10 قصور ملكية منتصبة بشموخ في قلب مدينة "أبومي" على بعد 135 كم شمال العاصمة الاقتصادية للبنين .. مباني احتضنت على مرّ السنين أسرار 12 ملكا تعاقبوا عليها، وهي، اليوم، تستقطب الآلاف من السياح من كافة أنحاء العالم، ممّن يتوقون إلى اختبار مذاق مختلف لنهاية العام.

البعض من السكان المحليين يطلقون عليها اسم "مدينة الملوك"، وهي ذات المملكة التي حملت ذات يوم اسم "داهومي"، قبل أن تصبح "أبومي" خلال الفترة الاستعمارية.. مملكة بلا مماليك سحرت العالم بمخزون حضاري على قدر من الثراء.

أكثر من 20 ألف سائح يقتطعون تذاكرهم، سنويا، نحو هذا الموقع الأثري الذي تحوّل إلى متحف يستعرض تلقائيا تاريخ الأسلاف في بنين.. جنسيات مختلفة قادمة من فرنسا وبريطانيا وكوبا وإيطاليا والبرازيل وبوركينا فاسو، تفضّل تغيير بوصلتها نحو هذا الركن من الكرة الأرضية، لتروي ظمئها المعرفي وللترفيه أيضا، بحسب المشرف على إدارة المتحف "إربان هادونو".

"مدينة الملوك"، كما يسمّونها في بنين، تحاكي في إطلالتها مشهدا رسم على خلفية بلون ترابي بيد فنان موهوب يمتلك ذوقا ملوكيا رفيعا .. 10 قصور محاطة بجدران مشيّدة من الطوب الباهت اللون، مخضّبة بلون أحمر داكن بفعل مرور الزمن.

تقول الأسطورة إنّ ذلك اللون الأحمر هو دم بشري يعود إلى الأعداء الذين تمّ أسرهم وقتلهم في الغارات والنزاعات القبلية، تمّ خلطه بطين لتشييد القصور.. مملكة عجيبة، تمتدّ على مساحة حوالي 48 هكتارا، تروي أسطورة بإحداثيات غريبة، تثير اهتمام الزوّار، بمزيج خرافي بين المخيال الشعبي المتوارث والأحداث التاريخية الموثّقة.

أمّا من الخارج، فيغري هذا المبنى التاريخي الأعين بسبر أغواره، وينتصب شاهدا على شجاعة التي أبداها أولئك الملوك وجيوشهم في مقاومة المستعمرين الفرنسيين من عام 1883 إلى غاية 1960.. معمار أصليّ يروي كلّ ركن من أركانه تفاصيل حقبة معيّنة من تاريخ "المملكة"، ويورث شعورا لدى الزائر بأنّه عاد بدوره إلى نفس تلك الفترة، وأنّه معاصر لأدقّ تقلّباتها وانحناءاتها، وهذا هو السرّ، يتابع "هادونو" في قدرة هذا المكان على احتلال موقع هام في ذاكرة زوّاره.

في المدخل الرئيسي لـ "المملكة" حيث يصطف عدد من الزائرين الفرنسيين والأمريكيين، تشدّ نظر المرء الذي يزور المكان للمرة الأولى لافتة تحمل شعار إحدى المؤسسات المرموقة في العالم: اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، ولم يكن وجود ذلك الشعار من قبيل الصدفة أبدا.

وفي تعقيب عن الجزئية الأخيرة، أوضح "هادونو" ذو الـ 70 عاما، في تصريح للأناضول، أنّ "موقع القصور الملكية بأبومي يتميّز بهندسته المعمارية الأصلية، وهو مدرج ضمن التراث الثقافي للانسانية من طرف اليونسكو، وذلك منذ 1985".

وباستعراضه لتاريخ الموقع الأثري، بدا الشيخ مفعما بالحماس وهو يقول "كانت قديما تسمى مملكة داهومي، قبل أن تحصل على اسم أبومي، وقد أسّسها الملك هويغبادغا" في القرن السادس عشر. وانطلاقا من عام 1625 إلى غاية 1900، تعاقب على حكمها 12 ملكا، قام كلّ واحد منهم، باستثناء اثنين، بتشييد قصره وإحاطته بجدران منيعة، محافظين على النمط المعماري ذاته للقصور السابقة، سواء من خلال المساحة أو نوعية المواد المستخدمة في البناء".

و"منذ 1943"، يواصل "هادونو"، "تمّ تحويل اثنين من تلك القصور إلى متحف أثري من قبل المحتلّ الفرنسي، وفتحت أبوابه لاستقبال السياح".

داخل المتحف، لا تزال رائحة المقاومة والغارات تعبق من كلّ شبر فيه، تماما كما لا تزال القطع الأثرية الخاصة بالملوك مصطفّة بانتظام على مختلف الرفوف الموضوعة على خلفية مضيئة.

وفي أحد أركان المتحف، وضعت الكراسي الملكية وعدد من التماثيل وقطعا قال "هادونو" إنّها كانت تستعمل عند أداء شعائر ديانة "الفودو"، هذه الديانة التي لا زال يعتنقها، إلى الآن، الكثير من سكان بنين، وتحظى بحماية من السلطات التقليدية في البلاد (العرقيات التي تمثّل الأغلبية).

ومع أنّ كلّ ما في المتحف يروي لوحده قصة بأكملها، إلا أنّ عين الزائر لا يسعها بأي حال إغفال الشارات السبع لمملكة أبومي، والتي لكلّ منها معنى خاصا بها.. فالأولى تمنح الشرعية للملك المنصّب حديثا، وأخرى يضعها الملك لدى أوّل ظهور عام له، وثالثة تمنح صاحبها حقّ تمثيل الملك أينما كان، وغيرها من الشارات التي تمّ جمعها لتصبح موروثا تاريخيا وثقافيا لشعوب "الفون" وهي عرقية تعيش جنوب بنين.

غير أنّ المتحف الذي يستعرض الكثير من الموروثات سواء المادية أو المعنوية لمملكة "أبومي"، إلاّ أنّه يحتفظ أيضا بأسرار لم يكشف عنها حتى الآن.

قرابة الألف و500 قطعة نادرة وذات قيمة عالية، لا تزال ممنوعة من العرض، بحسب "هادونو"، وأسباب ذلك تدخل ضمن سياسة سلطة الإشراف الرامية إلى حماية الموروث الثقافي للبلاد من السرقة والنهب، خصوصا وأنّ "الانفجار الديمغرافي الذي تشهده أبومي يدفع بالعديد من السكان إلى محاولة احتلال جزء من تلك القصور، واستخدامها للسكن. وهذا يعني أنّ المتحف مهدّد بشكل دائم، في ظلّ غياب تعزيزات أمنية للوحدات التي تحرس "المملكة" والتي لا يتجاوز عدد أفرادها الـ 19 رجلا، وهذا يعدّ رقما هزيلا مقارنة بما تقتضيه حراسة معلم تراثي يمتد على 48 هكتارا".