أصبحت ليبيا جراء الفوضى التي عصفت بها منذ العام 2011، في مقدمة الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا. وذلك في خضم الفراغ الأمني الذي جعل البلاد عاجزة عن التصدي لمهربي البشر الذين يستغلون أوضاعا وظروف عيش قاسية تمر بها بعض شعوب أفريقيا جنوب الصحراء لكسب أموال طائلة. 

وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن اللاجئين الذين تضمهم مراكز الاحتجاز الليبية، معظمهم من دول تشاد والنيجر والسودان وإريتريا والصومال وغامبيا ومالي ونيجيريا والسنغال وتوغو، بالإضافة إلى دخول أعداد كبيرة من مصر وباكستان وبنجلاديش، من الباحثين عن فرصة للسفر إلى أوروبا عن طريق البحر، في رحلة هجرة غير شرعية. 

ومثل التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين على شواطئها، أزمة كبيرة في ليبيا التي إكتضت مدنها بمراكز الإحتجاز وسط ظروف ممأساوية للمهاجرين جراء النقص الهائل في الخدمات علاوة على الإنتهاكات المستمرة على يد الميليشيات والتي باتت في مرمى سهام الانتقادات المتكررة. 

تقرير جديد

آخر هذه الإنتقادات، جاءت في تقرير صادر عن منظمة إنسانية، كشفت فيه أن مهاجرات حوامل تعرضن لإجهاض قسري داخل معسكر احتجاز قرب العاصمة الليبية طرابلس.  وقال تقرير منظمة "أمل البحر الأبيض المتوسط"، التي تنفذ برنامجًا للاجئين والمهاجرين بتمويل من اتحاد الكنائس الإنجيلية في إيطاليا، إن "الرجال والنساء يوضعون في زنازين منفصلة، وفي الليل يقوم 4 حراس يتبعون لميليشيا حكومية بجلب واحدة من النساء واغتصابها بشكل متكرر"، مشيرًا إلى أن ذلك تم "لأكثر من عام". 

ونقلت المنظمة في تقريرها الذي نشرته صحيفة "فارو دي روما" الإيطالية، الأحد، شهادة مهاجرة تدعى "نور"، وصلت أخيرًا إلى جزيرة "لامبيدوزا" الإيطالية، بعد رحلة مليئة بالمخاطر. وقالت نور، إن "نزيلة المركز التي تحمل جراء الاغتصاب المتكرر، يجري إحضارها وقذفها إلى الأرض، ثم يبدأ رجال الميليشيات بركلها على بطنها حتى يخرج الجنين منها". 

وأشارت المنظمة، إلى أن "معظم المهاجرين لا يتمكنون من مغادرة المركز إلا بعد دفع مبلغ مالي". وروت المنظمة قصة مهاجر آخر يدعى عبدي، وهو إريتريّ أمضى سنة و7 أشهر في مكان مغلق وضيق بليبيا. وذكرت أنه "كان يتعرض خلال تلك المدة للضرب كل يوم من قبل رجال عصابات تهريب، حتى اتصلوا بوالدته، في إريتريا، وطلبوا 11 ألف دولار كفدية، وبعد دفعها تمكن من الصعود إلى قارب أوصله إلى لامبيدوزا". 

وشددت مارتا برناردي، منسقة البرنامج في جزيرة لامبيدوزا، على أن "هذه القصص، المليئة بالوحشية وانتهاكات حقوق الإنسان، تظهر مرة أخرى أنه يجب علينا العمل على إنشاء ممرات آمنة لأولئك الفارين من الحرب والفقر". 

هذه الانتقادات لمراكز إحتجاز المهاجرين ليست الأولى من نوعها التي تطال الأخيرة، فمنذ إبرام السلطات الليبية اتفاقا مع إيطاليا لتمويل مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا، في فبراير 2017، تعالت الأصوات المنددة بالإتفاقية التي وصفتها جريدة "واشنطن بوست" الأميركية، في تقريرلها في أبريل 2017، بـ"صفقة غريبة" لوقف تدفق المهاجرين إلى شواطئ إيطاليا الجنوبية، وإبقاء المهاجرين داخل ليبيا حيث يواجهون "تعذيبًا واستغلالاً وعبودية". 

وبات ملف الانتهاكات في حق المهاجرين الأكثر تداولا ، خاصة بعد الأزمة التي أحدثها تقرير بثته قناة "سي إن إن" الأمريكية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وتم تداوله بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، وأظهر عمليات بيع المهاجرين بالمزاد العلني في ليبيا. وقوبل هذا التقرير بحملة تنديد واسعة من عدة أطراف دولية وسط مطالبات بالتحقيق فى القضية ومعاقبة المسؤولين. 

أزمة متواصلة

على صعيدآخر، جددت ليبيا رفضها إقامة مراكز لاستقبال المهاجرين على أراضيها، حيث أكد وزير الخارجية الليبي محمد طه سيالة في حديث نشرته صحيفة "داي برس" النمساوية، الجمعة، أن ليبيا وجاراتها في شمال إفريقيا ترفض المشروع الأوروبي لإقامة مراكز استقبال للمهاجرين على أراضيها لمنع وصولهم مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي. 

وكانت حكومة الوفاق الليبية قد رفضت، في يونيو الماضي، اقتراحا إيطاليا بشأن إقامة مخيمات استقبال اللاجئين على حدود البلاد الجنوبية. وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، أحمد معيتيق، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني في طرابلس: "نتفق مع أوروبا في ما يتعلق بمسألة الهجرة، لكننا نرفض بشكل قاطع إقامة أي مخيمات للمهاجرين في أراضي ليبيا". 

وجاء ذلك بعد قرار القادة الأوروبيين، دراسة إقامة مراكز استقبال للمهاجرين الذين يتم انقاذهم في البحر المتوسط خارج الأراضي الأوروبية بهدف ضبط تدفق الهجرة باتجاه دول الاتحاد الأوروبي. ولكن منذ البداية، عارضت بلدان شمال إفريقيا التي كان يفترض أن تستقبل هذه المراكز الفكرة. 

وقال سيالة إن مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا اليوم تضم نحو 30 ألف مهاجر غير قانوني في حين يوجد "نحو 750 ألفا" آخرين موزعين على الأراضي الليبية. وقال إن ليبيا تتعاون مع الاتحاد الأوروبي لإعادة هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، "للأسف بعض البلدان ترفض استعادتهم"، مشيرا بشكل خاص إلى بلدان غرب إفريقيا. 

وتحاول ليبيا منذ أشهر ترحيل المهاجرين الى بدانهم لتخفيف العبئ الذي تعانيه، وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأحد 21 أكتوبر 2018، أن أكثر من 13 ألف مهاجر غير شرعي تم ترحيلهم من ليبيا إلى بلادهم خلال عشرة أشهر. وأفادت تغريدة نشرتها البعثة الأممية عبر حسابها الرسمي على (تويتر)، أنه "منذ بداية العام الجاري وحتى تاريخ الـ 11 من أكتوبر الجاري، ساعدت المنظمة الدولية للهجرة ما مجموعه 13. 393 مهاجرا للعودة بأمان الى 32 بلدا. 

وأكدت المنظمة أنها نجحت في "إعادة هذا الكم الهائل من المهاجرين غير الشرعيين" منذ بداية العام الحالي، بالتعاون مع السلطات الليبية وبلدانهم الأصلية. وتقول المنظمة الدولية للهجرة انها ساعدت قرابة 20 ألف مهاجر غير شرعي على العودة من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية العام الماضي. 

وأصبحت ليبيا الغارقة في الفوضى منذ العام 2011 أحد أبرز بلدان عبور المهاجرين القادمين من الصحراء الجنوبية الإفريقية باتجاه سواحل أوروبا. وينتقد العديد من المنظمات الدولية ومنها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة باستمرار إساءة معاملة المهاجرين في ليبيا. 

وقال سيالة بشأن الوضع في مراكز الاحتجاز "نفعل ما بوسعنا ولكن لدينا مشكلات مالية". وللحد من تدفق المهاجرين إلى ليبيا، قال سيالة إن بلاده وقعت اتفاقات مع تشاد والنيجر والسودان لتعزيز حماية الحدود الجنوبية. وحول ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي لحماية هذه الحدود، اقترح سيالة إرسال "مساعدات لوجستية: سيارات رباعية الدفع، طائرات بدون طيار، مروحيات وربما بعض الأسلحة الخفيفة". 

وعن المؤتمر المقرر عقده في باليرمو عاصمة جزيرة صقلية الإيطالية في 12 و13 نوفمبر (تشرين الثاني) حول جهود الاستقرار في ليبيا، قال سيالة إنه "لا يظن" ان المؤتمر سيشكل "منعطفاً" بالنسبة إلى بلاده. 

تنصل أوروبي

يأتي ذلك، في وقت استلمت فيه قوات البحرية التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الأحد، أول الزوارق المقدمة من إيطاليا، حسبما أفادت صحيفة المرصد الليبية. وقال بيان صادر عن مكتب الإعلام والثقافة بالقوات البحرية، إن حرس السواحل أطلق على الزورق، الذي يبلغ طوله 27م وعرضه 7م وغاطسه 2. 5م ويستوعب طاقما من 14 ضابطًا وضابط صف وجنديًا، اسم "فزان". 

ويستخدم الزورق لدوريات المراقبة والاستطلاع وإنفاذ القانون في البحر، ومراقبة الصيد البحري والبيئة البحرية، ومكافحة الأنشطة غير المرخص لها وغير الشرعية. 

وكانت الحكومة الإيطالية قررت تقديم 12 زورقًا سريعًا إلى خفر السواحل الليبي لمساعدتهم للتصدي لمحاولات الهجرة إلى إيطاليا عبر ليبيا، كما ستهتم الحكومة الإيطالية بصيانة هذه القوارب خلال العام الأول لتسليمها وتدريب القوات الليبية على إدارتها بتكلفة إجمالية 2. 5 مليون يورو. 

واقتصرت جهود الدول الأوروبية، منذ بداية الأزمة على اعتراض المهاجرين في البحر وإيقافهم من أجل إبقائهم خارج أراضيها، حيث سعت إلى تعزيز السيطرة على حدودها البحرية مع ليبيا بهدف تقليل أعداد المهاجرين القادمين إليها عبر البحر المتوسط، كما قامت بتقديم مساعدات لخفر السواحل الليبية لاعتراض قوارب المهاجرين في البحر المتوسط ومنعهم من الوصول إلى أوروبا. 

وحولت هذه المساعي الأوروبية لإبعاد المهاجرين عن أراضيها، ليبيا من بلد عبور إلى بلد إستقطاب، حيث أجبر الآلاف من طالبي الهجرة على البقاء في ليبيا التي تعاني أصلا من أزمة خانقة بسبب الإنقسامات والصراعات أثرت على الأوضاع المعيشية والخدمات العامة وخاصة قطاع الصحة الذى يشهد ترديا كبيرا بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية.