مازال الإنفلات الأمني يلقي بظلاله الداكنة على منطقة الجنوب الليبي،التي تدفع ضريبة ضعف الرقابة على الحدود نتيجة لحالة الترهل والضعف التي تعانيها الأمنية، وهو ما جعلها ساحة مفتوحة أمام نشاط عصابات الإجرام،والتنظيمات المسلحة التي أسهمت أنشطتها في تعميق الأزمة في منطقة تعيش على وقع أوضاع معيشية متردية نتيجة التهميش وغياب الدولة.

وتعتبر العصابات الأجنبية وعلى رأسها التشادية،إحدى أبرز المعظلات التي تعاني منها منطقة الجنوب الليبي،حيث تستغل هذه العصابات تردي الأوضاع الأمنية المتردية لتوسيع نشاطاتها الإجرامية،من قتل وخطف ونهب وتهريب.. وهو ما يترتّب عنه عواقب وخيمة على ليبيا ككل.


** خطر العصابات

وتمثل العصابات الأجنبية،خطرا كبيرا في مناطق الجنوب الليبي،حيث تمتهن الخطف والإبتزاز والنهب،وقال عميد بلدية سبها حامد الخيالي مؤخرا،"إن أهالي الجنوب محاصرون من قبل الأفارقة المسلحين الذين يحمل أغلبيتهم الجنسية التشادية، الذين يعتدون على الممتلكات الشخصية لأهالي المنطقة أو السياح بمختلف أنواع الأسلحة.

ولفت الخيالي، في تصريحات متلفزة، إلى أنه من المرجح أن يكون هؤلاء الأفارقة الخارجين عن القانون هم من نفذوا الهجوم على الغرفة الأمنية المشتركة، وستؤكد التحقيقات النهائية من المسؤول عن الحادث.وأكد أن الهجوم على الغرفة الأمنية المشتركة لا يعد الأول من نوعه، حيث تشهد المنطقة عمليات خطف واعتداء بشكل مستمر، مطالباً الجيش بالجنوب بتفعيل دور الأجهزة الأمنية داخل المنطقة لحماية النساء والأطفال من الاعتداءات المتكررة.

وفي سبتمبر الماضي،أكدت بلدية تازربو في بيان لها،تعرض المواطنين بالجنوب الشرقي في كل من بلديتي الكفرة وتازربو للسلب والنهب والخطف على الطريق العام الرابط بين الكفرة – تازربو – جالو.وقالت البلدية إن العائلات تترك على قارعة الطريق وسط الصحراء من قبل العصابات التشادية،مشيرة إلى أن هذه العصابات تطلب أموال باهضة مقابل إطلاق سراحهم في ظل غياب تام للدولة الليبية ومؤسساتها العسكرية.

وأضافت البلدية أن أعمال السلب والنهب والخطف تكررت دون وجود رادع أوحل جذري لها الأمر الذي سبب إحتقان الشارع في كل بلديتي الكفرة و تازربو بسبب تردي الأوضاع الأمنية داخل تلك المناطق وضواحيها.وناشدت في ختام بيانها الحكومة المؤقتة والقيادة العامة للجيش وكافة الجهات الشرعية بالدولة من ضرورة وضع حل عاجل وسريع لتأمين المواطنين المسافرين على الطريق العام.

وكان اهالي مناطق الجنوب بكافة مكوناتهم،قد نفذوا هجوم مسلح على مقر الشركة الصينية بمنطقة ام الارانب الذي تتواجد فيه العصابات التشادية في 15 سبتمبر الماضي.وافادت مصادر الغرفة الامنية المشتركة سبها، ان الهجوم اسفر عن تحرير عدد كبير من الاشخاص تعرضوا للخطف من قبل هذه العصابات فيما جرح عدة افراد من العصابات التشادية المسلحة.وقالت ان الهجوم شارك فيه كتيبة التبو بالمنطقة وغرفة عمليات البوانيس وشباب من الجفرة وسبها وشباب السلف وشباب التبو.

أكد عضو مجلس النواب عن الشاطئ بالجنوب الليبي علي السعيدي، في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية،أن عناصر المعارضة التشادية والسودانية أصبحوا في الآونة الأخيرة قطاع طرق بعد أن قطعت القوة الثالثة الدعم الذي كانت تقدمه لهم فلجئوا إلى الحرابة وقطع الطرق حيث يقيمون كمائن ونقاط استيقاف ويخطفون المواطنين ويطلبون فدية الأمر الذي دفع القوات المساندة (الأهالي) للهجوم عليهم وتحرير بعض المختطفين.


** اشتباكات الكفرة

وتتواصل الإشتباكات المسلحة بين العصابات التشادية والجيش الوطني الليبي، وكان آخرها المواجهات الدامية التي دارت نهاية الاسبوع الماضي،حيث أعلنت "كتيبة سبل السلام"، التابعة للمنطقة العسكرية بالكفرة تحت القيادة العامة للجيش الليبي،في وقت سابق،عن مقتل اثنين من عناصرها، بالإضافة إلى مصرع ستة مسلحين أفارقة خلال اشتباكات عنيفة جرت في جنوب شرقي البلاد.

وقالت الكتيبة إن طائرة حربية خصصتها قيادة الجيش، قامت بنقل جثامين عناصرها إلى مدينة الكُفرة، تمهيداً لدفنهما،موضحة أن ستة من عناصرها الذين أصيبوا خلال تلك الاشتباكات يخضعون للعلاج حالياً. وكان مكتب إعلام منطقة الكُفرة العسكرية قد أعلن أن "كتيبة سبل السلام" اشتبكت على الحدود الليبية "مع عصابة مسلحة مارقة من المرتزقة، تمتهن الخطف والحرابة، ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص، وغنم أربع آليات مسلحة لهذه المجموعات المسلحة المارقة".

وكانت الكتيبة نفسها قد أحبطت خلال العام الماضي أكبر عملية تهريب لشحنة من الأسلحة والذخائر لمسلحين أفارقة، في محيط الكفرة (أقصى جنوب شرقي ليبيا)، التي تعد من أكبر المناطق التي تنشط فيها حركة التهريب وعمليات الاتجار بالبشر، إذ يتهم الجيش الليبي عصابات مسلحة من دول أفريقية مجاورة بالتسلل إلى الأراضي الليبية، والقيام بأعمال إجرامية.

وقام آمر منطقة الكفرة العسكرية التابعة للقيادة العامة العميد بالقاسم الابعج،السبت،بزيارة جرحى كتيبة سبل السلام الذين سقطوا بمواجهة عناصر المعارضة التشادية في مستشفى 1200 والجلاء بمدينة بنغازي.وتوعد الأبعج بأن الرد على تلك العصابات سيكون قاسي خلال الايام المقبله،مؤكدا على أن المواجهه بينهم وبين عناصر المعارضة التشادية ستكون في الأيام القريبة العاجلة للقضاء على من وصفهم بـ"العصبات المارقة" في الجنوب. بحسب المكتب الإعلامي التابع لمنطقة الكفرة العسكرية.


** توحيد الجيش

وفي تطور جديد، أصدر رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بوقت متأخر من مساء الإثنين الماضي بياناً حول ماسماها "أحداث الكفرة"عبّر فيه عن دعمه واعتزازه وتقديره لما وصفها بـ"وقفة أهلنا بمدينة الكفرة الباسلة"،فى إشارة ضمنية منه لمعارك الجيش عبر غرفة عمليات المنطقة العسكرية التابعة للقيادة العامة هناك ضد فلول المعارضة التشادية لكن دون  تسميته بالإسم كجهة أدارت المعركة ضد عصابات المرتزقة.   

وقال السراج فى البيان،إن هذه الوقفة لـ "أهالي الكفرة" كانت في مواجهة عصابات المرتزقة القادمة من خارج الحدود وأضاف بأنه "يشد على أيدى الرجال الذين قدموا التضحيات في سبيل الوطن، ومن أجل حماية حدوده ودحر كل من يحاوا العبث باستقراره اوانتهاك سيادته".وأضاف:"يعلن رئيس المجلس الرئاسي عن دعمه واتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة التداعيات الانسانية الأحداث الكفرة وتشمل علاج الجرحى وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية".

وأمام ما تتعرض له الحدود الجنوبية الشرقية من انتهاكات، جدد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، نداءه بمواصلة الجهود لتوحيد المؤسسة العسكرية، وقال،إن "توحيد المؤسسة العسكرية ضرورة قصوى لتأمين الحدود، ومواجهة التحديات التي تواجه بلدنا"، واصفًا ذلك بـ"مسؤولية وطنية يجب أن يدركها الجميع".

ويعتبر مسؤولون ليبيون، أن توحيد المؤسسة العسكرية ضرورة قصوى لضمان تأمين الحدود ومواجهة التحديات التي تواجه البلاد.وفي مارس الماضي،أكد النائب بالمجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، أن الطريق لحل الأزمة التي يشهدها الجنوب،يكمن في لملمة شتات المؤسسة العسكرية وتوحيد صفوفها لتقوم بواجباتها بفرض الأمن والاستقرار على كافة المناطق الحدودية كالجنوب.

وأوضح نائب المجلس الرئاسي في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن مسألة أمن الجنوب تُمثّل ملفاً رئيسياً لدى حكومة الوفاق الوطني التي تتطلع للوصول إلى توافق بين طرفي التكتلات العسكرية شرقاً وغرباً والخروج بمؤسسة عسكرية واحدة ذات قيادة مُوحّدة.

وترعى القاهرة منذ أكثر من سنة اجتماعات بين ضباط ليبيين من المنطقتين الشرقية والغربية بهدف توحيد المؤسسة العسكرية. وقطعت الأطراف المجتمعة أشواطا مهمة ولم يتبق سوى تسمية القادة العسكريين في المناصب العليا من قبل السلطة التنفيذية ومن ثم الإعلان عن توحيد الجيش.ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية،عن مصادر مطلعة أن القاهرة استأنفت مؤخرا تحركاتها لإنجاح مبادرة توحيد الجيش، حيث استقبلت الأسبوع الماضي مجموعة من العسكريين عن المنطقة الغربية.

وتعاني ليبيا في السنوات الأخيرة من تهالك في تأمين الحدود خاصة بالمنطقة الجنوبية، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية.ويكتسي ملف الحدود أهمية بالغة، بالنظر لما تواجهه ليبيا من تحديات خلال الفترة الراهنة تتمثل في الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب.ويرى مراقبون أن أزمة الحدود،تبقى رهينة تجاوز الخلافات والإنقسامات بين الفرقاء،وتوحيد المؤسسة العسكرية التي بمقدورها حماية الأراضي الليبية من خطر العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية.