لا أحد من المتابعين للشأن الليبي فهم السبب الذي جعل الدبيبة وحكومته يمرران المشادة التي وقعت في مجلس الوزراء يوم 45 أغسطس، مع وزير البيئة ابراهيم منير حول أوضاع الجنوب وحادثة بنت بية، ولم يتم قطع البث إلا بعد أن وصل كل شيء للمشاهدين. خلل اتصالي كبير وقع فيه الدبيبة، أظهر عدم فهم الرجل لنواميس الدولة ودبلوماسية الكلام السياسي، لكنه كشف أيضا حجم الخلافات داخل حكومته وعدم الانسجام بينها، بشكل ينذر بانفجارها في أي لحظة باعتبارها تعيش ضغط الشرعية داخليا وخارجيا وتحاول البقاء في تموقعها دون أي تجاوب مع الدعوات التي تحذر من طول الانقسام الذي يخيّم من جديد على البلاد.

لكن المشادة مع وزير بيئته بينت للناس أن هناك خلافات بين الدبيبة ومحيطه، وما وقع مع ابراهيم منير ليس الاستثناء. فالرجل الذي لا يعيش أفضل أيامه هذه الفترة، ويواجه إشكاليات مع مؤسسات حيوية أخرى في البلاد، آخرها مع مجلسي النواب والدولة اللذين يعتبر الدبيبة أنهما مؤسستا إسناد لحكومة فتحي باشاغا وأداتا ضغط عليه في معركة الصلاحيات التي يخوضها من أجل البقاء في موقعه.

في آخر مستجدات الخلاف طالب عبد الحميد الدبيبة المجلسين بالكف عما سماه "العبث" وإقرار القاعدة الدستورية المرتقبة لإجراء الانتخابات لحل الأزمة السياسية في البلاد، لأنه لا يمكن الذهاب إلى طريق آخر. وقال الدبيبة، في كلمة له في احتفالية أقيمت بمدينة الخمس يوم 13 أغسطس، إن مجلسي النواب والدولة يحاولان التمديد لنفسيهما وتكرار المراحل الانتقالية، وهي اتهامات يحاول عبرها رد الاتهامات بالفشل التي تلاحقه على مستويات مختلفة.

وطالب رئيس حكومة الوحدة بالذهاب إلى الانتخابات ليختار الليبيون من يقودهم، مؤكدا أن "حكومته قدمت الأموال اللازمة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات لكن المشكلة لا تزال قائمة وهي ممثلة في عدم التوافق على القاعدة الدستورية التي تجري على أساسها الانتخابات بعد إصدار القوانين الانتخابية".

لكن تصريحات الدبيبة قوبلت بالرفض من مختلف الأطراف في مجلسي النواب والدولة معتبرينها محاولة للهروب من مسؤولية الفشل في الأزمة الحالية والفشل السابق في إجراء الانتخابات التشريعية والتنفيذية في موعدها المقرر نهاية العام الماضي.

وفي تعليق على تلك الاتهامات قال عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي في تصريحات لموقع "إرم نيوز"، إن هجوم الدبيبة على المجلسين يعود إلى فشل مسعاه في إيجاد أغلبية مساندة له في كليهما، وردة فعل اندفاعية على النواب الذين منحوا الثقة لحكومة باشاغا، بالإضافة إلى عدم رضاه على غالبية أعضاء مجلس الدولة الذين لا يجد منهم دعما صريحا لحكومته.

من جانبه اعتبر عضو مجلس الدولة الاستشاري عادل كرموس أن ما قاله رئيس حكومة الوحدة "كلام مستهلك وخالٍ من أي مضمون ولا يجب أن يصدر عن حكومة تعهدت بإجراء الانتخابات قبل 24 ديسمبر ولم تلتزم بذلك، والآن تستعطف الشباب بإلقاء التهم على الأجسام التشريعية التي مهمتها إصدار القوانين فقط،" مضيفا في تصريحات صحفية أن "الجميع يعلم أن سبب عدم إجراء الانتخابات الرئاسية رغم وصولها إلى مراحلها النهائية هو عدم قدرة حكومة الدبيبة على حماية صناديق الاقتراع نتيجة عدم بسط سيطرتها وفرض الأمن في كل البلاد".

أما عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، فقد حمل عبد الحميد الدبيبة مسؤولية الانسداد السياسي متهما إياه بإفساد الانتخابات، قائلا في تصريحات لمواقع محلية إن ”الدبيبة يمارس الكذب والتدليس وهو من رفض قانون الانتخابات الذي ينص على توقف شاغلي المناصب عن أعمالهم“ وفق تعبيره. 

الخلاف مع مجلس النواب قد يفهم، باعتباره هو من منح الثقة لحكومة فتحي باشاغا، وهو من أنهى شرعية الدبيبة، معتبرا أن حكومته منتهية الصلاحية حسب الاتفاق الموقع بجنيف وليس من حقها التمديد لنفسها، وهذا ما أكدته عريضة موقعة من قرابة 60 نائبا تدعوه إلى تسليم السلطة بشكل سلس، تجنيبا لأي توتر قد يحصل في البلاد.

لكن الخلاف مع مجلس الدولة هو عملية قفز في الهواء وبحث عن خصومة لا طائل منها وتدل عن هوس أن الجميع يترصده، وهذا غير صحيح في جانب وصحيح في جانب ثان. غير صحيح أن الدبيبة مستهدف في شخصه لأنه في كل الحالات شخصية مرحلة لا تاريخ سابقا له، ولا يُعتقد أن يكون له مستقبل سياسي بالنظر إلى ضعف سيرته الشخصية إلا في تموقعات صغيرة لا تشفع للوصول إلى الموقع الأول تقريبا في ليبيا. وصحيح لأن الرجل الحالم بمجد سياسي جوبه بطلب مع أعضاء في مجلس الدولة في القاهرة بضرورة ترك موقعه لحكومة شرعية بعد انتهاء ولايته.

ووسط هذه التطورات عادت المخاوف في الشارع الليبي من تعمق الأزمة السياسية والعودة إلى ما قبل هدنة مايو 2020، أي إلى الحرب التي تبقى هاجسا مخيفا ومنحى لا أحد يريد الذهاب نحوه بالنظر إلى الأضرار البشرية والنفسية والمادية التي تركتها على امتداد سنوات، والقوى الدولية المتداخلة بدورها تعرف جيدا أن الجميع سيكون متضررا من أي فوضى جديدة قد تحصل وتسعى عبر حلفائها إلى إيجاد مخرج حقيقي يفضي إلى انتخابات تُعطى فيها الكلمة للشعب من أجل اختيار ممثليه بكل حرية.