يعتقد المتابعون للاستعدادات للانتخابات البرلمانية التي ستشهدها تونس الأحد المقبل، أن «ملامح المشهد السياسي المقبل» بدأت تتشكل من خلال ما برز في الحملات الانتخابية للـ1300 قائمة المتنافسة من خلل في التوازنات لمصلحة 3 عائلات سياسية كبرى: «الدستوريون أنصار الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي، والإسلاميون، واليساريون الماركسيون والقوميون»، على حد تعبير الناشط السياسي الحبيب المكني.

ويرجح غالبية قادة الأحزاب والقوائم «المستقلة» التي خرجت من رحم حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» بزعامة الرئيس الأسبق بن علي، أن تحصد قوائمهم أغلبية نسبية في الانتخابات البرلمانية رغم انقساماتهم.

ويعتبر الوزير مدير الديوان الرئاسي في عهد بن علي الدكتور أحمد عياض الودرني - الذي يقف وراء 11 قائمة «مستقلة» تحمل شعار «تونس العزيزة» ورمزها قطعة رغيف - أن أنصار النظام السابق قد يفوزون بالمرتبة الأولى ويكونون «أول مستفيد من نظام الاقتراع الذي يمزج بين الأغلبية والنسبية»، بما سيضمن لعشرات من المرشحين عن «الأحزاب الدستورية والتجمعية» دخول البرلمان الجديد، «بعد 4 سنوات من الإقصاء».

ووفق دراسة أعدها أحمد عياض الودرني، فإن حزب الباجي قائد السبسي «نداء تونس» - الذي ينحدر 90 في المائة من المنخرطين فيه من حزب بن علي - قد يفوز بالمرتبة الأولى أو الثانية، فيما ستحصد بقية القوائم الدستورية بزعامة وزراء بن علي بدورها عشرات المقاعد «مهما كانت نتائجها ضعيفة»، لأن قانون الانتخابات المعتمد يسمح بتوزيع نحو ثلثي تلك المقاعد للقوائم المنافسة لـ«الحزب الكبير» الذي سيفوز بالمرتبة الأولى.

لكن تيار أنصار الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي يشتكون من انقسامات بعد بروز خلافات علنية بين بعض رموزه، لا سيما بين الباجي قائد السبسي ومحمد الغرياني آخر أمين عام للحزب في عهد بن علي، وقائد السبسي، وكل من كمال مرجان زعيم حزب المبادرة الوطنية وحامد القروي رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حزب الحركة الدستورية الذي يقف إلى جانبه عدد كبير من وزراء بن علي السابقين مثل عبد الرحيم الزواري وعبد الله القلال وعلي الشاوش والتيجاني حداد والبشير التكاري، ويعيب هؤلاء على الباجي قائد السبسي «زعيم القوى المعارضة لحزب النهضة الإسلامي وحلفائه»، كونه كان من أمر باعتقالهم ومحاكمتهم بعد ثورة يناير 2011، وتبين لاحقا أن أغلبهم برأتهم المحاكم من تهم «الفساد المالي والإداري»..

كما يشكو هذا التيار من بروز منافسين جدد لزعيمه الباجي قائد السبسي وحزبه من قبل وزراء آخرين لبن علي دخلوا في السباق الانتخابي نحو قصري البرلمان والحكومة وقصر الرئاسة بقرطاج مثل الوزير عضو الديوان السياسي في حزب بن علي قبل 1991 الحقوقي الدكتور حمودة بن سلامة، ووزير التخطيط والاقتصاد قبل 1995 الدكتور مصطفى كمال النابلي.

ولا يستبعد بعض المراقبين - مثل الجامعي سمير بن علي - أن يكون حزب «تيار المحبة» بزعامة الدكتور محمد الهاشمي الحامدي الذي فاز أنصاره بالمرتبة الثالثة في الانتخابات الماضية من بين «منافسي القوائم المحسوبة على رموز النظام السابق، خاصة في المحافظات الفقيرة البعيدة عن العاصمة والسواحل».

في المقابل، كشفت المظاهرات والتجمعات الشعبية في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية عن أن «الإسلاميين استفادوا من انسحابهم التكتيكي» من الحكم مطلع العام الحالي لفائدة حكومة تكنوقراط بزعامة المهندس مهدي جمعة، حسب تقدير المحلل السياسي الدكتور هيكل بن محفوظ.

ويكشف الإقبال الكبير نسبيا على التجمعات الانتخابية التي نظمها حزب النهضة، عن أن «شعبية هذا الحزب لا تزال كبيرة رغم الانتقادات العنيفة التي وجهها له السلفيون المتشددون وحلفاؤهم بسبب تنازلاتهم خلال العامين الماضيين عن بعض (أركان الإسلام) وموافقتهم على عدم التنصيص على وجوب تطبيق الأحكام الشرعية في الدستور الجديد»، على حد تعبير علي العريض رئيس الحكومة السابق الذي يرأس قائمة حزبه في الدائرة الأولى في تونس العاصمة، فيما يرأس «الزعيم التاريخي الثاني للتيار الإسلامي التونسي» الشيخ عبد الفتاح مورو قائمة الدائرة الثانية في العاصمة أيضا.

واعتبر العريض أن «الشعب التونسي برهن وسيبرهن خلال الانتخابات عن نضجه وعمق وعيه من خلال تفهمه الأسباب التي أجبرت قيادة حركة النهضة الإسلامية على التنازل عن الحكم مقابل إنقاذ الوطن قبل عام».

راشد الغنوشي في الميزان؟

ويرى الإعلامي علي بن أحمد أن «مصير زعيم حركة النهضة في الميزان.. وأن نتائج انتخابات 26 أكتوبر (تشرين الأول) ستثبت لخصومه داخل التيار الإسلامي والأحزاب (الثورية) صواب رأيه عندما قدم (تنازلات تكتيكية) ووافق على انسحاب رفاقه من الحكومة (من أجل إجهاض سيناريو الانقلاب)».. أم ستكون النتائج كارثية «إذا فازت حركته بنتائج هزيلة بسبب (الخطوات الجريئة التي قام بها) رغم احتجاجات (الصقور) داخل حركته وفي صفوف الأحزاب المتحالفة مع حزبه وخصوصا في (الترويكا الحاكمة السابقة)؛ أي في حزبي (المؤتمر) بزعامة الرئيس الحالي المنصف المرزوقي و(التكتل)بزعامة رئيس البرلمان الانتقالي الحالي د. مصطفى بن جعفر..».

وفي كل الحالات، سيكون مصير سياسيين بارزين في الميزان خلال الأيام القليلة المقبلة؛ أبرزهم راشد الغنوشي الذي يتهمه خصومه بتقديم تنازلات غير مبررة لخصومه ولوزراء بن علي ورجال الأعمال المقربين منه مثل الهادي الجيلاني رئيس منظمة رجال الأعمال سابقا ومروان مبروك صهر بن علي وعدد من شركائهما.

 

*نقلا عن الشرق الاوسط