تمتلك ليبيا، تلك البلاد المترامية الأطراف والمتنوعة فى جغرافيتها ومناخها وموعها الاستراتيجى، مخزونا وتراثا هائلا وفريدا من الآثار، التى خلفتها الحضارات والثقافات، التى تعاقبت عليها منذ ماقبل التاريخ وحتى يومناهذا .

 

إلا أن هذا التراث الحضارى المميز مهدد اليوم بشدة، فى ظل الفوضى السياسية والأمنية ، التى تعيشها ليبيا بعد الثورة على نظام الحكم السابق لمعمر القذافى فى فبراير عام 2011.

وليس خافيا على أحد أن ليبيا فى عهد القذافى لم تكن تهتم كثيرا بالتراث الثقافى الأثرى فى البلد، بمعنى أن المواطنين الليبيين لم يشعروا بمدى أهمية الإرث الحضارى الذى يمتلكونه.

إلا أنه وبعد ثورة 17 فبراير دخلت ليبيا فى حالة من الحرب والفوضى، وكان لها آثار سلبية سيئة وخطيرة على وضع التراث الأثرى فى ليبيا. ولعل أولى وأكبر الكوارث التى تعرضت لها الآثار اللبيبة بعد الثورة كانت فى مايو 2011 ، وهى حالة سرقة عرفت إعلاميا باسم سرقة"كنز بنغازى"، كانت قد وضعتها مصلحة الآثار الليبية فى بنغازى بخزانة إحدى المصارف الحكومية، وهو المصرف التجارى الوطنى فى شارع عمر المختار، حيث تعرض المصرف لسرقة محكمة، فى الوقت الذى كانت البلد تمر بازمة سياسية خطيرة . وقد احتوى هذا الكنز على قرابة الستة آلاف قطعة من رؤوس تماثيل وحلى ومجوهرات وقطع نقدية من معادن مختلفة، بالإضافة إلى قطع مختلفة الأشكال والأنواع والأحجام ، وكذلك تعرضت عدة تماثيل وقطع وقطع وأضرحة لسرقات من مواقعها الأصلية فى مناطق كصبراتة ولبدة وشحات، بل إن بعض القطع التى تمت سرقتها وجدت طريقها للأسواق العالمية، وبعضها وصل إلى دور المزادات فى آسيا وأوروبا.

كذلك تعرضت بقايا كنيسة أثرية من العهد البيزنطى قرب البيضاء لتدمير تام فى فبراير 2011 من قبل أشخاص أرادوا الاستيلاء على الأرض المقامة عليها.

ولم تسلم المساجد والمقابر والزاوايا الصوفية التاريخية من الإعتداء والتدمير، مثل جريمة تدمير مقابر زويلة التاريخية السبعة التى تعد من المعالم الأثرية المهمة فى جنوب شرق ليبيا .

وتوجد فى ليبيا مدن أثرية كاملة ، وخاصة من فترات الحضارتين الإغريقية والرومانية ، بالإضافة لمدن أثرية من الفترات العربية والإسلامية.

ويوجد فى مدينة "قورينا" (شحات) معبد الإله زيوس (رب الأرباب) فى المثيولوجيا الإغريقية، والذى يعتبر أكبر معبد إغريقى بعد الباريثنون فى أثينا، وكذلك تعتبر مدينة كلبتوس ماغنا (لبدة الكبرى ) أكبر مدينة رومانية كاملة ، لاتزال موجودة حتى يومنا هذا بعد مدينة روما .

كما توجد فى ليبيا 5 مواقع مصنفة كواقع تراث إنسانى عالمى بحسب منظمة اليونسكو.

ومازاد الأمر تعقيدا بالنسبة للتراث الأثرى فى ليبيا أن الآثار والتراث أصبح فى مرمى المتشددين والمتطرفين والإرهابيين، والمسألة ليست جديدة، فافغانستان ومالى وليبيا وسوريا وتونس، كلها مازالت شاهدا قويا على سلوك التنظيمات الغرهابية تجاه الآثار والتراث، بكل تنوعه الفنى والدينى والطائفى، فالتيار"الجهادى" المعاصر دأب ومنذ عام 2001 على وضع الآثار على قائمة خصومه، ففى مارس 2001 قامت حركة طالبان الأفغانية بتدمير تماثيل بوسلامية ذا بذريعة مخالفتها للشريعة الإسلامية "كأصنام تعبد من دون الله" ، وهى نفس الحجة التى نسف بموجبها تمثال أشورى عمره 3 آلاف سنة الشهر الماضى فى محافظة الرقة السورية على يد تنظيم"داعش" ، وفى تونس وليبيا استهدفت عشرات المراقد والأضرحة التاريخية ، إذ بلغت فى تونس الحصيلة 150 ضريحا بين عامى 2012و2013، والأمر نفسه يحدث فى ليبيا ، حيث قامت عناصر متطرفة بهدم مسحد سيدى الشعاب الدهمانى القريب من وسط العاصمة طرابلس ، والذى يزوره الناس للتبرك به ، وقاموا بانتهاك حرمة القبر، وقبل ذلك قامت مجموعة سلفية جهادية بتفجير ضريح للعالم الصوفى الشيخ عبد السلام الأسمر ، الذى عاش فى القرن التاسع عشر ، وأضرمت النار فى مكتبة مسجد فى مدينة زليتن ، كما ظهر فى شريط فيديو بثته شبكات التواصل الاجتماعى ، ويظهر فى التسجيل تفجير الضريح بحضور عشرات المتشددين وسط هتافات "الله أكبر"!.

 

الاهرام