شهدت الليبية طرابلس اشتباكات عنيفة،منذ الأربعاء 16 جانفي 2019، بين المليشيات المسلّحة، جنوب المدينة، وذلك بعد 4 أشهر من الهدنة،وإستمرت خمسة أيام مما أدى لحدوث حالة من الفزع والرعب بين سكان طرابلس، وتراجعت وتيرة المعارك في اليومين الأخيرين، وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحىويعتبر هذا التطور فى محيط العاصمة طرابلس هو الأول من نوعه منذ تثبيت وقف إطلاق النار برعاية أممية يوم 25 سبتمبر الماضى إثر إشتباكات دامية إستمرت لشهر كامل أوقعت عشرات القتلى والجرحى وخسائر مادية كبيرة وأعقبتها إجراءات إقتصادية وأمنية متعثرة من المجلس الرئاسى الليبى.

ضحايا وخسائر

وأسفرت الإشتباكات بين المليشيات المسلحة عن سقوط عدد من الضحايا،وأعلنت إدارة شؤون الجرحى، التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، ارتفاع حصيلة ضحايا الاشتباكات التي شهدتها مناطق جنوب طرابلس إلى 16 قتيلا بينهم 4 مدنيين، إضافة إلى جرح 65 جريحا، وفقدان 3 أشخاص.

وأضافت الإدارة، في بيان نشرته،الأحد، علي صفحتها بموقع "فيسبوك"، أن مركز الطب الميداني تمكن من إجلاء عائلتين عالقتين في إحدى مناطق الاشتباكات أمس السبت، لترتفع الحصيلة الإجمالية للعائلات التي جرى إجلاؤها منذ بدء الاشتباكات إلى 213.وأشارت إدارة شؤون الجرحى إلى أن فرق الإغاثة قدمت مساعدات غذائية ومواد أساسية لقرابة 350 عائلة، ما تزال عالقة في مناطق الاشتباكات.

من جهة أخرى،قتل الصحفي محمد الطاهر بن خليفة - يعمل لدي وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية –، وذلك أثناء تغطية الاشتباكات المسلحة جنوب شرق طرابلس،إذ استُهدف بقذيفة، عصر السبت، في منطقة سيدي السائح جنوب طرابلس، أدت إلى مقتله على الفور، وتشير الحادثة إلى أن الاستهداف كان متعمّدا.

وأدان المركز الليبي لحرية الصحافة بشدة حادثة الاستهداف التي تسببت بمقتل المصور الصحافي،وطالب السلطات بتتبع مصادر النيران وتقديم الجناة إلى المحاكمة،فيما أعلنت إدارة الإعلام الخارجي،التابعة لوزارة الخارجية بحكومة الوفاق، الحداد لمدة 3 أيام، حداداً على مقتل بن خليفة، وتضامنا مع الصحفيين والمراسلين، داعية كل الأطراف لضرورة حماية الصحفيين.

من جهتها،أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "بشدة"،مقتل المصور الصحفي وعدد من المدنيين جراء الاشتباكات العنيفة التي شهدتها الضواحي الجنوبية للعاصمة طرابلس.ونبهت إلى أن "الاعتداء المباشر أو غير المباشر على المدنيين قد يشكل جريمة حرب"، وجددت التأكيد على "التزامها بالدفع نحو محاسبة الجناة بالكامل.

على صعيد آخر،أدت الإشتباكات إلى خسائرمادية كبيرة،حيث أعلنت الشركة العامة للكهرباء أن الشبكة الكهربائية تعرضت لأضرار جسيمة جراء تجدد الاشتباكات في مختلف مناطق جنوب العاصمة طرابلس.وأشارت الشركة في بيان لها على صفحتها الرسمية في فيسبوك أن فرق الصيانة بالشركة، بدأت بزياراتها الميدانية للشروع في أعمالِ الصيانة، وإعادة شبكة التوزيع إلى وضعها الطبيعي قبل الاشتباكات.

ووفقاً لبيان اللشركة فقد تعرض اثني عشر محولا، لإطلاق ناري بأحجام مختلفة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من أربعة أيام، في عدد من الأحياء السكنية بمنطقة قصر بن غشير، وسيدي السائح، وضواحي منطقة السبيعة.

مساع قبلية

وفي ظل تأزم الأوضاع،تسارعت جهود بعض قبائل المنطقة الغربية في ليبيا لإنهاء الاقتتال الدامي بين الميليشيات في العاصمة طرابلس.وكان وفد المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة عقد اجتماعا السبت مع مشايخ وأعيان مدينة ترهونة قبل توجهه إلى العاصمة طرابلس،الأحد، حيث بحث مع مشايخ قبائل المدينة مواصلة الجهود الحثيثة للتوصل إلى وقف إطلاق النار بصورة نهائية، وإبرام مصالحة شاملة بين أبناء الوطن الواحد.

وأعلن المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة، مساء الأحد، قبول التهدئة، من طرفي النزاع، والقتال الواقع حول ضواحي العاصمة طرابلس، بعد تواصل المجلس مع مجلس ترهونة الاجتماعي والمجلس الأعلى لأعيان مدينة طرابلس. وأعرب المجلس عبر صفحته على فيسبوك، عن أمله في أن تفضي هذه الخطوة إلى نزع فتيل الأزمة تمامًا، مؤكدًا استمراره وإصراره في مواصلة جهود رأب الصدع والمصالحة بين الأطراف المتقاتلة.

ونص الاتفاق على سحب قوات اللواء السابع مشاة آلياتها وأسلحتها الثقيلة والمتوسطة، والعودة بها إلى حدود مدينة ترهونة، جنوب شرق طرابلس.ويقضي الاتفاق الموقع بين المجلس الاجتماعي لترهونة، والمجلس الأعلى لأعيان مدينة طرابلس، بإطلاق سراح المحتجزين على الهوية، والالتزام بوقف إطلاق النار كدليل على حسن النوايا.

واتفقت أطراف الصراع في جنوب طرابلس على وجوب عدم تحريك أي آليات عسكرية أو قوات من مدينة ترهونة، إلى المناطق الجنوبية من العاصمة.وشدّد اتفاق المصالحة على الاعتذار إلى سكان مناطق جنوب طرابلس، عما لحق بهم من ضرر في الأرواح والممتلكات الخاصة، جراء الاشتباكات التي اندلعت في شهري آب أغسطس وأيلول سبتمبر من العام الماضي.

دور مهم

ولاقت هذه الوساطة التي قامت بها قبيلة ورفلة لإيقاف سفك الدماء،ترحيبا من المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،الذي سارع للإتصال هاتفيا بالشيخ محمد البرغوثي، أحد أعيان قبائل ورفلة، لشكره على مبادرة مجلس أعيان ورفلة في التوسط بين أطراف النزاع جنوب العاصمة طرابلس.بحسب ما أكدت  البعثة الأممية للدعم في ليبيا على صفحتها الرسمية على موقع التاصل الاجتماعي "فيسبوك".

وتعد قبيلة الورفله من أكبر القبائل الليبية، إذ يتجاوز عدد أبنائها مليون نسمة. وتنتشر في معظم أنحاء ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً وحتى خارج ليبيا. وتحظى بأحترام كل القبائل الليبية. وكانت ورفلة إختارت الولاء لنظام الزعيم الراحل معمر القذافي ورفض التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية مما جعلها عرضة لقصف التحالف الدولي بشكل غير مسبوق، كما تعرضت للهجوم من قبل الميلشيات في أكثر من مناسبة.

وتلقي جهود وقف إطلاق النار في طرابلس،الضوء على دور القبلية على المساعدة في المصالحة في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد،حيث يقف الرابط الاجتماعي القبلي مانعا قويا ضد كثير من الجرائم والانتهاكات،وكان للقبائل دور بارز في احيان كثيرة في احتواء تبعات الكوارث والتقليل من تعاظم خطرها بدرجة كبيرة جدا.

وتحولت ليبيا منذ العام 2011،الي بلد ممزق تتقاذفه الانقسامات والصراعات وتنتشر فيه التشكيلات المسلحة والتي أدخلت البلاد في دوامة عنف متواصل.وفي ظل الانقسام المؤسسي والسياسي والمجتمعي، وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد، يبقى الأمل معلقا على عاتق القبائل الليبية لإيجاد التوازن السياسي وجلب الاستقرار حيث يمكن للقبائل أن تساهم في المصالحة من خلال دورها الفريد في الحفاظ على الأمن في البلاد.