في مثل هذا اليوم 23 مارس من العام 1913 جرت معركة جندوبة هي خاتمة المعارك التى جرت في الفترة الاولى من مرحل الجهاد الليبي بإقليم طرابلس، فبعد أن احتل الايطاليون غريان في ديسمبر 1912 تجمع المجاهدون في مجموعات كبيرة اتخذت مواقعها بين الاصابعة والرابطة للوقوف في وجه الزحف الايطالي نحو الجبل وكانت هذه القوة الوطنية بقيادة سليمان الباروني و تحركت القوة الايطالية من تبودات في ثلاث تشكيلات سرعان ما اشتبكت في صدام عنيف مع المجاهدين عند مرتفعات الاصابعة (23 مارس 1913) وقد قام المجاهدون بهجوم تطويقي في المرحلة الاولى من المعركة الا ان تحرك القوات المعادية بتشكيلاتها المتعددة فوت امكانية السيطرة على الموقف. ووضعت الخطة الايطالية على أساس توجيه قوة من تبودات نحو وادي جندوبة في اتجاه الاصابعة اما القوة الثانية فتتحرك من العزيزية في محاولة لتطويق مواقع المجاهدين في منطروس والرابطة الغربية.. بهدف السيطرة على الجبل تمهيدا للتوغل في دواخل طرابلس. وترى المصادر الايطالية أن انتصارها في المعركة قد هيأ لها فرصة النفاد إلى الجبل وأعطاها مفاتحه.

إلا أن الايطاليين لم يتمكنوا من ذلك الا بعد معركة مريرة تكبدوا فيها خسائر فادحة كما ابلى المجاهدون في هذه المعركة بلاء حسناً وكانوا يعملون جميعا تحت قيادة كبار رجالات الحركة الوطنية في ذلك الوقت. واستشهد من المجاهدون عدد كبير وغلبوا على أمرهم بعد نفاذ الذخيرة وسيطرة القوة. ومع ذلك فان قسما كبيرا من المجاهدين لم يلق السلاح وظل على اصراره على مقاومة العدو ونذكر منهم العاملين تحت قيادة محمد بن عبدالله البوسيفي الذي رفض الاستسلام ولجأ الى القبلة و الجنوب حيث تصدى لقوات مياني في أول زحف للقوات الايطالية على فزان وخاض ضده معركة الشب واشكدة ومحروقة واستشهد  في معركة محروقة بعد أن ترك ثورة مشتعلة في تلك المناطق تلاحقت احداثها حتى أدت الى جلاء القوات  الايطالية عن فزان وكانت سببا رئيسياً في كافة النكبات و الهزائم و الانسحابات التي اصيب بها الايطاليون والتي انتهت بهم الى الهزيمة الكبرى في القرضابية.

جاء في كتاب «  جهاد الابطال » للطاهر الزاوي أن معركة جندوبة جاءت بعد معارك الساحل وهزيمة المجاهدين امام جيوش جحافل الايطاليين في معارك الساحل في الشط وابومليانة وسواني بن يادم وجنزور والهاني والتي شارك فيها كل المجاهدين الليبين من الساحل والدواخل وابلوا البلاء الحسن، حيث أنه و بعد معارك الساحل انقسم المجاهدون لمجموعتين.

1 - مجموعة تدعو للتفاهم او التفاوض مع الايطاليين والقبول بالامر الواقع نظراً لاختلاف العدة والعتاد وهذه المجموعة مكونة من اغلبها من أهل الساحل مثل مصراتة ( رمضان السويحلى ) الزاوية ( فرحات الزاوي ) زوارة ( سلطان بن شعبان ) طرابلس والخمس وغريان ( كعبار ) وغيرهم.

2- مجموعة من أهل الدواخل وهى المجموعة التي اصرت على القتال ومواصلة الجهاد وهذه المجموعة مكونة من الشيخ سوف المحمودي ( المحاميد ) والشيخ سالم عبدالنبي ( الزنتان ) والشيخ سليمان الباروني ( الجبالية ) والشيخ محمد بن عبدالله البوسيفي ( اولاد ابوسيف ) وغيرهم من مشائخ الجهاد في الدواخل وخاضت هذه المجموعة معركة جندوبة في الاصابعة وايضاً نظراً لفرق العدة والعتاد انتصر الغزاة وابلاء المجاهدين بلاء حسن وهنا ايضاً انقسم المجاهدين لفريقين.

1)- المجموعة الاولى متكونة من سوف المحمودي وسليمان الباروني الذين فضلا الهجرة عبر الجبل الغربي ثم تونس الى تركيا.

2)- والمجموعة الثانية المتكونة من الزنتان ( الشيخ سالم عبدالنبي وشيوخ الزنتان ) ومحمد بن عبدالله البوسيفي ( اولاد ابوسيف ) ومعهم مجاهدون من فزان فضلوا الهجرة لفزان ومواصلة الجهاد وقد خاضوا معارك سطرو فيها البطولات في الشب وشكادة ومحروقة واستشهد في محروقة الشيخ محمد بن عبدالله البوسيفي وواصل الشيخ سالم بن عبدالنبي الزنتاني الجهاد وتحصن في مرزق ثم انتقل منها الى الرملة الغربية وقد عانى فيها هو من ومعه اصعب الظروف وشظف العيش لانها لم تكن الا رمال لا شجر ولا ماء الا ماينقل من مسافات بعيدة وجمعوا انفسهم من جديد وقاموا بالهجوم على قلعة القارة (القاهرة) في سبها وتمكنوا من هزيمة الطليان وتحريرها وكانت بداية وشرارة الثورة التي انتشرت مثل النار في الهشيم فقد خاضوا بعدها معركة أوبارى بقيادة الشيخ المجاهد المهدى كنيفو الزنتاني وتمكنوا من تحريرها وبعدها مرزق وتوالت الانتصارات حتى خاضوا المعركة الفاصلة في وادى مرسيط بقيادة الشيخ المجاهد أحمد البدوي الازهري الزنتاني وانتصروا فيها وكان من ضمن الاسرى راسم كعبار اخ الهادي كعبار الذي كان يقود باندة المرتزقة الليبين التابعة للجيش الايطالي وانهارت كل حاميات الايطاليين في دواخل طرابلس وتمكن المجاهدون من طرد الايطاليين حتى لم يعد لهم مكان في ولاية طرابلس الغرب الا في طرابلس وزوارة.