في خضم الفراغ الأمني وتواصل غياب سلطة موحدة مازالت ليبيا بوابة للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يتلهفون للوصول إلى الشواطئ الأوروبية مجازفين بحياتهم، والذين ينتهي بهم في المطاف في مراكز احتجاز ليبية تطالها الانتقادات بصفة متكررة،لتبقى هذه الظاهرة ورغم تراجعها إحدى أبرز التحديات التي تواجه السلطات الليبية.

إلى ذلك،تتصاعد تدفقات الهجرة غير القانونية من القارة الإفريقية انطلاقا من ليبيا إلى ضفة المتوسط الأوروبية بالتزامن مع تحسن الأحوال الجوية،وهو ما أكده إنقاذ 199 مهاجرا خلال 3 أيام في غرب ليبيا،بحسب ما أكدت البحرية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس في بيان لها اليوم السبت.

وأوضحت البحرية أن "قطاعات حرس السواحل الثلاثة التابعة لها تمكنت خلال أيام الإربعاء والخميس والجمعة الماضية من إنقاذ 199 مهاجرا غير نظامي كانوا على متن 5 قوارب مطاطية شمال غرب وشمال شرق طرابلس وعلى مسافات متباينة".وينتمي المهاجرون لجنسيات السودان وجنوب السودان ومصر والسنغال والصومال وأثيوبيا وبنجلاديش وكان ضمنهم مجموعة من النساء لم تحدد أعدادهن.

وبحسب مكتب الإعلام بالبحرية الليبية فقد أنقذ قطاع طرابلس 56 مهاجرا في 3 عمليات، فيما أنقذ القطاع الغربي 30 مهاجرا، وتكفل القطاع الأوسط بإنقاذ 103 آخرين.وأفاد المكتب بنقل المهاجرين إلى نقاط الإنزال الخاصة بحرس السواحل في "القاعدة البحرية طرابلس، مصفاة الزاوية، ونقطة الخمس"، مشيرا إلى تسليمهم لمراكز إيواء ( طرابلس، والزاوية، والخمس) بعد تقديم مساعدات إنسانية وصحية.

وتكتظ مراكز الإيواء في ليبيا بعشرات الآلاف من المهاجرين ممن قامت السلطات الليبية بتوقيفهم داخل البلاد أو إنقاذهم في عرض البحر. وينال عدد من المهاجرين فرصة إعادة توطينهم في بلد ثالث، فيما تتم إعادة غالبيتهم طوعا إلى بلدانهم عن طريق المنظمة الدولية للهجرة.

وباتت مراكز الاحتجاز في ليبيا،في مرمى سهام الانتقادات المتكررة بسبب الأوضاع السيئة التي يعيشها المهاجرون في هذه المراكز.وفي السابع من يونيو الجاري،نددت الأمم المتحدة بالظروف "المروعة" في مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا، مشيرة إلى "وفاة عشرات منهم جراء إصابتهم بالسل، ومعاناة مئات من الجوع بسبب قلة حصص الطعام، بينما فُـقد آخرون على ما يبدو".

وقال الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، روبرت كولفيل، في بيان نشرته "فرانس برس": "نشعر بقلق بالغ حيال الظروف المروعة التي يحتجَز فيها المهاجرون واللاجئون في ليبيا".وحسب بيانات الأمم المتحدة، لا يزال هناك نحو 3400 لاجئ ومهاجر محتجزين في طرابلس، التي تشهد معارك مستمرة منذ بداية أبريل الفائت.

وتتواصل مساعي السلطات لترحيل المهاجرين غير القانونيين من ليبيا،حيث التقى وكيل وزير داخلية الوفاق لشؤون الهجرة غير الشرعية محمد الشيباني برئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.وجرى خلال اللقاء وفقا لبيان صحفي صادر عن وزارة داخلية الوفاق بحث سبل إيجاد حلول ناجعة للإشكاليات التي تواجه المهاجرين غير القانونيين في مراكز الإيواء على الأراضي الليبية.

وشهد جانب من اللقاء تدارس سبل تسريع ترحيل هؤلاء المهاجرين غير القانونيين من ليبيا وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم التي أتوا منها أو توطينهم في بلد آخر.هذا وأتى اللقاء على هامش مشاركة الشيباني في أعمال اجتماع اللجنة التوجيهية الثالثة لبرنامج إدارة تدفقات الهجرة المختلطة في ليبيا من خلال توسيع نطاق الحماية ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية الذي تحتضنه العاصمة التونسية تونس.

وقبل أربعة أيام، بدأ فريق العمل التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسجيل المهاجرين غير الشرعيين من الجنسيات الأفريقية الصومالية والإريترية والإثيوبية من نزلاء جهاز مكافحة الهجرة غيرالشرعية فرع طرابلس.وأوضح جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، فرع طرابلس، عبر حسابه الرسمي بـ"فيسبوك"، أن هذا الإجراء الذي بدأ الثلاثاء الماضي يأتي استكمالاً لإجراءات قانونية لازمة لترحيل هؤلاء المهاجرين إلى بلد آخر، وهو جمهورية النيجر، ومن ثم إلى بلد ثالث.

ومع تواصل تدفق الآلاف في المتوسط،تسارع الدول الأوروبية الي التحرك نحو الحد من وصول المهاجرين الي أراضيها وحماية شواطئها بكل السبل.ومنتصف يونيو الجاري،قال زعماء سبع دول في جنوب الاتحاد الأوروبي، إن جميع السفن العاملة في البحر المتوسط يجب أن تحترم القوانين الدولية وأن تتوقف عن "عرقلة" عمليات خفر السواحل الليبية.

وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة من جانب المنظمات الإنسانية، عبر رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات عن شكره لخفر السواحل الليبي لدوره في عمليات إنقاذ المهاجرين، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.وقال موسكات إن خفر السواحل الليبي الذي يقوم بإعادة المهاجرين إلى ليبيا بعد اعتراض قواربهم يقوم "بعمل بارع".

وفي ظل التوترات الأمنية في العاصمة طرابلس ومحيطها تزداد المخاوف من وضع المهاجرين الذين هرب أكثرهم من الحرب والاضطهاد فوجدوا أنفسهم في الوضع ذاته وربما أسوأ خصوصا مع ورود تقارير كثيرة تتحدث عن تعرض المهاجرين في ليبيا للاعتقال التعسفي في حين تحدثت تقارير أخرى عن اتهامات موجهة لحكومة الوفاق بوجود مسلحين وسيطرتهم على مراكز الإيواء.

وقالت وزارة الأميركية إن المهاجرين في ليبيا معرضون بشدة "للدعارة والعمالة"، بمن في ذلك "أولئك الذين يبحثون عن عمل في ليبيا أو يعبرونها في طريقهم إلى أوروبا"، مؤكدة عدم تحرك القضاء الليبي لإدانة مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر بمن فيهم ضد مسؤولين.

وأوضح تقرير الخارجية الأميركية السنوي حول الاتجار بالبشر في ليبيا للعام 2019 أنه اعتبارًا من شهر ديسمبر 2018 وثقت منظمة دولية تواجد ما لا يقل عن 66345 مهاجرًا في 100 بلدية في البلاد، حيث استمرت ليبيا في أن تكون نقطة انطلاق مهمة للمهاجرين، بما في ذلك القُصر غير المصحوبين الذين يعبرون البحر المتوسط من شمال أفريقيا؛ ومع ذلك، انخفض عدد المغادرين من ليبيا إلى إيطاليا بشكل كبير خلال العام 2018

ويشير التقرير الأميركي إلى تعاون وتنافس جماعات مسلحة مختلفة وعصابات وشبكات إجرامية ومهربين في تهريب المهاجرين والاتجار بهم إلى ليبيا مرتكبين انتهاكات جسيمة بحقهم.وكشف التقرير عن شبكات تهريب مهاجرين عالية التنظيم يصلون إلى ليبيا قادمين من النيجر ونيجيريا وتشاد وإريتريا وإثيوبيا والصومال والسودان وغيرها من دول جنوب الصحراء والساحل ويعرضونهم لأشكال الدعارة ومصادرة هوياتهم ووثائق السفر والإكراه على أساس الدين، والإساءة اللفظية والجسدية.

وأوردت واشنطن إفادات "مراقبين دوليين عن تواطؤ كبير بين المسؤولين الحكوميين ضالعين في عمليات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، بمن في ذلك مسؤولو خفر السواحل الليبيون وعناصر الجماعات المسلحة المدمجة رسميًا في مؤسسات الدولة، وكذلك مسؤولون من وزارة الداخلية".وأكد التقرير عدم إبلاغ وزارة العدل في ليبيا عن إحصاءات حول الملاحقات القضائية أو إدانات مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر.

وأطلقت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر هجوما منذ 4 أبريل/نيسان للسيطرة على العاصمة الليبية مقر حكومة الوفاق في عملية قالت إنها تهدف إلى القضاء على "الإرهابيين والمرتزقة".ويأمل الجيش الوطني الليبي في بسط سيطرته على غرب ليبيا في حين يسيطر على شرقها وقسم كبير من جنوبها وذلك في محاولة لانهاء الفوضى المتفشية في البلاد منذ سنوات.

واستخدم رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج فزاعة الهجرة وتنامي الإرهاب في محاولة لاستدعاء تدخل أوروبي أقوى لوقف عملية طرابلس التي أطلقها الجيش الوطني الليبي لاستعادة السيطرة على العاصمة طرابلس.وحذر السراج في مقابلتين مع صحيفتين ايطاليين من أن الحرب في بلاده قد تدفع أكثر من 800 ألف مهاجر نحو السواحل الأوروبية.

وأسهمت الفوضى التي عصفت بليبيا منذ سنوات،في تحولها الى طريق عبور للمهاجرين عن طريق الجماعات المسلحة التي انتشرت في البلاد في ظل غياب سلطة الدولة.ويرى العديد من المتابعين للشأن الليبي أن ملف الهجرة كغيره من الملفات الليبية العالقة يبقى رهين القضاء على المليشيات المسلحة وارساء سلطة موحدة قادرة على فرض الاستقرار في البلاد ومواجهة التحديات القائمة وعلى رأسها تدفق المهاجرين.