في مشهد متكرر من العنف والفوضى في ظل حالة الانفلات الأمني وغياب سلطة الدولة المركزية، عاشت ليبيا طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة فيها اثر التدخل الغربي في العام 2011، وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.ولكن الأسوأ من ذلك كان سقوط البلاد ضحية للارهاب الذي استغل تلك الفوضى ليؤسس لنفسه موطئ قدم في البلاد لتتحول ليبيا في ظل تلك الضروف الى جحيم يعيشه أهلها وخطراً  يخشاه جيرانها.

ومنذ تدخل الناتو، تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن للإرهاب، وظهرت العناصر المتطرفة والتي باتت تسيطر على مناطق ومدن عبر مليشياتها مستغلة في ذلك غياب سلطة الدولة التي تعمل على نشر الأمن والاستقرار في البلاد.وباتت هذه القيادات الارهابية الحاكم الفعلي للمناطق التي تسيطر عليها حيث تمارس جرائمها دون رقيب أو حسيب.

أحد هذه القيادات هو شعبان مسعود خليفة هدية المكنى "أبو عبيدة الزاوي"، وهو متطرف إسلامي ليبي، من عناصر تنظيم "الجماعة الليبية المقاتلة"،  ويعتبر من أبرز أمراء الحرب المعروفين في الزاوية والمنطقة الغربية ، وكان يشغل منصب رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا المعارضة لنظام القذافي أثناء  أحداث فبراير 2011.

و أبو عبيدة الزاوي، هو من مواليد سنة 1972م في منطقة الحرشا في مدينة الزاوية ومتزوج من يمنية وشقيق الإرهابي أحمد هدية،  درس في كلية الهندسة ومتحصل على ليسانس لغة عربية.ودرس الزاوي في الأزهر الشريف،  وتحصل على الماجستير،  ودكتوراه فى الشريعة الإسلامية، ثم سافر للسعودية لأداء فريضة الحج ومنها سافر لليمن عام 1993 لدراسة علوم الشريعة تحت إشراف الشيخ السلفي مقبل الوادعي وبقي في اليمن عشر سنوات وتم القبض عليه من قبل السلطات اليمنية وحجز جواز سفره لعدم وجود إقامة فعلية ورسمية له.

ويحمل هدية شهادة في اللغة العربية ويعمل في الأعمال الحرة. تعرض للسجن والتوقيف  لأكثر من عشر مرات من عام 1989 بسبب تورطه في الإرهاب.وقد تم ترحيله من اليمن إلى ليبيا بتاريخ 24 أكتوبر عام 2002 وتم ضبطه في مطار طرابلس الدولي من قبل إدارة مكافحة الزندقة وقتها وتم الإفراج عنه بتاريخ 2 نوفمبر 2002 لعدم وجود أي إثباتات على قيامه بأي نشاط زندقي مع التحفظ الأمني على إقامته في الزاوية.

يحمل أبو عبيدة الزاوي فكرا إسلاميا متطرفا جعله عنصرا بارزا من عناصر "الجماعة الإسلامية المقاتلة"، وتحول بفضل ذلك الى الذراع اليمنى للقيادي في تنظيم القاعدة نزيه الرقيعي المكنى "أبو أنس الليبي" والذي كان مسؤولا عن تجنيد وجلب الليبيين،  ومع مرور السنوات كان لـ"هدية" دور بارز في تنظيم القاعدة،  لاقترابه من قيادات التنظيم لقدرته على "كتم الأسرار" وولائه التام للقيادات.

بعد أحداث 17 فبراير ظهر شعبان هدية بقوة في ساحات القتال إلى جانب مقاتلي الجماعة الليبية المقاتلة في ليبيا،  وكان قائدا ميدانيا لعدد من العمليات التي استهدفت الجيش الليبي،  ونال ثقة الأمريكان وتقابل مع السيناتور الأمريكى الجمهوري "جون كيري" أثناء وجوده في ليبيا بعد سقوط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

وبعد نجاح جماعة الإخوان المسلمين في السيطرة على المؤتمر الوطني العام،  عقب إقرار قانون العزل السياسي،  صدر قرار من رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين أواخر يوليو 2013،  بتأسيس غرفة عمليات ثوار ليبيا برئاسة شعبان هدية وكانت مدعومة من رئيس الحكومة السابق علي زيدان حيث قام بدعمها بمبلغ 900 مليون دولار كم تحصل هدية على دعم من قطر حيث كانت يسافر باستمرار للدوحة للحصول على الأموال والسلاح لتمويل مليشياته التي فاق عناصرها العشرة آلاف مقاتل وفق تقارير اعلامية.

في يناير 2014 اعتقلت السلطات المصرية هدية أثناء تواجده في جمهورية مصر في مكان ما بين الإسكندرية ومطروح،  وقُيل إنه كان برفقة عدد من قيادات الإخوان في مصر.وقال مسؤولون ليبيون آنذاك ان هدية يقوم بزيارة علاج لمصر ولا توجد له أي انتماءات مع جماعات إرهابية .في حين وصفه القيادي الاخواني علي الصلابي بأنه طالب علم،  وجاء إلى مصر لاستكمال متطلبات أطروحة الدكتوراة التي سيناقشها في إحدى الجامعات المصرية ولم تكن لديه أية نيات تجعل الشكوك تحوم حوله.

وعلى أثر شيوع خبر توقيفه قامت جماعة ليبية مسلحة باختطاف خمسة من الدبلوماسيين المصريين العاملين في السفارة المصرية في العاصمة الليبية طرابلس وهم الملحقين الثقافي والتجاري في السفارة إضافة لثلاثة موظفين آخرين،  وقايضوا بهم الحكومة المصرية للإفراج عن هدية.وجرت اتصالات بين الحكومتين المصرية والليبية أفضت لإطلاق سراحه.

تم استبعاد هدية من منصبه عام 2014 وتكليف العقيد صلاح معتوق بتولي مهام رئاسة غرفة عمليات ثوار ليبيا وليصبح شعبان عضوا في الغرفة مثله مثل أي عضو آخر.وتشكلت غرفة عمليات ثوار ليبيا بقرار من رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين أواخر يوليو 2013،  وتم تكليفها بحماية العاصمة الليبية طرابلس من الاختراقات الأمنية،  وكان لها دور واحد عملية فجر ليبيا الإنقلابية ضد نتائج إنتخابات 2014 ،  كما كان للزاوي جرائم مشهودة ضد المدنيين في مناطق طرابلس ورشفانة والزاوية وصبراتة وصرمان.

اتُهم مقاتلو غرفة عمليات الثوار باختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان في 10 أكتوبر 2013،  من مقر اقامته في أحد فنادق طرابلس واخفائه لعدة ساعات قبل اطرق سراحه. حيث جاء الأمر اثر اعتقال الولايات المتحدة المتهم بانتمائه لتنظيم القاعدة أبو أنس الليبي في العاصمة طرابلس ونقله إلى أمريكا.كذلك اتهمت باستهداف الاعلام من خلال هجومين مسلحين بصواريخ حارقة على قناة العاصمة وهي قناة تلفزيونية خاصة في طرابلس،  ما أدى إلى الحاق أضرار مادية جسيمة بمبنى القناة وتوقفها عن العمل لعدة أيام.

وفي يناير 2019، أصدر رئيس قسم التحقيقات في مكتب النائب العام طرابلس "الصديق الصور" مذكرة قبض تشمل عدد 6 ليبين من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي المتشدد إضافة إلى عدد آخر من المعارضة التشادية والسودانية.وأوضح الصور في المذكرة أن من الشخصيات الليبية بينهم رئيس حزب الوطن الليبي والقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة السابقة "عبدالحكيم بلحاج"،  والإرهابي "إبراهيم الجضران"،  والقيادي الإرهابي "شعبان هدية" المكنى "أبوعبيدة"،  و"حمدان أحمد حمدان"،  و"علي الهوني"،  و"مختار أرخيص".

وبالرغم من كونه مطلوبا للعدالة فان ذلك لم يمنع حكومة الوفاق من التعويل على مليشيات أبو عبيدة الزاوي في المعارك التي اندلعت في الرابع من أبريل/نيسان الماضي ضد الجيش الوطني الليبي عقب اطلاق الأخير لعملية "طوفان الكرامة" العسكرية التي تهدف لتحرير العاصمة الليبية طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة التي تتمركز فيها منذ سنوات وترتكب شتى الجرائم والانتهاكات.

وعقدت ميليشيات "أبو عبيدة"، تحالفات مع ميليشيا "النصر" بقيادة محمد الهادي كشلاف "قصب"،  وميليشيا "الفأر" بقيادة محمد سالم بجرون "الفأر"،  وميليشيا "الأبح" بقيادة الإرهابي نجل عميد الزاوية الغربية قيس كبد الكريم الأبح،  وميليشيا "السلوقي" بقيادة فراس عمار السلوقي،  وميليشيا "البيدجا" بقيادة عبد الرحمن سالم ميلاد.وتضم هذه الميليشيات مهربين يسيطرون على مصفاة وميناء الزاوية النفطي،  ويقومون بعمليات تهريب للوقود والبشر داخل وخارج ليبيا،  وقد ارتكبت جرائم حرب في مدينة الزاوية ومحيطها.

وفي يونيو الماضي، كشف عميد بلدية غريان السابق،  ووكيل وزارة الداخلية للمنطقة الغربية بالحكومة المؤقتة،  بهلول الصيد،  أن المجموعات التي ساعدت حكومة الوفاق المدعومة دوليا في السيطرة على مدينة غريان،  هي مجموعة متطرفة من مجموعة "أبو عبيدة الزاوي" بقيادة محمود بن رجب،  وعناصر مايسمى بـ"مجلس شورى" في مدينتي بنغازي درنة.

وأضاف في مداخلة هاتفية له عبر فضائية "ليبيا روحها الوطن"،  ان هذه المجموعات المتطرفة دخلت المدينة بتخطيط قطري وتركي وبدعم كبير منهما بالمال والسلاح للمتطرفين أمثال "جويلي وباشاغا"،  مؤكدا أنهم "جن جنونهم لما استقرت المدينة بعد دخول الجيش إليها في أبريل الماضي".ودلل الصيد على صحة كلامه،  بـ"اعتلاء عصام عرعارة منبر مسجد الصمعتين ليخطب في الناس إماما يوم الجمعة الماضية،  وهو من المعروفين بأنه من أكبر قيادات تنظيم القاعدة التابعين للصادق الغرياني".

وفي يوليو الماضي، اتهم الجيش الوطني الليبي مليشيات أبو عبيدة الزاوي بتجنيد الأطفال للقتال في صفوفها.وأكد المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة أن مليشيات الإرهابي شعبان هدية المعروف باسم "أبوعبيدة الزاوي" تجند طلاب المدارس في القتال ضد الجيش في طرابلس مقابل 17000 دينار ليبي في الشهر.

ومنذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" التي أعلنها الجيش الليبي سارعت العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" لتقدم الصفوف الأمامية للمليشيات التي تتصدى للقوات المسلحة وبالرغم من تشعب هذه الميليشيات وانتشارها في مناطق مختلفة،  فإنها نجحت في إبرام تحالفات لفرض سيطرتها على مناطق أوسع،  والاستمرار في نهب الشعب الليبي،  ومقاومة الجيش الوطني الذي يسعى إلى تحرير البلاد.