة كورونا،وهو ما اعتبره سياسيون تونسيون محاولة للزج بتونس في الصراع الليبي خدمة لأجندات أردوغان.

وقال رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق،في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، بكل أسف أحد الأطراف في السلطة هم "الإخوان" تربطهم علاقة أيدولوجية بأحد الأطراف في ليبيا،  وبالطرف التركي، وهو ما دفعنا لمعارضة نزول الطائرة التركية بالأراضي التونسية، حيث كان من الأفضل أن تمر عبر الطائرات الأممية ذات الصلة، خاصة أن تركيا هي طرف عسكري في الصراع الدائر".

وفتح هذه التطورات الأعين على الدور التركي الأوسع في أفريقيا، حيث كشفت صحيفة ديلي مافريك الجنوب أفريقية، أنّ ست طائرات شحن عسكرية تركية سافرت من تركيا إلى جنوب أفريقيا حاملة كمية صغيرة من الإمدادات الطبية، بينما عادت محملة بالمعدات العسكرية التي تم شراؤها من الشركة المنتجة للذخيرة راينميتال دينل مونيتيون، وذلك على الرغم من أنّ لوائح الحظر المحلية تسمح فقط بنقل إمدادات الغذاء والدواء.

وحذّر المحلل سياسي شانون إبراهيم، في صحيفة "ذا ستار"، التي تصدر في جنوب أفريقيا، من أنّ المُعدّات العسكرية التي باعتها بلاده إلى تركيا سوف تنتهي على الأرجح في سوريا وليبيا بنتائج مدمرة.وأضاف إنه "من غير المعقول أن توافق جنوب أفريقيا على تصدير العتاد العسكري إلى تركيا منذ أن نص قانون مراقبة الأسلحة التقليدية على أن جنوب أفريقيا لا تبيع المعدات والأسلحة العسكرية لأيّ بلد يشارك في نزاع مسلح.

وتحرص تركيا على تغليف تحركاتها المشبوهة في ليبيا والمنطقة عموما باسم الانسانية،ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن أردوغان وحلفائه "الاخوان" سيفعلون كل شيء؛ من أجل ألا تخرج طرابلس آخر معاقلهم عن سيطرتهم،معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات.وباتت هذه المخططات مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك حجم المؤامرات التي تحاك ضده طمعا في ثرواته.