أمام تنامي نشاط الجماعات الإرهابية في ليبيا واستشراء الفوضى والعنف الممنهج، وخوفا من تداعيات الأزمة المتصاعدة على دول الجوار، استنفرت الجزائر أمنيا على حدودها واضعة خطّة أمنية جديدة لدرء مخاطر الإرهاب والتصدي لأي هجوم إرهابي محتمل من ليبيا يهدد أمنها واستقرارها.

أعلنت القوات الجوية الجزائرية استنفار قواتها وقواعدها على الحدود مع ليبيا في إطار خطة أمنية جديدة، بهدف مواجهة احتمال تعرض الجزائر لهجمات “إرهابية” تنطلق من ليبيا، بحسب مصدر أمني جزائري.

وقال المصدر الأمني، إنه “تقرر في إطار الخطة الأمنية تدمير أية قافلة سيارات تقترب من الحدود بين البلدين فور دخولها الأراضي الجزائرية".

وأضاف المصدر الأمني أن قيادة الجيش الوطني الشعبي الجزائري اعتبرت أن “مجرد التسلل دون ترخيص مسبق لأية قافلة سيارات هو عمل عدائي في ظروف الوضع الأمني المضطرب الذي تعيشه ليبيا".

ومضى قائلا إن “القيادة العسكرية الجزائرية وضعت في الاعتبار احتمال تنفيذ جماعات إرهابية ليبية اعتداءات ضد مدنيين أجانب في الجنوب الجزائري في حالة تنفيذ عمليات عسكرية غربية ضد الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا".

وبحسب المصدر ذاته، فقد قررت قيادة أركان الجيش الجزائري تدمير أية قافلة سيارات تقترب من الحدود البرية التي تفصل بين الجزائر وليبيا. وجاء القرار لمواجهة احتمال تعرض الجزائر لهجمات إرهابية تنطلق من ليبيا مع تزايد احتمالات تعرض الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا لهجمات جوية غربية”، وفق المصدر الأمني.

وأشار المصدر إلى أن “قيادة الجيش الجزائري أعطت تعليمات صارمة لقواتها الجوية الموجودة في الحدود مع ليبيا للتعامل مع أية محاولة تسلل لمجموعة سيارات عبر الصحراء الموجودة في الحدود مع ليبيا، واعتبر القرار أية مجموعة من السيارات تقترب من الحدود وتحاول التسلل إلى الجزائر قوة معادية يتم تدميرها إذا رفض ركابها التوقف".

وأشار إلى أن الوضع القائم حاليا على الحدود بين الجزائر وليبيا خطير بسبب زيادة نفوذ الجماعات السلفية الجهادية في هذه الدولة، كما أن الحدود مغلقة ولا تفتح إلا أمام الحالات الإنسانية للأشخاص الفارين من الحرب الأهلية في ليبيا”. وأدى غياب أية سلطة أمنية رسمية في الجانب الليبي من الحدود مع الجزائر إلى غلق الحدود بين البلدين في شهر مايو الماضي.

والمعلوم أنه منذ انفلات الأمن في ليبيا واستشراء الفوضي في كامل أنحاء البلاد بسبب تغوّل الجماعات المتشددة وتصادمها مع قوات حفتر المناهضة للتطرف، تعكف السلطات الجزائرية على البحث عن حلول عملية لتفادي تأثير الأزمة الليبية وتداعياتها على دول الجوار.

وأبدى نظام بوتفليقة استعداداه للتعامل مع أيّ كان بشرط ألاّ يتسرّب المسلحون إلى أراضيه وألاّ يتمّ تصدير الفوضى من ليبيا إلى الأراضي الجزائرية، فعمد المسؤولون إلى المشاركة في كل المؤتمرات الدولية والإقليمية لمساعدة ليبيا على الخروج من الأزمة السياسية سواء بالتدخل العسكري أو بدعم الحوار بين الفرقاء لاكتمال المسار الانتقالي وبناء مؤسسات الدولة.

وبناء على ذلك قام بوتفليقة بدعوة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية رسميا، مجريا معه بعض المباحثات التي تركّزت أساسا على الوضع في ليبيا، ولم تكن دعوة الغنوشي بالتحديد مجانية أو اعتباطية. فقد أكد مراقبون أن بوتفليقة يستعين بزعيم إخوان تونس الذي له علاقات وثيقة بإخوان ليبيا للتفاوض معهم بغية تهدئة الأوضاع، وبعد الزيارة بأسابيع قليلة أعلن الغنوشي أنه سيقوم بزيارة مرتقبة إلى ليبيا دون أن يحدد التاريخ أو سبب الزيارة.

ولم تكتف السلطات الجزائرية بذلك فقط بل أعلنت مؤخرا على لسان وزير خارجيتها أنها مستعدة للواسطة مع المتشددين من أجل وقف إطلاق النار وتحجيم الصراعات بين الميليشيات المسلحة. كما قام بوتفليقة بتعيين اللواء بشير طرطاق، في منصب مستشاره الأمني الخاص، لمواجهة “الملف الأمني على الحدود، والذي بات مصدر قلق للوضع الداخلي للجزائر”.

وجاء اختيار طرطاق، الذي أنهيت مهامه قبل عام كمسؤول على جهاز الأمن الداخلي، لما له من خبرة في مكافحة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وأنه كان من بين الفاعلين في مواجهة التطرف الذي عصف بالجزائر منتصف التسعينات، بحسب مراقبين.

الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة سلّمت مؤخرا تقريرا للحكومة الجزائرية ذكرت فيه أن الأسلحة تنتشر من ليبيا “بمعدل مثير للانزعاج".

وجاء في التقرير، الذي أعدته مجموعة الخبراء في مجلس الأمن الدولي أن السلاح الليبي يشكل خطرا على دول الساحل ودول جوار ليبيا، ويجري تهريبه عبر جنوب تونس وجنوب الجزائر وشمال النيجر إلى جهات مثل مالي، فضلا عن بقاء بعض الأسلحة في دول العبور لتستخدمها جماعات متشددة محلية.

وأشار التقرير إلى أن “هذه المناطق تستخدم أيضا كقواعد ونقاط عبور لجماعات مسلحة غير رسمية، بما في ذلك جماعات إرهابية وشبكات للجريمة وتهريب المخدرات لها روابط بمنطقة الساحل في أفريقيا".

وكان مجلس الأمن الدولي قد أقرَّ مؤخرا بالخطر الذي أصبح يمثله انتشار السلاح في ليبيا منذ انهيار نظام القذافي على دول الجوار خاصة والمنطقة بصفة عامة.

وأعرب مجلس الأمن عن قلقه حيال تدفق الأسلحة من ليبيا إلى الدول المجاورة خلال الأشهر الأخيرة، داعياً السلطات في طرابلس إلى العمل على ضبط عمليات التهريب التي تهدد الأمن بالمنطقة وذلك بالتنسيق مع كافة دول الجوار الليبي.